كنا قديمًا نضرب المثل ببلاغة كبار القضاة والمحامين وصائغى القوانين «لأنهم كانوا بالفعل جواهرجية الكلمات»، لانضباط لغتهم، وجزالة تعبيراتهم، ونصاعة صياغاتهم المحكمة. فطلع علينا الإخوان والسلفيون بدستور ركيك مترع بالأخطاء اللغوية والنحوية. يتسم بغياب الانضباط اللفظى والقانونى، وميوعة اللغة الفضفاضة وركاكتها، والتخبط بين مواده المختلفة. دستور تزعم ديباجته أنه «وثيقة ثورة الخامس والعشرين من يناير التى فجَّرها شبابنا والتف حولها شعبنا.. بعد أن رفضنا كل صور الظلم والقهر والطغيان والاستبداد والإقصاء والنهب والفساد والاحتكار، وجاهرنا بحقوقنا الكاملة فى العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية». بينما يعمل نصه بخبث وتدليس على إجهاض كل مطالب الثورة فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. لأن صناع الثورة الحقيقيين غابوا عنه، ولم يدعوا لكتابته، بينما شارك وبقوة فى صياغته، لنكد الدنيا على مصر وثورتها، من لم يشاركوا فى الثورة، بل حرّموا الخروج على الحاكم، وأثّموا الثورة فى أثناء اندلاعها من السلفيين. ولن أكرر هنا ما سبق أن كتبته من أن الجمعية التأسيسية التى أنتجته باطلة وفاقدة للشرعية والمصداقية، ولا تمثل الثورة أو حتى الشعب المصرى تمثيلًا متوازنًا. لأن المجلس الذى شكَّلها باطل وفق حكم المحكمة الدستورية، وهو الحكم الذى ينسحب على مجلس الشورى الذى واصلت عملها فى أبهائه، وتحت رعايته، ثم عطل الإخوان والسلفيون فى يوم أسود فى تاريخ مصر «يوم 2 ديسمبر» المحكمة الدستورية ومنعوها من الانعقاد للنظر فى شرعيته هو والجمعية التأسيسية معًا. فهو دستور باطل، صدر عن جمعية باطلة. ولو كان فى مصر دولة قانون، ما تسلمه منها رئيس الجمهورية وما دعا إلى الاستفتاء عليه. لذلك أدعو الناخبين المصريين إلى الخروج، لو فرضت المؤسسة الشرهة للاستبداد عليهم الاستفتاء عليه قسرًا، والتصويت عليه بلا كبيرة ومدوية، لأنه دستور يكرِّس الاستبداد، ويزرى بحرية الإنسان المصرى وكرامته، ويجهض كل مطالب ثورة مصر العظيمة التى دفع شبابها ثمنها غاليًا من الشهداء والجرحى، ويستخدم لذلك أقبح سبيلين، وهما الرشوة والانتقام. وبعيدًا عن التدليس الدائر فى وسائل الإعلام، الذى حشد له المتأسلمون والسلفيون كل قواهم البائسة للتمويه على عيوبه، والتدليس لغة، كما يقول «لسان العرب»، المخادعة وإخفاء عيب السلعة عن المشترى. تدليس يقول إنه دستور يطبّق شرع الله والله وشريعته منه براء. ويزعم أن الخلاف فيه هو على حفنة قليلة من المواد، يمكن تعديلها أو التوافق عليها فى ما بعد، والخلاف بحق على الدستور الفاسد كله. بعيدًا عن هذا التدليس أود أن أبدأ بالقول إن لكل دستور فى العالم فلسفة تصدر عنها كل مواده. فلسفة جامعة لها أركانها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية، تنبثق عنها كل الضوابط الدستورية الناظمة لمواده وأبوابه المختلفة. وكان المأمول، بعد ثورة مصر العظيمة التى صاغ الثوار فلسفتها البسيطة فى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، فتلقفتها منهم جماهير غفيرة فى أوروبا وأمريكا رأت أنها كشفت ببساطتها تلك عن خلل بنيوى فى نظام العالم الراهن وعولمته الجائرة، أن تكون هذه المبادئ هى أركان الفلسفة التى ينهض عليها الدستور الذى يزعم أنه وثيقة تلك الثورة. لكن مَن يقرأ هذا الدستور بتمعّن يجد أنه يفتقر إلى تلك الفلسفة بل يناهضها، وإلى أى فلسفة متماسكة تسرى فى مواده