تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    هدنة تكتيكية ! «1»    يورو 2024| إريكسن أفضل لاعب في مباراة الدنمارك وسلوفينيا    الرياضة: حملة بشبابها تشارك في احتفالات عيد الأضحى وزيارات للمحافظين للتهنئة    مشجعة كأس العالم تعلق على خسارة كرواتيا باليورو 2024    وفاة أحد الحجاج المصريين من كفر الشيخ أثناء رمي الجمرات    نغم صالح تطرح أغنية "شلق" بالتعاون مع مغني الراب شاهين (فيديو)    "Inside Out 2" يزيح "Bad Boys 4" من صدارة شباك التذاكر الأمريكي    ماذا يحدث في أيام التشريق ثاني أيام العيد وما هو التكبير المقيّد؟    وكيل «صحة كفر الشيخ» يتابع انتظام العمل بالمستشفيات في أول أيام عيد الأضحى    «العيدية بقت أونلاين».. 3 طرق لإرسالها بسهولة وأمان إلكترونيا في العيد    الغندور ينتقد صناع "أولاد رزق" بسبب "القاضية ممكن"    «أتوبيس الفرحة».. أمانة شبرا بمستقبل وطن توزع 3000 هدية بمناسبة عيد الأضحى| صور    «افعل ولا حرج».. مبادرة لإثراء تجربة ضيوف الرحمن    سويسرا تعتزم إجراء محادثات مع روسيا بعد قمة السلام بشأن أوكرانيا    القبض على 50 مشجعا إيطاليا يحملون عبوات ناسفة قبل مباراة ألبانيا في يورو 2024    الدراما النسائية تسيطر على موسم الصيف    مراسل القاهرة الإخبارية: غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا جنوبي لبنان    ريهام سعيد تبكي على الهواء (تعرف على السبب)    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    التموين: المجمعات الاستهلاكية تعمل أول وثاني وثالث أيام عيد الأضحى المبارك    مرور مكثف على مكاتب الصحة ومراكز عقر الحيوان بالإسماعيلية    في أقل من 24 ساعة.. "مفيش كدة" لمحمد رمضان تتصدر التريند (فيديو)    وزير الداخلية الباكستاني يؤكد ضمان أمن المواطنين الصينيين في بلاده    التصعيد مستمر بين إسرائيل وحزب الله    فلسطينيون يحتفلون بعيد الأضحى في شمال سيناء    لتحسين جودتها.. طبيبة توضح نصائح لحفظ اللحوم بعد نحر الأضحية    قصور الثقافة بالإسكندرية تحتفل بعيد الأضحى مع أطفال بشاير الخير    موراي يمثل بريطانيا في أولمبياد باريس.. ورادوكانو ترفض    وصية مؤثرة للحاجة ليلى قبل وفاتها على عرفات.. ماذا قالت في آخر اتصال مع ابنها؟    عيد الأضحى 2024.. اعرف آخر موعد للذبح والتضحية    قرار عاجل في الأهلي يحسم صفقة زين الدين بلعيد.. «التوقيع بعد العيد»    جامايكا تبحث عن انتصارها الأول في الكوبا    وفاة ثانى سيدة من كفر الشيخ أثناء أداء مناسك الحج    يقام ثاني أيام العيد.. حفل أنغام بالكويت يرفع شعار "كامل العدد"    تقارير: اهتمام أهلاوي بمدافع الرجاء    هالة السعيد: 3,6 مليار جنيه لتنفيذ 361 مشروعًا تنمويًا بالغربية    «سقط من مركب صيد».. انتشال جثة مهندس غرق في النيل بكفر الزيات    ضبط 70 مخالفة تموينية متنوعة فى حملات على المخابز والأسواق بالدقهلية    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    روسيا: مقتل محتجزي الرهائن في أحد السجون بمقاطعة روستوف    القوات الروسية تحرر بلدة «زاجورنويه» في مقاطعة زابوروجيه    3 فئات ممنوعة من تناول الكبدة في عيد الأضحى.. تحذير خطير لمرضى القلب    رئيس دمياط الجديدة: 1500 رجل أعمال طلبوا الحصول على فرص استثمارية متنوعة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 16 يونيو 