قاعدة "شريطين على كمى" والرغبة فى الاستقرار والدوران فى فلك السلطة.. وراء دعم محافظة "الفلول" للدستور لم يكن أكثر المتفائلين فى معسكر الرئيس محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين يتوقع حدوث تغيير دراماتيكى فى موقف محافظة المنوفية ونمط تصويت ناخبى المحافظة من الاستفتاء على الدستور بمثل هذا المعدل غير المسبوق، فالمحافظة التى سبق لها وأيدت الفريق أحمد شفيق فى انتخابات الرئاسة أمام الدكتور محمد مرسى بنسبة تزيد على 82% كان يعول عليها الفلول بشدة لإيجاد توازن مع نتيجة الاستفتاء فى مرحلته الأولى، بل إن الفريق أحمد شفيق المرشح الخاسر كان يراهن كثيرا وبحسب قوله على "بهائمنا فى المنوفية"، لإعاقة تمرير الدستور وهو تصريح أشعل حالة من الغضب بين السواد الأعظم من مواطنى المحافظة ودفعهم إلى معاقبته بالتصويت ب "نعم" للدستور بنسبة تزيد على 49% بارتفاع نسبته 38% بالمقارنة بنسبة 18% حصل عليها الرئيس مرسى فى انتخابات الرئاسة الماضية. وإذا كان تأييد ما يقرب من نصف ناخبى المنوفية للدستور قد أثار اندهاش البعض فى ظل تحول الموقف بشكل كبير من معارضة شديدة للإخوان ومرشحهم إلى تأييد كبير لدستور لعب الإخوان الدور الأهم فى صياغته لم يثر استغراب المراقبين والعالمين ببواطن الأمور داخل المحافظة التى تشكل أحد أكبر معاقل البيروقراطية الرسمية فى مصر وأهم روافد ما يطلق عليه الدولة العميقة فى مصر. ولكن المحافظة الواقعة فى وسط الدلتا والتى تعد من أكثر المحافظات طردا لمواطنيها قدمت دلائل منذ عدة أسابيع على أن نمط تصويت مواطنيها خلال الاستفتاء سيختلف بشكل كبير عن انتخابات الرئاسة، فمراكز المحافظات كانت أكثر المراكز هدوءاً ولم تشهد مظاهرات منددة بالإخوان ولا بالرئيس مرسى، بل إن مقرات الجماعة داخل المحافظة لم تتعرض لأى حريق بالمقارنة بما طال جميع مقرات الإخوان وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة فى جميع محافظات مصر. ولا يجد أى مراقب أى صعوبة فى تفسير أسباب تأييد نسبة كبيرة من المنايفة للدستور فالمحافظة التى تشكل أهم روافد الجهاز الحكومى المصرى وتحكمهم عقلية الموظف الراغب فى الاستقرار وفى دوران العجلة حتى يضمن الحصول على راتبه الحكومى، لاسيما أن ضيق مساحة المحافظة والكثافة السكنية العالية جدًا قد عرقلت كل مساعى احتراف العمل الحر وأوصدت الأبواب إلا أمام العمل بالأجهزة الحكومية سواء الإدارية والشرطية أو العسكرية. وطبقا لقاعدة "شريطين على كمى ولا فدانين فى أرض أمى" التى يؤمن بها المنايفة كثيرًا، فقد سعوا للحفاظ على الاستقرار ودعم السلطة حتى لو كانوا معارضين لها حتى يضمنوا وفاء السلطة بالتزاماتها نحوهم من مرتبات وخدمات اعتقادًا منهم أن معارضتهم لهذه السلطة قد تعرضهم لعقوبات، خصوصا أن قطاعًا عريضًا من المنايفة كانوا يتخفون من نزعة انتقامية إخوانية منهم بعد تأييدهم الجارف لشفيق فى انتخابات الرئاسة، وهو ما لم يتحقق بل كلف الإخوان أحد أهم الخبرات الإدارية داخل الجماعة حاليا بحسب تعبير الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، الدكتور محمد على بشر كمحافظ للإقليم سعيًا لتضييق الفجوة مع المنايفة. وإذا كانت رغبة المنايفة فى الاستقرار ودوران العجلة وتأييد السلطة وإهانة الفريق أحمد شفيق ما سماه "بهايمنا فى المنوفية"، قد برر تأييد المنايفة للدستور فإن الدكتور سعيد صديق أستاذ الاجتماع السياسى فى جامعة عين شمس يضيف أسبابًا أخرى لهذا التأييد منها الطريقة التى سيق بها الدستور لمواطنى الأقاليم ومنها المنوفية كمسعى للحفاظ على الشريعة والهوية والاستقرار، ناهيك عن أن خيارات سكان الأقاليم تبدو محافظة ويلعب فيها الدين دورا كبيرا. واعتبر أن الطابع الخاص لمحافظة المنوفية ووجود نسبة كبيرة من مواطنى الدولة فى الجهاز الإدارى للدولة وتفضيلهم الدوران فى فلك السلطة جعل نسبة كبيرة منهم تؤيد الدستور سعيًا لتحقيق الاستقرار ومعه رغبة جارفة فى إنقاذ الاقتصاد الذى يعد المصدر الأول لتأمين رواتبهم مما دفعهم لتأييد هذا الدستور.