وتتحكم فى بنيته. لأنه دستور صادر عن التخليط والتدليس، والدلس أيضًا هو الظلمة التى يسدلها مبررو الدستور على العيون، كى لا ترى عواره، ولا تكتشف عيوبه. وأشد أدوات هذا التدليس خطرًا هو الزعم بأنه دستور يطبّق شرع الله، بينما هو دستور يكرِّس شرائع الاستبداد ويسوغها بالرشوة والانتقام. تكريس الاستبداد ولنبدأ بالمسألة الأولى وهى تكريس الاستبداد. فقد كان استبداد نظام مبارك واستهانته بمقدرات شعبه ومستقبله هو الدافع الأساسى للثورة عليه، وما يفعله هذا الدستور هو تكريس الاستبداد والاستهانة بمقدرات الشعب وأحلامه فى العدل والكرامة والحرية. وقبل الكشف عن المواد التى تكرِّس الاستبداد، علينا تذكر الطريقة التى تم بها سلق الدستور بليل، وتمريره، والتى تكشف عن أن يد الاستبداد هى العليا. فكلنا سمع عن مهزلة تصويت 16 عضوًا من تلك الجمعية التأسيسية المعيبة نفسها على مادة منه بلا، وكيف كشر لهم الغريانى عن أنيابه، وقال لهم هل تدركون ما يعنيه هذا، إنه تأجيل التصويت عليها ليومين، وكانت أوامر السمع والطاعة قد صدرت بضرورة الانتهاء من إقراره فى نفس الليلة، فلما أعاد التصويت بعد دقائق غيّر 75% منهم رأيه لنعم، ولم يتمسّك بلا غير 4، فمرت المادة، كى يتم سلق الدستور فى ليلة واحدة. لكن الاستبداد الذى تكشف عنه هذه الفضيحة يهون أمام ذلك الذى تكرِّسه مواده. فقد كان المأمول أن يسعى أول دستور للثورة إلى وضع دعائم نظام جديد يقوم على ثلاث ركائز أساسية تجسِّد فلسفة تلك الثورة فى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية: دولة قادرة ومكينة تهتم بمستقبل أبنائها، وقانون حاكم تخضع له الدولة ويرد للمواطن كرامته، ومواطنون أحرار قادرون على محاسبة مَن يتولّى إدارتها. لكن ما طلعت علينا به تلك الجمعية وما يجبرون الشعب على الاستفتاء عليه وقد طبخ بليل، هو دستور يكرِّس الاستبداد. فعلى عكس المبدأ الأول فى ديباجته، والذى يقول إن الشعب مصدر السلطات، نجد أن مواد الدستور كلها تكاد تنطق، بأن السيادة كلها لرئيس الجمهورية وحده، وتحيله إلى ديكتاتور مستبد. فتعالوا لنتأمل السلطات التى يمنحها هذا الدستور للرئيس فى مواده المختلفة، والتى يقول لنا الإخوان الكاذبون إنها قلّصت سلطات رئيس الجمهورية. فمع أنه لم ينص حتى على ضرورة معرفته القراءة والكتابة، أو حصوله على شهادة التعليم الأساسى التى اشترطها الدستور فى عضو مجلس النواب، ناهيك بالمؤهل العالى الذى اشترط حصوله للترشح لمجلس الشورى. فله سلطات تتغول على السلطة التشريعية والقضائية معًا، فليس صدفة غياب مبدأ الفصل بين السلطات من المبادئ التى تعددها ديباجة الدستور، أو مواد بابه الأول. لذلك من حق رئيس الجمهورية التحكم وحده فى السلطة التشريعية ودعوة المجلسين النيابيين للانعقاد العادى «مادة 94» أو غير العادى «95» فى مكانهما أو أى مكان استثنائى «92»، وطلب سرية الجلسات متى أراد «93» وفض دورة انعقاده «94». وله اقتراح القوانين «101» ومن حقّه الاعتراض على القوانين التى يصدرها المجلسان التشريعيان وردّها لهما «104»، وإيقاف جلسات مجلس النواب وحلّه بقرار مسبّب، والدعوة لانتخابات مبكرة «127 و139»، ويجوز له فى غياب المجلسَين إصدار قرارات لها قوة القانون «131». هذا فضلًا عن أنه يعيّن عشرة فى المئة من أعضاء مجلس الشورى «129». أما سلطاته التنفيذية فحدث عنها ولا حرج، لأنها تفوق كثيرًا كل ما تمتع بها سلفه الذى أسقطته الثورة. وتكفل له أى يكون ديكتاتورًا كاملًا. فهو