جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تستقبل المستشار التعليمي التركي وتبحث سبل التعاون الأكاديمي    البنك الزراعي يدعم جهود التنمية الزراعية وتحفيز الاستثمار بالقطاعات الإنتاجية في الغربية    جامعة مصر للمعلوماتية تكشف عن برامج مبتكرة بالذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني والتعليم وعلوم البيانات    19 نوفمبر 2025.. استقرار البورصة في المنطقة الخضراء بارتفاع هامشي    أردوغان: صادراتنا السنوية بلغت في أكتوبر 270.2 مليار دولار    الاحتلال ينسف مباني في حي الشجاعية شرق غزة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الإيطالي الأوضاع في غزة والسودان    بيراميدز يعلن موعد المؤتمر الصحفي لفريق ريفرز يونايتد النيجيري    شوبير يكشف حقيقة تولي كولر تدريب منتخب مصر    الإسماعيلي ينفي شائعات طلب فتح القيد الاستثنائي مع الفيفا    أولوية المرور تشعل مشاجرة بين قائدي سيارتين في أكتوبر    الداخلية تكشف تفاصيل مشاجرة بين قائدى سيارتين ملاكى بالجيزة    محمد حفظي: الفيلم الذي لا يعكس الواقع لن يصل للعالمية (صور)    أحمد المسلماني: برنامج الشركة المتحدة دولة التلاوة تعزيز للقوة الناعمة المصرية    محمد حفظي: العالمية تبدأ من الجمهور المحلي.. والمهرجانات وسيلة وليست هدفا    بعد أزمته الصحية.. حسام حبيب لتامر حسني: ربنا يطمن كل اللي بيحبوك عليك    خالد عبدالغفار: دول منظمة D-8 تعتمد «إعلان القاهرة» لتعزيز التعاون الصحي المشترك    الصحة: مصر خالية من الخفافيش المتسببة في فيروس ماربورج    محافظ المنوفية يشهد فعاليات افتتاح المعمل الرقمي «سطر برايل الالكتروني» بمدرسة النور للمكفوفين    الطقس غدا.. ارتفاع درجات الحرارة وظاهرة خطيرة صباحاً والعظمى بالقاهرة 29    شقيق إبستين: كان لدى جيفري معلومات قذرة عن ترامب    الأهلي يحصل على موافقة أمنية لحضور 30 ألف مشجع في مواجهة شبيبة القبائل    نور عبد الواحد السيد تتلقى دعوة معايشة مع نادي فاماليكاو البرتغالي    أول رد فعل من مصطفى محمد على تصريحات حسام حسن    انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي العاشر لأدب الطفل تحت عنوان "روايات النشء واليافعين" بدار الكتب    إزالة تعديات وإسترداد أراضي أملاك دولة بمساحة 5 قيراط و12 سهما فى الأقصر    روسيا: أوكرانيا تستخدم صواريخ أتاكمز الأمريكية طويلة المدى مجددا    وصفات طبيعية لعلاج آلام البطن للأطفال، حلول آمنة وفعّالة من البيت    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    أسطورة ليفربول يكشف مفاجأة عن عقد محمد صلاح مع الريدز    المصرية لدعم اللاجئين: وجود ما يزيد على مليون لاجئ وطالب لجوء مسجّلين في مصر حتى منتصف عام 2025    البيئة تنظم مؤتمر الصناعة الخضراء الأحد المقبل بالعاصمة الإدارية الجديدة    قصور ومكتبات الأقصر تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. صور    جامعة قناة السويس تدعم طالباتها المشاركات في أولمبياد الفتاة الجامعية    ارتفاع عدد مصابي انقلاب سيارة ميكروباص فى قنا إلى 18 شخصا بينهم أطفال    الإحصاء: معدل الزيادة الطبيعية في قارة إفريقيا بلغ 2.3% عام 2024    موعد مباراة بيراميدز القادمة.. والقنوات الناقلة    وزير الري يلتقي عددا من المسؤولين الفرنسيين وممثلي الشركات على هامش مؤتمر "طموح إفريقيا"    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    مصرع 3 شباب في تصادم مروع بالشرقية    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    بعد غد.. انطلاق تصويت المصريين بالخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    اليوم، حفل جوائز الكاف 2025 ومفاجأة عن ضيوف الشرف    ماذا قالت إلهام شاهين لصناع فيلم «بنات الباشا» بعد عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي؟    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    العدد يصل إلى 39.. تعرف على المتأهلين إلى كأس العالم 2026 وموعد القرعة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللقاء الأخير لأنيس منصور فى المدرج 87
نشر في أكتوبر يوم 30 - 10 - 2011

كان طلاب كلية الآداب - جامعة القاهرة - من المحظوظين، بعد أن جمعهم لقاء أخير بالكاتب الكبير الراحل أنيس منصور فى المدرج 87 الذى درس فيه وحاضر به أيضاً من قبل، ولأن كل ما كان يخرج من بين شفتيه يعتبر تاريخاً، فقد ساد اللقاء جو من الود والحميمية رغم سنوات عمر الراحل التى قاربت السابعة والثمانين عاماً.
