يتواصل بإذن الله تعالى الاستفتاء على دستور مصر القادم. فريق سيفرض كلمته قسرا وفريق سيموت قهرا. حَفِظ الله مصر من شرور الاستفتاء ونتائجه وشهوة الفرحة والسخرية فيه، بل ربما نصل إلى رغبات جمة فى الانتقام من بعضنا بعضا. رأيى الشخصى أن الدستور سيتم التصويت عليه بالمواقفة رضاءً أو قسرًا بأى طريقة كانت ولن تقل النتيجة النهائية عن سبعين فى المئة حتى يكون بالضربة القاضية، والتصويت على مرحلتين، وإن كان ضرورة قضائية أو لأسباب خفية فهو فرصة جيدة لحشد الحشود وتجييش المؤيدين فى المرحلة الثانية فى، محافظات الصعيد، الفيوم والمنيا وقنا التى كانت سببا رئيسيا فى نجاح الدكتور مرسى فى انتخابات الرئاسة. والاستفتاء تم فى القاهرة والإسكندرية والدقهلية والغربية والشرقية التى حصل الدكتور مرسى فيها على أصوات أقل، وجميعها محافظات ذات كتلة تصويتية عالية جدا من إجمالى عدد أصوات المصوتين، وإجراء الاستفتاء فى يوم واحد بدلا من يومين فيها هو أشبه بمباراة كرة قدم نهائية دون وقت إضافى أو ضربات جزاء، لكنها مباراة استعد لها فريق جيدا بكل السبل والوسائل حتى القتالية منها، لكى يجهز على خصم دخل السباق فى آخر شوط بعد تردد كبير بين المقاطعة والمشاركة، وهو أمر أضر بقدراته كثيرا على الحشد والتجييش، لكن هذا لا يمنع أن هناك مؤيدين للوقوف معه للأسف أصحاب خبرة سابقة فى الحرب والقتال. المشهد أمامى وهو ما لا أتمناه أن غدا سيكون ساحة قتال فى عدة مواقع يدفع ثمنها الوطن من أجل دستور يفرض قصرا سواء اتفقت مع الكثير من مواده العامة أو اختلفت يقينا مع بعض مواده التى أقحمت قهرا لتصنع نظاما جديدا يرث نظاما بائدا من تكريس حكم الحزب الواحد ولا مجال لتداول السلطة بعده، ولا مجال لمعارضة محترمة والأيام القادمة حبلى بالحقائق التى إن لم يرها الكثيرون الآن ممن ينظرون تحت أقدامهم أو يسيرون مع الركب بدعوى الاستقرار المنشود، لكنهم سيتذوقونها مستقبلا شاؤوا أم أبوا، ولكن نظرا إلى ضعف الذاكرة التى أصبحت أضعف من ذاكرة السمك سيدعون التناسى أو ربما سيستأنسون هذا الوضع المفروض عليهم إلى حين، حتى يأتى جيل آخر له كرامة يبحث عنها وحرية يتمناها، للأسف الشديد ليس الصراع غدا بين حق وباطل، بل أراه بين باطل وباطل. ففريق الأغلبية ذو الصوت الأعلى يشكك فى كل من يعارضه ويكفره ويلعنه ويخرجه من دينه وينزع عنه رداء الوطن بمبدأ «أنا الدين والدين أنا».. فمن كان معى دخل جنتى ومن عادانى استحق لعنة الله ولعناتى، والفريق الآخر لا هوية له معارض دائما بدعوى الوطنية والحرص على الديمقراطية، وهم كثيرٌ لكن قلوبهم شتى أهدافهم متفاوتة. فريق مصاب بانفصام الشخصية يتحرك بعد فوات الأوان كالغريق يتخبط بيديه ولا يجد من ينقذه من فريق يكيل له اللكمات، ليل نهار جراء وجوده فى موقع الحكم والسلطة والمسؤولية. نعم القادم أصعب ولنتذكر ذلك جيدا فليس الأمر مجرد إقرار دستور بمواده التى جاء بها ودافع من أقروه ومؤيدوهم عنه دفاعا عن العرض والدين، كأنه دستور رب العالمين، بل جعلوها حربا كبرى لا تحتمل نتيجتها إلا النصر، ولكن السؤال الأهم ماذا بعد النصر المبين؟ سيل من القوانين التى تخدم الأهداف الخفية التى وضع لها الدستور ستظهر مع انتخابات مجلس الشعب ثم الشورى ثم المحليات ليضع فريق واحد يده على كل مقاليد الحكم حينها لنرى فريق المؤيدين ب«لا». رؤية ماذا سيجنون لو ظل حال الوطن كما هو ولم نتقدم قيد خطوة، اللهم إلا أننا استبدلنا نظاما شموليا بنظام شمولى آخر، لأن السلطة المطلقة مفسدة المفاسد. نعم تريد مصر استقرارا وأمنا لكى تدور عجلة الحياة، ولكن العجلة لن تدور بقسمة الوطن وتكريس الدولة فى يد فريق واحد وإقصاء الآخر بكل فئاته وكفاءاته أمام فريق بلا خبرات ولا تنوع القيادات والكفاءات عاش عقودا يبحث عن وجود لبناء جماعة لا بناء دولة. الحقائق المستقبلية قد تكون مُرَّة بمرارة العلقم لا يراها الكثيرون وسبحان من يؤتى الحكمة من يشاء ومن أوتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا، ولكن الحكمة ضالة المؤمن يبحث عنها دون تعصب ودون مطامع ودون أحقاد ودون نزاع، وإذا رأيت فريقا يحارب ويقاتل بضراوة بدعوى الدين من أجل دنيا زائلة فاعلم أن الحق ضائع وأن من يؤيده مغيب، وحين ترى منابر تُستَغَل باسم الدين نسمع فيها السب واللعن، فاعلم أن الدين منها براء فدين الوسطية والرحمة والاعتدال لا يأمر إلا بالقسط والتراحم والرحمة والبعد عن الفُرقة والشقاق والنزاع قال تعالى: «وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين». صدق الله العظيم. د.هانى أبو الفتوح