رئيس الدولة، ورئيس السلطة التنفيذية «132» الذى يختار رئيس مجلس الوزراء ويكلفه بتشكيل الحكومة «139»، ويضع السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها «140»، وهو المسؤول عن الدفاع والأمن القومى والسياسة الخارجية «141»، ويدعو الحكومة للاجتماع متى أراد ويتولّى رئاستها «143»، ويمثّل الدولة ويبرم باسمها المعاهدات ويصدق عليها «145»، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة «146»، والرئيس الأعلى للشرطة «199». يعين الموظفين المدنيين والعسكريين والدبلوماسيين والسفراء ويعزلهم «147»، ومن حقه إعلان حالة الطوارئ «148»، وله حق العفو عن العقوبات أو تخفيفها «149» ودعوة الشعب للاستفتاء على ما يراه من أمور «150»، واتهام رئيس الوزراء أو الوزراء وتحويلهم للمحاكمة «166»، ويعين أعضاء المحكمة الدستورية العليا «202»، ويرأس مجلس الأمن القومى «193» ومجلس الدفاع الوطنى «197». ومع هذا كله لا يجوز اتهامه بالخيانة العظمى أو بارتكاب جناية إلا بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية الثلثين «152»، ويعين النائب العام «173»، ويعين رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية كلها ويتلقّى تقاريرهم «201، 202»، وله حق طلب تعديل مواد الدستور «217». رشوة العسكر وتقييد الحريات كل هذه السلطات ويدلسون علينا كذبًا قائلين إن الدستور قلّص سلطات الرئيس. لقد كفل له سلطات لا تمكنه من أن يصبح مستبدًّا لا يحاسب فقط، كما أراد أن يفعل بإعلانه الدستورى الذى شق الأمة ولا يزال، بعد التمويه عليه بالسحب والإعلان الجديد، ولكنها تجعل توجيه أى اتهام إليه شبه مستحيل «يتطلب موافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب» وتمنحه كذلك حق التغول على السلطة القضائية بتعيين النائب العام، وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية. وهو، علاوة على هذا كله، لا نائب له. كى يمارس كل هذه الصلاحيات بمفرده وبديكتاتورية مطلقة دون رقيب أو حسيب، لأنه هو الذى يعيّن رؤساء الأجهزة الرقابية ويعزلهم إذا ما سوّلت لهم أنفسهم أخذ شىء عليه. وإذا ما أردنا التيقن من تلك الديكتاتورية المطلقة فما علينا إلا قراءة المواد المتعلقة بسلطات رئيس الوزراء «159». وهى التى تكشف عن كذبة أخرى للإخوان الكذابين، بأنه دستور يأخذ بنظام السلطة المختلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. لأن مَن يقرأ هذه المادة والمواد الخاصة برئيس الحكومة، يجد أنه فضلًا عن أن له أكثر من نائب، فإن كل سلطاته هى من نوع «الإشراف» و«الاشتراك» و«التوجيه» و«المتابعة» و«إعداد» الميزانية أو مشروعات القوانين و«مراقبة» تنفيذها وغير ذلك من المفردات التى تجعله بحق مجرد سكرتارية لرئيس الجمهورية، وليس شريكًا له فى السلطة، أو رئيسًا لحكومة تدير شؤون البلاد. فلماذا قمنا بالثورة إذن؟! ولأن الاستبداد يمشى على عكَّازين: أولهما السلطة المطلقة للحاكم، والمدعومة عادة بالعسكر من ناحية وبالقوانين الاستثنائية من ناحية أخرى، فإننا نجد أن الدستور لم يقصر فى دعم سلطة الرئيس المطلقة عسكريًّا من خلال رشوة العسكر، وتمرير المادتين اللتين سبق الاعتراض عليهما فى وثيقة السلمى سيئة السمعة، والتى اعترض عليها وقتها الإخوان الكاذبون الذين وافقوا عليها هذه المرة. فقد قيد الدستور إرضاءً للعسكر حق رئيس الجمهورية فى إعلان الحرب أو إرسال القوات المسلحة خارج البلاد، إلا بعد موافقة المجلس العسكرى / مجلس الدفاع الوطنى «146»، كما حظر على مجلس النواب ولجانه مناقشة ميزانية الجيش، وإنما خول مجلس الدفاع الوطنى وحده حق النظر فى هذه الميزانية، وفى كل ما يتعلق بالقوات المسلحة من قوانين. كما منح الرئيس سلطات فرض حالة الطوارئ. أما العكاز الآخر وهو تقييد حريات المحكوم والعصف بحقوقه، فإن هذا الدستور يعد أسوأ دساتير مصر جميعًا فى ما يتعلق بحريات المحكومين وحقوقهم. فهو أول دستور مصرى تختفى منه المرأة كلية، ولا تظهر فيه إلا مرة واحدة وضمن مادة فضفاضة عن الأسرة. فقد حذفت منه إرضاءً للمتأسلفين كل المواد المتعلقة بحقوقها لعدم التوافق معهم عليها. كما أغفل تحصين حق المصرى فى جنسيته. فالمادة «32» التى تنص على حق الجنسية المصرية، لم تمنع إسقاطها عن أى مصرى، كما كان الحال فى الدساتير المصرية من قبل، وإنما تركت ذلك للقانون، مما سيفتح باب التلاعب بهذا الحق، ويوفر سلاحًا رهيبًا ضد المواطنين فى قابل الأيام السوداء التى سيحكمنا فيها التخلف والظلام. أما من حيث الحريات الأخرى، فقد أجاز الدستور فرض الرقابة على الصحف «48» وجواز محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية «198»، وفرض حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية عليهم، ولم يحرم حبس المواطنين فى جرائم الرأى. ومن أغرب مواد الزراية بحقوق الإنسان هى إجازة الدستور مسألة تشغيل الأطفال، وهى ضد الإعلان العالمى لحقوق الطفل، إذ تنص المادة «70»: «يحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن الإلزام التعليمى، فى أعمال لا تناسب عمره أو تمنع استمراره فى التعليم»، وهو ما يعنى أن هذا الحظر يتوقف بعد سن التعليم الإلزامى أى 12 سنة فى أفضل التأويلات و6 فى أسوئها، ويتوقف أيضًا إذا كان العمل يناسب عمره، أو لا يمنع استمراره فى التعليم، وهى جملة مائعة ومطاطة. دستور الرشوة والانتقام قلت إن سبيل هذا الدستور لتمرير الاستبداد هو الرشوة والانتقام. ولنبدأ بالرشوة، ففضلًا عن رشوة المؤسسة العسكرية كى تدعم استبداده، نجد به أكثر من رشوة: تبدأ برشوة محمد مرسى نفسه، بتضمين مشروع الدستور مادة «226» انتقالية تنص على الإبقاء عليه رئيسًا لمدة السنوات الأربع التالية، بينما كان الأولى أن تعاد كل الانتخابات بعد إقرار الدستور الجديد. ومادة أخرى «82» تبقى على مجلس الشورى المرفوض شعبيًّا، فلم يشترك فى انتخاباته غير 7% من الناخبين، والذى حصّنه مرسى فى إعلانه الدستورى من الحل حماية لصهره به، ولسيطرة جماعته عليه. وهناك أكثر من مادة تنطوى على رشاوى فاضحة للسلفيين: أولها تلك التى أدعوها بمادة «لازم حازم» التى ألغت الشرط الذى منع حازم أبو إسماعيل «الإخوانى السابق وحليفهم المتأسلف حاليًّا، الذى تحاصر جماعته مدينة الإنتاج الإعلامى خدمة لهم، فى نوع من التوزيع الماكر للأدوار» من الترشح للرئاسة. لأن المادة «134» أزالت الشرط الذى صوت عليه الشعب فى تعديلات مارس 2011، والذى يمنع من حمل أى من أبويه جنسية أجنبية من الترشح للرئاسة، كى تتيح لابن الأمريكية الترشح فى الدورة القادمة. وهناك رشوة أخرى مفضوحة للسلفيين أيضًا، ليست تلك المسؤولة عن التخليط الذى جلب مادتين لتفسير المادة الثانية الشهيرة، ولكن إسقاط كل مَن نادى بتحريم الثورة على الحاكم من المادة «232»، التى تحرم أعضاء الحزب الوطنى السابقين ونوابه بمجلسى الشعب والشورى من ممارسة العمل السياسى لمدة عشر سنوات. وكان الأولى لو كانت هناك عدالة دستورية بحق، أن