مسنشار للطيران والإسكان والاقتصاد.. من هو أسامة شلبي رئيس مجلس الدولة الجديد؟    القوات المسلحة تحتفل بالعام الهجرى الجديد    بيان عاجل أمام «النواب» بسبب استمرار أزمة الرسوم القضائية    في موكب صوفي مهيب.. الطرق الصوفية تحتفل بذكرى الهجرة النبوية الشريفة غداً (تفاصيل)    البطريرك يونان يتفقّد كنيسة مار إلياس في دمشق بعد التفجير الإرهابي    الأوقاف: محافظة الفيوم تتسلَّم أولى دفعات لحوم صكوك الأضاحي    البنك الدولي يوافق على منحة 146 مليون دولار لدعم كهرباء سوريا    تكريم 200 موظف بعد اجتياز برنامج تدريبي رقمي في بني سويف    الجيش الإسرائيلي ينسحب من بلدة يَعْبَدْ بعد عملية استمرت 16 ساعة    أردوغان يلتقي رئيس الوزراء البريطاني على هامش قمة الناتو    شوبير: حمزة علاء ليس قريبًا من الزمالك.. ويقترب من تجربة احترافية خارج مصر    مصرع طفل غرقا أثناء الصيد بترعة في سمالوط.. والنيابة تصرح بالدفن لعدم وجود شبهة جنائية    حتى 29 يونيو.. عروض مسرحية النداهة ضمن الموسم المسرحي بالوادي الجديد    في أسبوعين..تامر حسني يكسر حاجز ال 12 مليون مشاهدة ب حلال فيك    لمواليد برج العذراء.. ما تأثير الحالة الفلكية في الأسبوع الأخير من يونيو 2025 على حياتكم؟    الأمم المتحدة: وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران فرصة لتفادي تصعيد كارثي    البورصة المصرية تربح 27.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الأربعاء    بيراميدز يعطي فيستون ماييلي الضوء الأخضر للرحيل.. ويوضح موقف مصطفى محمد من الانضمام للفريق    محمد شريف: أتفاوض مع 3 أندية من بينها الزمالك وبيراميدز    شبانة: جسلة منتظرة بين الخطيب وريبيرو لحسم موجة التعاقدات الثانية بالأهلي    «تمركزه خاطئ.. ويتحمل 3 أهداف».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على محمد الشناوي    «بسلاح الذكريات السيئة».. ماسكيرانو يحفز ميسي للانتقام من باريس سان جيرمان    محافظ بورسعيد يكشف سبب هدم قرية الفردوس    براءة 12 متهمًا من الهجرة غير الشرعية والسرقة في المنيا    جهاز تنمية المشروعات يطلق الموسم الرابع من مسابقة Startup Power    شكوك بقدرة نتنياهو على استغلال تأييد الإسرائيليين الحرب على إيران    «العربية لحقوق الإنسان»: مراكز المساعدات لمؤسسة غزةتشكل انتهاكاً خطيراً لمبادئ القانون الإنساني    نانسي عجرم ومارسيل خليفة يشاركان في مهرجان صيدا الدولي أغسطس المقبل    عبلة كامل تتصدر التريند بعد أحدث ظهور لها    «حمى القراءة.. دوار الكتابة».. جديد الروائي الأردني جلال برجس    التقويم الهجري: من الهجرة إلى الحساب القمري.. قصة زمنية من عهد عمر بن الخطاب حتى اليوم    هيئة التأمين الصحي توقع بروتوكول تعاون لتعزيز التحول الرقمي في خدمات رعاية المرضى    عاجل- مدبولي يستعرض نتائج تعاون جامعة أكسفورد ومستشفى 500500 لتطوير العلاج الجيني للسرطان    البطريرك يوحنا العاشر يتلقى تعازي بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا    قرار جمهوري بتعيين سلافة جويلي مديرا للأكاديمية الوطنية للتدريب    بنك ناصر يدعم أطفال الشلل الدماغي بأحدث الأجهزة المستخدمة في تأهيل المرضى    الرئيس السيسي يؤكد لنظيره الإيراني رفض مصر للهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف قطر    تطور قضائي بشأن السيدة المتسببة في حادث دهس "النرجس"    محافظ الجيزة يتابع ميدانياً جهود إطفاء حريق بمخزن دهانات بمنطقة البراجيل بأوسيم    مدير مكتبة الإسكندرية يستقبل وفد جمعية الإمارات للمكتبات والمعلومات    القبض على صاحب فيديو سرقة سلسلة ذهبية من محل صاغة بالجيزة    أستاذ بالأزهر يحذر من انتشار المرض النفسي خاصة بين البنات والسيدات    كشف غموض اندلاع حريق في مخزن مواسير بلاستيك بسوهاج    المشاط تبحث مع المنتدى الاقتصادي العالمي تفعيل خطاب نوايا «محفز النمو الاقتصادي والتنمية»    رابط رسمي.. نتائج امتحانات نهاية العام في كليات جامعة أسيوط    المؤتمر الطبى الأفريقى .. عبدالغفار يشيد بجهود"الرعاية الصحية" في السياحة العلاجية والتحول الرقمي    توريد 3 أجهزة طبية لمعامل مستشفى الأطفال بأبو حمص بتكلفة 4 ملايين جنيه    «دعاء السنة الهجرية».. ماذا يقال في بداية العام الهجري؟    الترجي ضد تشيلسي.. الجماهير التونسية تتألق برسائل فلسطين في مونديال الأندية    وزير الرياضة: منتخب اليد يستحق جهازا فنيا على أعلى مستوى    محافظ القاهرة يبحث مع وزير الثقافة تحويل حديقة الأندلس لمركز فنى وثقافى    تحرير 145 محضرًا للمحال المخالفة لقرارات ترشيد الكهرباء    وزيرة التخطيط تلتقى ممثلى مجتمع الأعمال الصينى خلال المنتدى الاقتصادي العالمي    صور جديدة تظهر الأضرار اللاحقة بمنشآت فوردو وأصفهان ونطنز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 25-6-2025 في محافظة قنا    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة.. مواجهات نارية في كأس العالم للأندية    رسميًا درجات تنسيق الثانوية العامة 2025 في بورسعيد.. سجل الآن (رابط مباشر)    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللقاء الأخير لأنيس منصور فى المدرج 87
نشر في أكتوبر يوم 30 - 10 - 2011

كان طلاب كلية الآداب - جامعة القاهرة - من المحظوظين، بعد أن جمعهم لقاء أخير بالكاتب الكبير الراحل أنيس منصور فى المدرج 87 الذى درس فيه وحاضر به أيضاً من قبل، ولأن كل ما كان يخرج من بين شفتيه يعتبر تاريخاً، فقد ساد اللقاء جو من الود والحميمية رغم سنوات عمر الراحل التى قاربت السابعة والثمانين عاماً.