2024    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    قائمة شاشات التليفزيون المحرومة من نتفليكس اعتبارا من 24 يوليو    النمر: ذبح 35 رأس ماشية خلال أيام عيد الأضحى بأشمون    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    بالصور.. محافظ الغربية يوزع هدايا على المواطنين احتفالا بعيد الأضحى    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد ناصر الكبير    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    ما هي السنن التي يستحب فعلها قبل صلاة العيد؟.. الإفتاء تُجيب    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبوعقرب: الثعابين أكثر ما هددنى.. وكلب أنقذته من الذئاب صار صديقا وفيًا
نشر في التحرير يوم 14 - 12 - 2012

ربما لم يتم إلصاق كل ذلك الكم من الاتهامات والأساطير والحكايات بأىٍّ من أعضاء وقيادات الجماعة الإسلامية، مثلما هى الحال مع عبد الحميد أبو عقرب، فرغم هروبه واختفائه عن الأنظار طوال 15 عامًا كاملة، واستقراره فى مزرعة بسمالوط، وبُعده عن أى عمل جهادى أو مسلح، وانشغاله بالزراعة وتربية الطيور وإدارة منحل عسل، فإن أجهزة الأمن كانت تتعامل معه باعتباره قائدًا للجناح العسكرى للجماعة فى الصعيد، ومن ثم ألصقت به كثيرًا من الاتهامات والجرائم، بل وحكم عليه بالإعدام مجددًا، رغم أنه يقطع فى الحلقة الثانية من حواره مع «التحرير»، بأنه لم يرتكب أيًّا من تلك الجرائم.. وإلى نص الحوار:
■ كيف تمكنتَ من كسب ثقة وود صاحب المزرعة الجديدة التى اختبأت فيها؟
- ثقة الرجل بى نتجت عن عدة عوامل، كان أهمها أن كل من عملوا معه قبلى كانوا يغشونه ويقبلون الرشوة من التجار الذين يشترون الطيور من المزرعة. أما أنا فقد كنت لا أقبل أى قرش من أحد، وكنت دائم الوجود فى المزرعة وداخل عنبر الفراخ الصغيرة، أقوم برعايتها، أو أقوم بشؤون المزرعة من تنظيم وغيره. كما كنت أقوم بعمل دفتر تسجيل بأحوال الطيور الموجودة عندى، الوارد والصادر والمريض والصحيح والميت وهكذا، وأذكر أنه فى أول يوم أعمل فيه مع صاحب المزرعة كنا نتحدث عن أحوال المزرعة، فأذن لصلاة العصر فقمت وصليت ثم أكملت حديثى معه، فأعجبه ذلك منى، واستشعر فىّ الأمانة ومعرفة الله، وبالتالى أيقن أننى لن أخونه، ومن ثم بات أكثر تمسكًا بى.
■ هل كنتَ تنشغل بأىّ مهمة أخرى إلى جانب عملك فى المزرعة؟
- قمتُ بزراعة أرض خالية تابعة للمزرعة، وزرعتُ فيها بعض الأشجار كالموز والجوافة والعنب وبعض النخيل وبعض الخضراوات مثل البامية والجرجير والفجل والملوخية، فمنها شغلت وقت فراغى وحققتُ فائدة مادية لصاحب المزرعة ولى شخصيًّا، كما تم كساء المزرعة بمنظر جميل، وكنت أقوم أحيانًا بتوزيع عائد تلك الأرض على الفقراء والمساكين وكل من يمر بجوار المزرعة، وأيضًا كنت أعطى منها الأطفال الصغار، ممن يمرون أمام المزرعة، وأحيانا كانوا ينادون علىّ باسمى الجديد الذى اخترته وهو «الشيخ فرج»، كما صنعتُ علاقات مودة طيبة مع أهل القرية، فألفنى الناس وأحبونى.
بينما كان بالمزرعة أيضا، منحل لإنتاج العسل فاهتممت به، ونظمت خلاياه فأنتجت عسلا وفيرا، وكنت أستأذن صاحب المزرعة فى إعطاء بعض هذا العسل للفقراء واليتامى، فوافق على الفور، وذلك لأن هذا المنحل لم يكن ينتج شيئًا قبل وصولى إلى المزرعة، وأحيانا كان بعض الأجانب الذى يقودون طائرات رش القطن يحضرون إلىّ فأطعمهم وأسقيهم.