وأجاب أنيس منصور خلال اللقاء عن أسئلة الطلاب الذين أحاطوه بالحب عن حياته بالقرية، وعلاقته اللافتة بالرئيس الراحل أنور السادات، والعقاد وطه حسين، وسر ارتباطه بالمدرج 87، ولماذا ترك تدريس الفلسفة بعد تعيينه معيداً بكلية الآداب جامعة عين شمس وأسئلة أخرى كثيرة نقرؤها معاً بالتفاصيل فى السطور القادمة.
سأله الطلاب عن سبب حبه الشديد للمدرج 87 ولماذا أصر على أن يكون اللقاء به، فقال الكاتب الراحل: مجرد أن أقول:«مدرج 87» تهتز مشاعرى وأركانى وأصاب بالغبطة لأننى قضيت فيه سنوات عديدة كنا نأتى إلى هنا أنا وآمال فهمى ونغنى، كنا حوالى أربعة فقط، بالإضافة إلى 7 طلاب آخرين كانوا دائماً ينظرون من الشبابيك إلينا ونحن نغنى.
وقال الكاتب الراحل، أول مرة تكلمت من على هذه المنصة التى أجلس عليها الآن عندما زار الكلية الأديب الفرنسى «ألان ريجيه» والذى جاء به طه حسين وقال لنا: جاء الأديب الفرنسى حتى يعلم أن لدينا طلابا تدرس وتعرف اللغة الفرنسية، وقدمته، وقدمه بعدى طه حسين وكان تقديما رائعا، ثم جئنا بالعقاد بعد ذلك ليحاضرنا هنا.
وكان آخر عهدى بمدرج 87 عندما ناقشت جيهان السادات رسالة الدكتوراه الخاصة بها.. كانت رسالتها تناقش هنا.. وكنا 8 أفراد فقط حضرنا المناقشة بخلاف الدكاترة.. الرئيس السادات وأولاده وأنا فقط.
وكتبت عن هذا المدرج كثيرا لكنى لم أره من قبل بهذه الأناقة، كنا محظوظين جداً لأنه كان يدرس لنا أساتذة كبار من أمثال شوقى ضيف كان يدرس لنا اللغة العربية أو الأدب العربى وموسى عبده فى الأدب الإنجليزى وعبد الرحمن بدوى فى الفلسفة، هؤلاء من رموز فكرنا وأدبنا، وتشاء الصدفة البحتة أن أتنافس أنا وأستاذى شوقى ضيف على جائزة حسنى مبارك، فى المرة الأولى تعادلت الأصوات وألغيت الجائزة، وفى المرة الثانية أيضاً تنافست أنا وهو وفزت بها ولم يفز بها، وفى المرة الثالثة تم ترشيحه مع د. القطب وحصل عليها الدكتور القطب، وفى المرة الرابعة حصل عليها هو.
