هذه المقالة ليست حول الدكتور صفوت حجازى كشخص، لكن كظاهرة جديرة بالتأمل، فهو ليس صاحب رأى يعتد به، لكن تصرفاته على الأرض تسوق خلفه التابعين دون تفكير، وهذه ظاهرة جديدة تتكون من آلاف الأشخاص، أغلبهم من الشباب والعاطلين عن العمل، تكوّن «ميليشيات» تتبع كل واحدة منها شيخا من شيوخ التيار الدينى، يتحرك أفرادها حسب أوامره إلى المكان الذى يريده، ويتعصبون لأى موقف يطلب منهم اتخاذه، وكلها أمور لا علاقة لها بالدين، ومنهج هذه الجموع واحد، الطاعة لا الفهم، الصراخ قبل الحوار، التهديد والوعيد بديل عن التصالح أو التفاهم، لأن البدائل الأخرى ليست فى أيديهم، لكن بيد شيوخهم، وهى ظاهرة تتناقض مع سكان المدن، الذين يتمسكون بفرديتهم، وتتنافى مع سلوك المتعلمين الذين يحكمون عقولهم، فهم يلعبون على السلوك الجمعى البدائى، وقد لا يكون الدكتور حجازى نموذجًا صارخًا لهذا النوع، فهناك شيوخ أكثر منه شعبية وتأثيرا، لكنه الأكثر حضورًا وغموضًا فى الوقت ذاته. لحية غير مشذبة، ونظارة رفيعة، وابتسامة مرسومة لا تغيب أبدا حتى وهو يطلق أقذع الشتائم، يتشارك فى هذا الأمر مع بقية الشيوخ الشتامين الذين انتقلوا من منابر الوعظ إلى أجهزة الإعلام، وهم ما أن ينتهوا من وصلة الردح حتى يختموا شتائمهم بالصلاة والسلام على رسول الله، لكن هناك فيديو غريب انتشر على عديد من المواقع يؤكد أن الدكتور حجازى قد تجاوز مرحلة السباب إلى حافة الإجرام، ورغم أن ميدان التحرير قد أكسبه شعبية جارفة، فلم يتساءل أحد: من أين جاء هذا الشيخ، وماذا يمثل؟ ما قيمته الفكرية؟ ومن أين جاءت شهادة الدكتوراه التى يحملها مثل معظم المشايخ دون أن نعرف أصولها؟ فالشيخ صفوت خريج قسم رسام خرائط من آداب الإسكندرية، ذهب للعمل بالسعودية، ويقول إنه تتلمذ هناك على أيدى فقهاء مكة، وله بعض المؤلفات، لكنها لا تتعدى تحقيق ثلاثة كتب لمؤلف سعودى من أصل مصرى مات منذ أعوام قلائل، أى أنه لم يكتشف مخطوطا قديما، ولم يحقق تراثا، لكنه زاحم مؤلفا معاصرا ووضع اسمه على كتبه، يقال أيضا إنه حصل على دكتوراه من جامعة ديجون فى فرنسا، وهو أمر لم يتم إثباته حتى الآن، فالجامعة مخصصة للغة الفرنسية وآدابها، ولا توجد لها علاقة بدراسة الديانات المقارنة، ولا أحد يعرف إن كانت درجتا الماجستير والدكتوراه اللتان حصل عليهما من هذه الجامعة فى القرآن والحديث، قد كتبتا بالعربية أم بالفرنسية، فلم تنشر أى واحدة منهما، ولم ينبس الشيخ ببنت شفه بالفرنسية! المهم أن الشيخ كان طرفًا فى عديد من الأحداث دون أن يكون طرفا فى أى حوار يستدل به على مستواه الفكرى. ثلاث صور أحفظها للشيخ صفوت حجازى، الأولى كانت فى مليونية إعادة الثورة، كنت أقف على جانب من الميدان كما تحتم علىّ سنى، بعيدا قدر المستطاع عن الأجساد المتدافعة، لكنى وجدت من يدفعنى بعنف، كانوا جمعًا من الشباب يحملون الشيخ صفوت حجازى فوق الأعناق، يزيحون كل من يقف فى طريقهم، يضعونه فوق منصة الإخوان المسلمين، ثم يرددون خلفه كل شعار يهتف به، اعتقدت لحظتها أننى أمام زعيم خارق للعادة، ولد من رحم الثورة، يصر على أنه لا ينتمى إلى أى فصيل غير فصيلها، لكن فوجئت به فى ما بعد ينحنى ليقبل يد المرشد العام للإخوان، لا يعلن بذلك عن انتمائه فقط، لكن عن خضوعه وضعه نفسه، رأيته للمرة الثانية وهو يقف خطيبا فى مدينتى المحلة الكبرى، كان اجتماعا حاشدا فى استاد المحلة، عقدته جماعة الإخوان المسلمين لنصرة