■ ومن اختار لك اسم الشيخ فرج؟
- أنا اخترت الاسم.. والناس اختاروا لقب «الشيخ».
■ لكنك لم تكن ملتحيًّا، فما سر ندائهم عليك ب«الشيخ»؟
- الناس فى مصر فَطِنة بطبيعتها، ولم يكن المظهر الخارجى من لحية أو ثوب أبيض أو طربوش أحمر هو الدليل الأوحد على كون صاحبه شيخًا، أو رجلا متدينًا، فالناس أحيانا تقيس ذلك بالسلوك والمعاملة، ولم يكن التدين لديهم مظهرا فقط، بل كان أيضا جوهرا وفعلا. لقد قدر أهل القرية منى الخلق الطيب والعطف على الفقراء والمساكين والرحمة بالكبير والصغير وعفة اللسان واليد والكرم، فأطلقوا علىّ الشيخ فرج، وأحيانًا كانوا يلقبوننى، ب«أبو ناجح»، ولا أدرى لماذا، وأحيانا كنت أقوم بعلاج الفقراء، حيث إن القرية كانت بعيدة عن العمران، ومن ثم عن المستشفيات، فأحضرت بعض الأعشاب الطبية البسيطة من مالى الخاص، وكلما مرض رجل من أهل القرية قالوا اذهبوا به إلى الشيخ فرج، فكنتُ فى البداية أرقيه بالآيات القرآنية الواردة فى الكتاب والسنة، ثم أعطيه بعض الأعشاب الطبية المناسبة، فيشفى بإذن الله، ولم أكن أتقاضى أجرًا على هذا الأمر، وأحيانا كنت أعالج من يشتكى من آلام الروماتيزم بدهن الثعابين الصغيرة، التى كنت أصطادها فى المزرعة.
■ وهل الأمور سارت على ما يرام خلال تلك الفترة؟
- لا طبعا، كان بها كثير من المنغصات.. ذات مرة جاءنى أحد الإخوة، وقال لى الحكومة بتدور على واحد هارب، وكان ذلك فى 3 يناير 1995، فخرجتُ من المزرعة وذهبتُ أنا وأخ اسمه رضا العربى إلى أحد النجوع بجوار نقطة بنى جامع بسمالوط، وكان الرجل الذى ذهبنا إليه بنى مسجدًا كان يأوى إليه الإخوة الهاربون، وعندما ذهبنا إليه وجدناه توفى، ووجدنا شقيقه وكان اسمه نجدى، مكثنا عنده، وفى يوم 25 من نفس الشهر، سمعنا الناس تقول فيه إرهابيين واحذروا، فتركنا المكان أنا ورضا وذهبنا إلى بعض الأشخاص الذين نعرفهم، فتعرفنا إلى رجل اسمه سليم القطرون، كان رضا متزوجًا بابنته ومكثنا عنده فترة، ثم تركناه، وقلت لرضا انتظرنى سأذهب لأبحث عن مكان ثم أعود، فخرجتُ عقب صلاة الفجر وذهبتُ إلى قرية أسطال بسمالوط وتوصلتُ إلى بعض الأشخاص الذين يعرفوننى والذين نصحونى بالفرار لأن الأمن موجود وممكن الناس تسلمنى له. كما أن بعض الناس شكوا فى أننى هارب من حكم، وحين قررتُ العودة إلى صديقى رضا، الذى كنتُ قد تركته بقرية تسمى ساقية داقوف، فوجئت أنه قد تم القبض عليه فذهبت إلى الزراعات ونمتُ فى العراء ونحن فى شهر يناير، دون غطاء، فكنتُ أنتفض من شدة البرد، وبعد أذان الفجر توضأت وصليت وذهبت لشخص أعرفه فوجدته قُبِض عليه أيضا، وكان البيت به جنازة فتركتهم وقررت الرجوع إلى المزرعة مرة أخرى بعدما هدأت الأمور. لكنى وجدت صاحب المزرعة غاضبًا منى، لأنى تركتها دون علمه 23 يومًا كاملة.