ويهتز أنيس منصور وذرفت عيناه بالدموع وقال: أتأثر كلما أتصور الآن كيف كنا وكيف أنتم الآن، لم يكن لدينا كهرباء ولا تقنيات ولا أدرى كيف كنا نعيش فى ظل تلك الصعوبات ومع ذلك كنا سعداء بما لدينا.
بلا طموح/U/
سأله الطلاب عن مشواره الطويل وكيف أصبح أنيس منصور الصحفى الكبير والأديب الشهير؟ فقال: سأقول لكم حكاية لا يصدقها البعض لكنها صحيحة وهى أننى لم أكن نموذجا جيدا وكنت بلا طموح ولا أحلام، كنت مجرد شخص ريفى راض بحياته فى الكتاب الذى يقع تحت الأرض، مفروش بالقش والقش به براغيث، كانت «تقرص» فينا ولا نستطيع الشكوى فكيف نشتكى لمن يعلمنا القرآن، فهى شكوى غير مقبولة للآباء، لأن من علمنى حرفاً صرت له عبدا.. ذلك كان الاعتقاد السائد وقتها، لم نكن نعرف غير الكتاتيب، كان مجتمعا ريفيا مغلقا، وعندما دخلنا المدرسة الابتدائى لم نر شيئا أفضل إلا عندما جئت إلى القاهرة شوارع طويلة وسيارات وتروماى وأضواء حينذاك تغيرت الدنيا، كنت أذاكر فقط لكى أكون الأول على الدفعة فقط، ولم يكن لى حياة أخرى من أى نوع حتى أننى لم أدخل السينما إلا بعد تخرجى فى الكلية واشتغالى بالصحافة، المنصورة كان بها 4 دور للسينما كنت أمر عليها ولا أدخلها.
وتحدث الكاتب الراحل عن دخوله الجامعة فقال: عندما دخلت الجامعة كان من نصائح أمى لى «ماتكلمش بنات» ومن حين إلى آخر كانت تسألنى «كلمت بنات؟» وكنت أقول: لا، وفى إحدى المرات وقع زرار قميص لى فقامت زميلة بتركيب آخر لى بدلاً منه ومن شدة خوفى من أمى لم أعد إلى البيت إلى مساء حتى لا ترى «الزرار» الجديد!!
أضاف: كنت طالبا مجتهدا أذاكر فقط حتى أكون الأول وبالفعل كنت الأول فى الابتدائية والإعدادية والتوجيهية والليسانس أيضاً، ولم يكن لدى أى طموح من أى نوع.
وعن عمله فى الصحافة قال: اعتبرت أن الصحافة مجرد سلعة معروضة للبيع من تعجبه يشتريها، وبدأت فى الصفحة الأدبية ورأى رؤساء التحرير أننى صحفى جيد وشجعنى ذلك على القيام بعمل رحلتى حول العالم عام 1959 ومكثت فى الرحلة 228 يوما بلا توقف واعتبرت أن هذه الرحلة هى مسوغات تعيينى رئيس تحرير، وأصبحت بعدها رئيس تحرير 10 مرات.
وبتأثر قال: أعطتنى الصحافة ما يتمناه أى صحفى رغم أننى كما قلت من قبل لم يكن لدى طموح أو أحلام، كنت طالبا عاديا يجتهد ليذاكر، وتساءل: هل كنت نموذجا جيدا؟ لا أدرى، طالب عادى راض بحياته، وعندما جئت إلى القاهرة وجدت أبناءها لديهم أحلام وخيال، أما نحن لم نفكر إلا فى الكتاب والمدرسة والأرض، دون وجود وسائل ترفيه، أو وسائل مساعدة فى المعيشة.
ومؤخراً زرت مدرسة كل طالب أمامه جهاز كمبيوتر وفى جيبه موبايل هذا عز أبهرنى جداً، لأننا كنا بنأكل الطين بدون أحلام أو طموحات.