مرشحها الدكتور مرسى، وكان أعداد الجموع كاسحة، ملأت المدرجات ومسطح الملعب الأخضر عن آخره، واستغربت أن هذه المدينة العمالية المناضلة قد تحولت بأكملها إلى الإخوان، ولم أفق من هذا الوهم إلا عندما ظهرت النتيجة، واكتشفت أنها ما زالت على حسها الثورى، وانتخبت مرشح الثورة حمدين صباحى، وأعتقد أنه كان لخطبة الشيخ صفوت أكبر الأثر فى هذه النتيجة، فقد وقف أمام جماهير العمال، لا ليحدثها عن قضايا الاستغلال الذى تتعرض له، ولا العدالة التى تتوق إليها، لكن يحدثها عن دولة الخلافة التى سيكون مقرها القدس، لم يفهم أحد كلماته الغريبة، واعتقدت وقتها أن الرجل خرج عن عقله، وأنه يتحدث مع جموع الفلاحين والعمال فى قضية لا تخصهم، لكنه كان يخاطب قيادات حزبه، يداعب حلمهم الضائع والغامض والبعيد عن قضايا الحاضر، لكنه كامن فى النوايا، ولم يكن غريبا أن يتخلى الرئيس مرسى عن شعارات الثورة فور دخوله إلى القصر، فقد أفصح الشيخ صفوت دون أن يدرى عن ضمير جماعته، وربما كانت هذه أصدق لحظاته. ثم نأتى للفيديو الذى يصور الشيخ صفوت وهو يقوم بتعذيب مواطن مصرى، يعاونه فى ذلك بعض الشباب من أتباعه، الغريب أنه لم ينكر هذه الجريمة، لكنه تحدث عنها متفاخرا، ومؤكدا أن الضحية كانت تستحق ذلك، لأنه واحد من أفراد أمن دولة، وهو محترف والدليل على ذلك تحمله كل هذا القدر من التعذيب، ثم تبين كذب هذا الادعاء، فلم تكن الضحية إلا محاميا مصريا مسكينا يعمل فى طنطا، وجاء للميدان فأوقعه حظه السيئ فى يد هذا الشيخ «السادى» وأتباعه المتعصبين، ويبدو أن هذه سمة مشتركة، فالدكتور أسامة ياسين وزير الشباب المصرى الحالى وهو من شباب الإخوان المسلمين، تفاخر بأنه وجماعته ضربوا شابا لحد الموت ثم تبين أنه كان فردا منهم، ففى وسط الفوضى والعنف والاضطراب نشأت أخوية دينية جديدة لا تتعامل مع خصومها إلا بالضرب والسحل والتعذيب، استيقظت داخلهم غرائز الحيوانات الضارية، وباركت صيحات المشايخ كل ما يقومون به من هجمات، وهم على يقين أن معارضيهم من القوى المدنية ليسوا إلا مجموعة من الملحدين والفلول والأقباط والخائنين للوطن وللرئيس المؤمن، وبلغ ذلك الشحن ذروته فى أحداث القصر الجمهورى، فقد هاجموا المعتصمين والمتظاهرين أمام القصر بوحشية، وبكل ما فى أنفسهم من عنف، بشراسة التعصب والبطالة والضائقة الاقتصادية، وقد تكررت المأساة، وأصبح فيديو الشيخ صفوت عشرات الفيديوهات، ظهرت صور الضحايا الذين تم القبض عليهم، وبدت البشاعة وهم يتعرضون للضرب والتعذيب حتى يعترفوا أنهم خونة وعملاء للبرادعى وصباحى، وفى بعض الحالات حرص «المتدينون» على أن يحدثوا فى أجساد ضحاياهم عاهات مؤثرة تبعدهم عن أماكن التظاهر لفترات طويلة، لقد شاهدنا صورًا من البشاعات لا يمكن أن تحدث بين أبناء الوطن الواحد، ولن ينسى أحد صورة المهندس الذى كانوا يسوقونه وهو غارق فى دمه، يسألونه عن اسمه فيقول إنه لا يتذكر، كان مسيحيا طيبا وعاديا مثلنا جميعا، خائفًا من أن يعترف بهويته الدينية، فتزداد عليه وطأة التعذيب وربما تؤدى به إلى القتل، هؤلاء الوحوش يسعون بيننا الآن، وسيزداد عددهم لأن كلمات التحريض لم تتوقف، ولأن الشرطة تغض الطرف عن أفعالهم، ولعل الدكتور صفوت حجازى سعيد الآن، فقد خلق بيننا جيلا عنيفا وهائجا ومستنفرا، والخوف الأعظم أن تنتقل عدوى العنف إلى القوى التى تعارضهم، وسنكون بذلك قد مهدنا الأرض لحرب أهلية لن ينجو منها أحد، فليرحمنا الله جميعا.