■ لكن خلال تلك الفترة، ألم يكن أهل القرية يسألون عنك وعن أسرتك أو بلدك أو ما شابه؟
- بالفعل كان يحدث ذلك معى، فكنت أقول لهم إننى متزوج ولى أبناء يعيشون فى سوهاج، وكنت أغيب عن المزرعة 3 أيام، هى الفترة التى تقع بين كل دورة للفراخ والتى تليها، فكنتُ فى هذه الفترة أختفى من المزرعة حتى يظن الناس أنى عدتُ إلى بيتى وأسرتى ولا تثار الشكوك حولى.
■ وماذا كان مصير زوجتك السابقة فى أثناء هروبك؟
- زوجتى السابقة نالها من الأذى الكثير والكثير، حتى حدث لها إجهاض أكثر من ثلاث مرات، وبعد هروبى بأربع سنوات تم تطليقها منى غيابيًّا، بعدما يئسوا من رجوعى وعدم معرفتهم ما إذا كنت حيًّا أم ميتًا.
■ وأين كنت تذهب فى الأيام التى يفترض أنك تقضيها مع أولادك وزوجتك؟
- كنت أذهب إلى سليم القطرون، الذى تعرفت عليه فى السابق، وكنت آخذ له معى 20 ديكًا من كل دفعة تخرج، وكنتُ أمكث عنده 3 أيام، ثم أعود إلى المزرعة، كأننى عدت من زيارتى لأسرتى وأولادى. وكان الناس بعد عودتى يسلمون على ويسألوننى عن أحوال بيتى وأولادى، وعندما ذهبت إليه بعد القبض على زوج ابنته رضا، قال لى «امشى من هنا يا فرج»، وبعد أن ابتعدت عن البيت نادى علىّ وقال «تعالى»، حيث مكثتُ عنده الفترة المعتادة، وعندما كنتُ أتأخر عليه كان يأتى إلى المزرعة بنفسه ليسأل عنى، وعن سبب تأخرى. واستمر هذا الوضع فترة من الزمن، حتى حدث أمر لم يكن فى الحسبان.
■ ما هو؟
- لقد توفى صديقى الحاج سليم قطرون، فتسبب لى ذلك فى أزمة تتعلق بعدم وجود مكان أقضى فيه الأيام الثلاثة.
■ وكيف خرجت من ذلك المأزق؟
- على الفور قمتُ ببناء غرفة فى المزرعة من ثلاثة طوابق بالطوب وبإمكانيات بسيطة جدا وجعلتُ لها سلمًا من الداخل لا من الخارج وقفلا كبيرًا على الباب، وعندما تأتى أيام الإجازة كل 45 يوماً أضع فى الغرفة الأخيرة كل ما أحتاج أليه من طعام وشراب طوال تلك الفترة، كما كنت أضع إناءً للبول وعددًا من زجاجات المياه النظيفة وأغلق الباب من الخارج حتى لا يشك أحد أن شخصًا بالغرفة، ثم أصعد إلى هذه الغرفة فى جنح الظلام حتى لا يرانى أحد.
■ كيف كنت تدخل الغرفة وقد وضعت على بابها الخارجى قفلا كبيرا؟
- لقد صنعت حبلا قويا من الليف، وظللت أتدرب على الصعود بواسطة الحبل للطابق الثالث كل يوم، حتى تمكنتُ من فعل ذلك بسهولة وسرعة. وذات مرة شاهدنى أحد الفلاحين وأنا أتدرب، فقال لى «يا شيخ فرج، بتدرب علشان تبقى حرامى؟»، ومر الأمر بسلام. وفى اليوم المحدد أصعد للغرفة، كما كنت أحرص على أن لا أضىء أى مصباح فى الغرفة، حتى لا يرانى أحد، فكنتُ أعيش فى ظلام دامس لمدة 3 أيام. ولم أكن آكل إلا النزر اليسير من الطعام حتى لا أحتاج لدخول الحمام، وكان معظم طعامى من البيض الذى تنتجه المزرعة التى كنتُ أراقبها من الغرفة، وبعد انتهاء المدة أنزل عن طريق الحبل إلى الأرض باعتبار أنى جئت من عند أسرتى.