تمنع معهم السلفيين الذين حرّموا الخروج على الحاكم والثورة عليه، من ممارسة العمل السياسى للمدة نفسها. وإذا ما انتقلنا إلى موضوع الانتقام، فإننى أذكّر القارئ بكل مَن تحدث عن المواد التى اقترنت بأسماء معينة يريد الإخوان الكذابون الانتقام منهم. فكما تمت رشوة حازم أبو إسماعيل بتغيير المادة التى حالت دونه والترشح للرئاسة، جرى الانتقام من أبى العز الحريرى «وكأن اعتداءهم عليه فى الإسكندرية لا يكفى»، بحذف الشرط الذى أتاح له الترشح لرئاسة الجمهورية، وهو أيضًا تغيير فى أحد المواد التى عدلتها لجنة طارق البشرى، واستفتى الشعب عليها. فلم يعد، وفق المادة «135»، من حق رؤساء الأحزاب الترشح للرئاسة، التى بمقتضاها أيضًا رشحت الإخوان «الإستبن»، فضلًا عن جمع التوكيلات لمرشحها الرئيسى خيرت الشاطر، دون الوعى بأنه بمقتضى التصويت على هذه المادة يصبح ترشح مرسى للرئاسة مطعونًا عليه. أما بقية مواد الانتقام فكثيرة، منها مادة عبد المجيد محمود «173» التى فضلًا عن انتقامها من النائب العام الذى صدر الإعلان الدستورى المرفوض لعزله، تعتدى على السلطة القضائية، وتجعل من حق رئيس الجمهورية المستبد التغول عليها. أما المادة التى دعاها الكثيرون بمادة تهانى الجبالى «176»، فإنها أخطر المواد الانتقامية، لأنها لا تكتفى بعزل عدد من قضاة المحكمة الدستورية الذين يتشبثون باستقلال القضاء، ولا يمالئون الإخوان الكاذبين، ولكنها تنتهك حرمة استقلالها بمنح رئيس الجمهورية حق تعيين قضاتها، لكن ما لا يدركه الكثيرون هو أن تقليص عدد مستشاريها من 19 إلى 11 يعنى شلها بالفعل، لأن دائرة المحكمة تنعقد بسبعة مستشارين، ولو طعن أحد برد تشكيل دائرة لها، فإنه لن يبقى من مستشاريها عدد كافٍ لعقد دائرة أخرى، وبالتالى يشل عملها، ناهيك بأن تقليص عدد أعضائها سيحول دون تكوين دائرتين تنجزان العمل حينما يتزايد. وشل هذه المحكمة والتغول على سلطاتها، وهى المحكمة المصنفة الثالثة على مستوى العالم، جريمة دستورية فاضحة بكل المقاييس. وهناك الكثير الذى يمكن قوله عن هذا الدستور الباطل، وعن عصفه بأى أمل فى العدالة الاجتماعية أو حتى تقدم مصر على أى صعيد. وهو أمر يحتاج إلى مقالة منفصلة. فهو دستور يحابى أصحاب الأعمال ويزرى بحقوق العمال والفلاحين، وينهى بعد دورة واحدة نسبة الخمسين فى المئة لهم من مقاعد المجالس التشريعية، ويضع العبء الضريبى كله على الفقراء والطبقة الوسطى. لكننى أكتفى هنا بهذه النقاط الثلاث، وقبل إنهاء هذه المقالة التى طالت عنه، لا بد من الإشارة إلى المادة «225» التى تقر هذا الدستور بأغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين فى الاستفتاء عليه. فالدساتير، خصوصًا بعد الثورات أو التغيرات الكبيرة فى حياة الأمم، لا تمرر بالأغلبية البسيطة لمن شاركوا فى الاستفتاء عليه، وإنما بالأغلبية العظمى، لكل من لهم حق الانتخاب، لأن الامتناع عن التصويت على أى دستور رفض قاطع له. فحينما استفتى شارل ديجول، وهو من هو فى ضمير شعبه وتاريخ أمته، الشعب الفرنسى على دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية عام 1958 استلزم أن يشارك فى الاستفتاء عليه 75% ممن لهم حق التصويت، وأن يكون التصويت له بنسبة 75% ممن يصوّتون. فأين هذا كله من تلك المادة المعيبة فى هذا الدستور الباطل؟! لقد كشفت للقراء عن أننا بحق إزاء دستور باطل، ليس جديرًا بالثورة المصرية العظيمة، ولا يستحق أن يستفتى عليه الشعب المصرى، ويجب أن يسقط.