وأتعجب الآن كيف خرجنا أحياء من هذا الريف عندما زرت قريتى وكنت مصراً على الذهاب إلى الكتاب الذى حفظت فيه القرآن فى صغرى ووجدته كما هو بمكان منخفض ينزل إليه الطلاب عبر سلالم قليلة، عندما كنا بالكتاب كان صاحبه أو سيدنا يوزع علينا العمل واحد يكنس والثانى يقطف البامية أو الملوخية، وكانت مهمتى اليومية هى أن أدخل إلى الخزانة أستطلع هل باضت الفراخ أم لا، وأقوم بجمع البيض ولم تكن شكوانا مقبولة أبداً، سيدنا كان أعمى وكان يقوم بعدنا بالعصاية، وأقسى ما كنا نعانيه فى مرحلة الكُتاب عندما كان يأتى سيدنا بالفطير المشلتت السخن ذى الرائحة القوية ويأكله بالقشطة فهذه الرائحة كانت تصيبنا بالدوار، وتجعلنا لا نسمع منه ما يقوله.
أذكر واقعة أيضاً وهى أن د. صبرى الشبراوى وهو «بلدياتى دقهلاوى» كنت أستاذاً بإحدى الجامعات الأمريكية وكان دائماً يقول الدستور الأمريكى «يقول كذا أما عندنا فى البرامون يحدث كذا، شىء مختلف تماما، وعندما كان فى زيارة لمصر فى إحدى المرات طلبت منه زوجته الأمريكية الذهاب إلى مسقط رأسه بالمنصورة أولاً ولم تتطق الانتظار من كثرة ما سمعت منه عنها.
وذهب بها إلى هناك ورأت الزرايب والضفادع والصراصير والناموس والصرف الصحى، ثم قالت له: إنها معجزة لأنك خرجت من القرية حيا، وهو ما أتعجب منه أنا أيضاً الآن.
الاقتراب من الحاكم/U/
سأل الطلاب الكاتب الراحل عن تقييمه للاقتراب من الحاكم فقال: إنه صعب جداً وخطير، وعلاقتى بالرئيس السادات كانت قوية جداً ولم أنس أبداً أنه رئيس مهما قربنى إليه، لم أتجاوز حدودى فى أى مرة من المرات وكان البرنامج اليومى لنا يبدأ بسؤالى: ماذا فعلت اليوم.. ماذا قرأت.. هل كلمت فلانا ثم نتكلم فى السياسة وعن المقالة التى سأنشرها بمجلة أكتوبر، بعد ذلك كنا نمشى لمدة ساعة أو ساعتين.
ويستطرد الراحل فى حواره: علاقة المثقف بالحاكم صعبة جداً، وفى نفس الوقت ممتعة جداً لأننى كنت أرى كل الأحداث عن قرب وأرى كيف تتشكل الوزارة، وكيف يختار الرئيس رجاله، وكيف يستبعدهم وتقال، وأحياناً كانت لأسباب وكان كثيراً ما يسألنى الرئيس السادات عن بعض الشخصيات المرشحة لتولى أحد المناصب فى الحكومة، وأذكر أنه استبعد أحد الأشخاص المرشحة لمنصب وزارى عندما علم أنه يضرب أمه.
رفضت منصب الوزير/U/
وقال أنيس منصور فى حديثه فى عام 1976: قال السادات ما رأيك فى أن تكون وزيرا للثقافة لكنى رفضت وقلت له أنا صحفى لا يوجد لدى وقت، أريد فقط أن أقرأ وأكتب، ولم يجبرنى الرئيس الراحل على توليها.