■ هل كنت تتابع الأحداث الجارية فى مصر، فى أثناء اختبائك فى المزرعة؟
- نعم فقد كنت حريصًا على شراء الصحف وأقرأ كل ما يكتب فيها، خصوصًا الأحداث التى تقع بين الجماعة الإسلامية والأمن، كما كنت أتابع أيضا ما يُكتب عنى شخصيًا، وكان يهولنى ما كنت أقرأ من أحداث تنسب إلىّ وأنا جالس بين الفراخ، وكم من منصب تقلدتُه فى الجناح العسكرى للجماعة، بينما أنا فى المزرعة، وكانت الطامة الكبرى عندما ألصقوا بى تهمة قتل العميد شرين فهمى، حيث حُكم علىّ بالإعدام مرة أخرى، وأنا برىء من قتله، فى حين صدّق على الحكم المخلوع مبارك والمفتى.
■ فى رأيك.. لماذا أُلصقت بك كل تلك التهم؟
- البعض ظن أنى قُتلت، وبطبيعة الحال الميت لا يُحاسب على شىء، فكان كل من يُقبض عليه يُلقى بكل التهم علىّ، وبهذه الطريقة صنعت أسطورة أبو عقرب مع علم الأمن التام أنى مجرد ستار فقط، وهو ما شهد به أحد الضباط ويدعى محمود حنفى، حيث قال فى التحقيق أمام النيابة إن عبد الحميد أبو عقرب مجرد ستار، وإن الأوامر الصادرة لهم هى اتهامه بكل شىء.
■ هل تملكك الخوف من مصيرك المجهول خلال تلك الفترة؟
- بالعكس تمامًا لقد عشتُ هذه الفترة وأنا فى كامل التوكل على الله، ولم أكن أخاف من أى شىء، وكنت أفوّض أمرى كله إلى لله، فهو الذى كان يعلم أننى برىء ومظلوم، ولا أستحق الأحكام التى صدرت فى حقى، وكنت عندما أريد الذهاب إلى أى مكان جديد، كان أول شىء أفعله هو استخارة الله بإخلاص، وأستشعر لمعناها، ثم أعزم أمرى وأتوكل على الله، فيكون الخير، وأعيش فى أى مكان وأنا مطمئن القلب.
■ ألم يتردد عليك أىٌّ من رجال الشرطة فى المزرعة؟
- كثيرًا جدا ما كانوا يأتون.. وذات مرة وجدتُ شاويشا يدخل المزرعة، ويقول لى كلم البيه الظابط، فوقع قلبى فى رجلى، إلا أنى تماسكت وذهبتُ إليه وإذ به يطلب منى أن يشاهد المزرعة، فأدخلته وشاهدها ثم مضى لحاله. كما حضر ذات مرة ضابط شرطة من نقطة شرطة بجوار المزرعة ليأخذ عسلا من المنحل فنظر إلىّ كأنه شك فى أمرى، فسأل عنى أحد الخفراء المرافقين له، فقال له الخفير وكان اسمه أحمد أبو حرب «هذا فرج، له عندنا 20 سنة، وشغال فى المزرعة»، فصمت الضابط ولم يتكلم.
أيضا حدث ذات مرة أن قُتلَت فتاة صغيرة وأُلقيَت جثتها فى مصرف زراعى لا يبتعد كثيرًا عن المزرعة، فجاءت مجموعة كبيرة من ضباط المباحث واتخذوا من المنطقة التى بجوارى مكانا للتحقيق فى الحادثة، وقد استمر هذا الأمر لمدة شهر كامل، وكان هذا الشهر أطول وأصعب شهر مر علىّ فى حياتى، لأنى لو تركت المكان فى هذا التوقيت سوف تشير إلىّ أصابع الاتهام، خصوصًا أن المخبرين كانوا دائمى التردد علىّ فى المزرعة، ولو افتقدونى فسوف يشكّون فى أمرى، ثم مرت هذه الفترة بسلام وعادت الأمور إلى طبيعتها بعد الانتهاء من التحقيق.
■ ألم يشكّ أحد فى أمرك أو هويتك قَط؟
- كان يحدث ذلك أحيانا بالتصريح مرة وبالتلميح مرة أخرى، وأعجب ما سمعت من رجل كان يجلس معى حين قال لى ذات مرة «يا شيخ فرج إنت زى البندقية التالفة، خطر على اللى يقعد جنبها»، ولا أدرى لماذا قال هذا الكلام، فصمتُّ ولم أردّ بكلمة.. وفى إحدى المرات وأنا فى المزرعة حضر إلىّ رجل يجاورنى فى المزرعة وإذ به يقول لى: إنت من أى البلاد يا شيخ فرج؟ فوقفت اللقمة التى كنت آكل فيها فى حلقى، فقلت له مباشرة «ربنا يسد نِفسك زى ما سدّيت نِفسى»، وكان هذا الرجل هو شيخ البلد وسبحان الله، هذا الرجل بعد دعوتى عليه لم يكن يشعر برغبة فى الطعام حتى عاد إلىّ وطلب منى أن أدعو له، فدعوت له فعاد يأكل كما كان، ومن وقتها خاف الرجل أن يسألنى عن شىء، وكنت دائما أدعو الله أن ينجينى من مثل هؤلاء.
■ لكن ألم يساورك أى شعور بالخوف من البقاء بمفردك فى المزرعة؟
- نعم.. فقد كان لى صديق يؤنس وحدتى، وكان هذا الصديق كلبا، وكان يساعدنى على حراسة المزرعة من الذئاب والثعالب واللصوص والثعابين أيضا، وكنت عندما أنام أجده بجوارى يحرسنى، وإذا حدث شىء يظل ينبح حتى أستيقظ. وقد بدأت علاقتى بهذا الكلب عندما سمعت صوتا للذئاب وقد هجمت على كلب صغير من كل ناحية، فخفت أن أخرج إليهم فيمزقونى، فظللت أطرق الباب بشدة وقوة بخشبة كبيرة، ففزعت الذئاب وفرت هاربة تاركة الكلب، بعدما أصابته بكثير من الجروح، فذهبت إليه وأخذته إلى غرفتى وعالجته وكنت أطعمه وأسقيه حتى تعافى مما هو فيه، وظل مخلصًا لى، فكان يذهب معى فى كل مكان، وإذا دخلتُ إلى بيت أحد الأصدقاء وقف على الباب حتى أخرج.
■ ما أشد المضايقات التى كانت تعترضك فى تلك المزرعة؟
- الثعابين، وما أدراك ما ثعابين الصحراء والمزارع! وكانت أولى معاركى مع الثعابين الكبيرة، حيث إن الصغير منها كنت أصطاده بسهولة.. فقد سمعتُ نباح الكلاب فذهبتُ إلى طرف المزرعة، حيث ينبح فى ظلمة الليل، فسمعت صوت فحيح ثعبان، فحددت مصدر الصوت وأخذت أضرب الأرض نحوه حتى اختفى الصوت، ثم أشعلت ورقة فرأيت على ضوئها ثعبانا ضخما جدا، وفى الصباح وضعته على الطريق حتى يراه الناس.
أيضا حدث مرة أن رأى أحد العمال معى فى المزرعة ثعبانًا كبيرًا جدا، فى عنبر الفراخ، فظل يصرخ وينادينى فدخلت العنبر فوجدت ثعبانا ضخما طوله متر تقريبا ويقف على ذيله فاستعنت بالله ودخلت إليه، وهو مستعد للهجوم علىّ وضربته على رأسه فمات.
■ وماذا عن ضَعف نظرك.. هل أعاقك كثيرا فى تلك الفترة؟
- فى عام 2004 حدث عندى ضعف شديد فى الإبصار، فذهبت إلى الطبيب، فقال لى تحتاج إلى عملية لإزالة المياه البيضاء من عينيك، وتقوم بزرع عدسة فيها، فأحضرت له المبلغ المطلوب لإجراء العملية ونجحَت بفضل الله، إلا أنه بعدها بعام تقريبًا استيقظت ذات صباح فوجدت نفسى لا أرى شيئا، وظللت كذلك لمدة شهر كامل، ولم أستطع العمل فقررت الذهاب إلى الطبيب، فقال لى حدث لك انفصال فى الشبكية، وطلب منى إجراء عملية عاجلة فى مستشفى المنيا، فاستخرت الله وأجريتُ العملية ونجحَت.. لكن بعدها بشهرين حدث انفصال شبكى فى العين الأخرى، فذهبتُ إلى الطبيب مجددًا وقرر إجراء عملية فيها، لكنى أجريتها فى مركز طبى خاص ببنى مزار بمحافظة المنيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.