وسأله الطلاب عن الاقتراب من المرأة وعن حقيقة مشاعره ناحيتها، ابتسم قليلاً وقال: لا يوجد أحد يحب المرأة «اللى بيحب يشتكى واللى متزوج بيشتكى يبقى مين اللى بيحبها»؟
وعندما سُئل عن ارتباطه بالعقاد قال: عندما جئت إلى القاهرة التحقت بجامعتين، الأولى جامعة القاهرة والثانية جامعة عباس محمود العقاد وكنت شديد الصلة والالتصاق به وبلغ العقاد من القوة أن شغلنى عن طه حسين فلم أتعرف عليه إلا متأخراً لأن العقاد اكتسح كل الشخصيات من حولى وكان أساتذتنا زكى نجيب محمود وعثمان محمود كامل يجلسان معنا نحن الطلاب مستمعين منصتين إليه وهو المفكر العظيم الرائع الزاهد، وهو بحق شخصية فزة.
وفى إحدى المرات طلبه وزير الثقافة ثروت عكاشة للحضور عنده معى ومع آخرين فلم يذهب، وعندما قابلته قلت له: لماذا لم تحضر لقاء وزير الثقافة قال يا مولانا «أنا فاكر إن ثروت عكاشة هو اللى هيعدى عليا».
وعندما حصل العقاد على جائزة الدولة التقديرية قلت له: أستاذنا أعطنى كلمتك لأكتبها لك على الآلة الكاتبة، وعندما قرأتها لم أجد فيها أى تحية أو ذكر لجمال عبدالناصر.. ذهبت إلى محمد حسنين هيكل وقلت يا هيكل: إن العقاد كتب كلمة رائعة لكن لم يحيى فيها عبدالناصر ماذا ستفعل؟
فاتفقنا مع العمال المسئولين عن تنظيم الحفل، أن يخفضوا الميكروفون بعد أن كان مرتفعاً لأن العقاد كان طويل القامة فتكلم ولم يسمع منه أحد أى شىء، وبعد أن انتهى الحفل قال له بعض الحضور أستاذ العقاد لم نفهم مما قلت شيئا لرداءة الصوت، فقال العقاد «عملوها أولاد الكلب»، وفى برنامج مع الخالدين بإذاعة صوت العرب سأله المذيع: ما شعورك عندما أخذت جائزة الدولة التقديرية قال إنه شعور بالابتلاء إنها جائزة أخذتها من الشعب على يد الحكومة!!
طه حسين/U/
وعن طه حسين قال الكاتب الراحل: ندمت ندما شديدا لأننى تعرفت عليه متأخرا وكان شخصية لطيفة وكنت أتعجب كثيرا من دماثة خلقه، وعندما صدر كتابى 200 يوم حول العالم كتب هو المقدمة وكانت رائعة ولم يكتب العقاد شيئا وهو ما جعل ندمى يزداد أننى لم أعرفه إلا متأخراً.
وفى إحدى المرات قال لى زكى نجيب محمود: هل تعلم أننى وأنت من المغفلين؟ قلت: لماذا؟ قال: أنا كتبت كثيرا عن العقاد وترجمت له كتبا وأنت تصلى له ليل نهار وهو لم يكتب سطرا واحدا عن أى منا «نبقى مغفلين ولا لأ؟ قلت: آه مغفلين».
وعن حبه الشديد للفلسفة قال أنيس منصور: إنه بجانب الشهادة التوجيهية كانت هناك مسابقة للفلسفة وكنت الأول فيها، ودخلت قسم فلسفة، والذى جعلنى أعشقها هو زكى نجيب محمود الذى يعد أسلوبه فتنة غاية الروعة فى العبارة والأسلوب.
وعندما سأله الطلاب عن سبب تركه التدريس بالفلسفة بآداب جامعة عين شمس بابتسامة كبيرة قال: الفلوس لأننى عندما كنت معيدا كان مرتبى 17 جنيها لكن عندما عملت بالصحافة كان مرتبى 150 جنيهاً.
ويحاول الطلاب اجتذاب الكاتب الراحل إلى أكثر المواقف طرافة فى حياته فقال: موقفا من الرئيس جمال عبد الناصر معى لأنه رفدنى من عملى بأخبار اليوم، كنت على خلاف مع حافظ الأسد، لذلك لم أذهب إلى سوريا منذ فترة طويلة لأنه كان يهاجم السادات كثيرا، مما ضايقنى منه فقال لى الرئيس السابق حسنى مبارك قبل زيارته إلى سوريا، قال: تعالى معى أصالحك عليه، وأثناء وليمة العشاء قلت للرئيس السورى جمال عبدالناصر: لم يحفظ إلا آية واحدة من القرآن وهى «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء»، أما سيادتك فتؤمن بحديث نبوى واحد «الدين المعاملة».
سبب رفدى/U/
وسأل الطلاب الأديب الكبير عن نقطة التحول فى حياة أنيس منصور فقال: حياتى ليس بها مطبات كثيرة غير وفاة أبى وأمى، بالإضافة إلى رفدى من أخبار اليوم سنتين لأننى كتبت مقالة اعتبرها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هجوما عليه، والمقالة كانت عن مسرحية توفيق الحكيم «السلطان الحائر»، فى الوقت الذى كنا فى أشد الضيق من تأميم الصحافة وبدا لنا أن الحكومة تريد هدم أخبار اليوم وكان الجزء المكتوب عن المسرحية، على لسان الشيخ العز بن عبد السلام.
قال فيه: إن العبيد لا يجوز أن يحكموا الأحرار، والمماليك كلهم عبيد، لذا لا يصح أن يحكموا مصر فينبغى أن يباعوا أولا ثم يعودوا ليحكموا مصر وهم أحرار وتوفيق الحكيم اختار أن تشترى الغانية السلطان وتشتمه، أما أنا كتبت وقلت العز بن عبدالسلام، خرج من مصر ووقف على الحدود، هو نيابة عن فقهاء مصر والحمار نيابة عن الشعب المصرى، وبسبب هذه الجملة رفدنى عبد الناصر سنتين.
نصيحة للشباب/U/
وطلب الطلاب من الكاتب الراحل النصيحة فقال لهم، نصيحتى أن لا نصيحة، لأن الشباب منذ أيام نوح عليه السلام على خلاف مع الآباء وهناك فجوة بين الأجيال واستنكار من الآباء لما يفعله الأبناء، والتوافق بينهما صعب جداً لأن الحياة تعنى التوافق المستمر بين عيوب الناس، فأنا أقول للشباب: حاول التوافق مع الأب وليس التطاول عليه.. جيلنا كان مختلفا تماما عن هذه الأيام كنت مثلاً أُقبِّل يد الأب والأم بسبب أو بدون سبب، ومرة دخلت على أمى وكان معها ضيوف وحاولت تقبيل يدها و«اتكسفت منى» فقلت لها: إذا لم تعطينى يديكى لأقبلها سأقبل جزمتك»، فى إحدى المرات قلت لشاب أمام أبيه قبل يده قال لماذا؟!!
وأعتقد أن المشكلة تكمن فى أن الشباب يريدون كل شىء ما يقدر عليه ومالا يقدر عليه، ولابد أن نحترم هذا الاختلاف بين الأجيال.
وكان آخر سؤال سأله الطلاب للأستاذ الراحل عن رأيه فى هجرة الشباب خارج مصر فى قوارب الموت، قال: أرى أن الشباب محقين فى ذلك لأنه يرى أن الحياة أصبحت غير ممكنة فى مصر والمشكلة تكمن فى أن الشاب المهاجر يذهب إلى أوروبا ليعرض أو يبيع سلعة وهى خبرته، هل هى مطلوبة؟ الإجابة: لا، فتكون النتيجة التوهان فى الشوارع، وهو ما عبّرت عنه فى مسلسل «مين اللى مايحبش فاطمة»، قابلت شابا مصريا بالصدفة وقلت له: ما مهنتك؟ قال: محاميا، قلت: هل تجيد الألمانية وتعرف شيئا عن الدستور السويسرى؟ قال: لا، قلت له: «هاتشتغل إيه؟ قال: ماعرفش»، عرّفته على عدد من الشباب المصرى يبيعون الجرائد هناك وتركته معهم، وعندما عدت وجدته مثل ما تركته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.