وأجاب أنيس منصور خلال اللقاء عن أسئلة الطلاب الذين أحاطوه بالحب عن حياته بالقرية، وعلاقته اللافتة بالرئيس الراحل أنور السادات، والعقاد وطه حسين، وسر ارتباطه بالمدرج 87، ولماذا ترك تدريس الفلسفة بعد تعيينه معيداً بكلية الآداب جامعة عين شمس وأسئلة أخرى كثيرة نقرؤها معاً بالتفاصيل فى السطور القادمة.
سأله الطلاب عن سبب حبه الشديد للمدرج 87 ولماذا أصر على أن يكون اللقاء به، فقال الكاتب الراحل: مجرد أن أقول:«مدرج 87» تهتز مشاعرى وأركانى وأصاب بالغبطة لأننى قضيت فيه سنوات عديدة كنا نأتى إلى هنا أنا وآمال فهمى ونغنى، كنا حوالى أربعة فقط، بالإضافة إلى 7 طلاب آخرين كانوا دائماً ينظرون من الشبابيك إلينا ونحن نغنى.
وقال الكاتب الراحل، أول مرة تكلمت من على هذه المنصة التى أجلس عليها الآن عندما زار الكلية الأديب الفرنسى «ألان ريجيه» والذى جاء به طه حسين وقال لنا: جاء الأديب الفرنسى حتى يعلم أن لدينا طلابا تدرس وتعرف اللغة الفرنسية، وقدمته، وقدمه بعدى طه حسين وكان تقديما رائعا، ثم جئنا بالعقاد بعد ذلك ليحاضرنا هنا.
وكان آخر عهدى بمدرج 87 عندما ناقشت جيهان السادات رسالة الدكتوراه الخاصة بها.. كانت رسالتها تناقش هنا.. وكنا 8 أفراد فقط حضرنا المناقشة بخلاف الدكاترة.. الرئيس السادات وأولاده وأنا فقط.
وكتبت عن هذا المدرج كثيرا لكنى لم أره من قبل بهذه الأناقة، كنا محظوظين جداً لأنه كان يدرس لنا أساتذة كبار من أمثال شوقى ضيف كان يدرس لنا اللغة العربية أو الأدب العربى وموسى عبده فى الأدب الإنجليزى وعبد الرحمن بدوى فى الفلسفة، هؤلاء من رموز فكرنا وأدبنا، وتشاء الصدفة البحتة أن أتنافس أنا وأستاذى شوقى ضيف على جائزة حسنى مبارك، فى المرة الأولى تعادلت الأصوات وألغيت الجائزة، وفى المرة الثانية أيضاً تنافست أنا وهو وفزت بها ولم يفز بها، وفى المرة الثالثة تم ترشيحه مع د. القطب وحصل عليها الدكتور القطب، وفى المرة الرابعة حصل عليها هو.
ويهتز أنيس منصور وذرفت عيناه بالدموع وقال: أتأثر كلما أتصور الآن كيف كنا وكيف أنتم الآن، لم يكن لدينا كهرباء ولا تقنيات ولا أدرى كيف كنا نعيش فى ظل تلك الصعوبات ومع ذلك كنا سعداء بما لدينا.
بلا طموح/U/
سأله الطلاب عن مشواره الطويل وكيف أصبح أنيس منصور الصحفى الكبير والأديب الشهير؟ فقال: سأقول لكم حكاية لا يصدقها البعض لكنها صحيحة وهى أننى لم أكن نموذجا جيدا وكنت بلا طموح ولا أحلام، كنت مجرد شخص ريفى راض بحياته فى الكتاب الذى يقع تحت الأرض، مفروش بالقش والقش به براغيث، كانت «تقرص» فينا ولا نستطيع الشكوى فكيف نشتكى لمن يعلمنا القرآن، فهى شكوى غير مقبولة للآباء، لأن من علمنى حرفاً صرت له عبدا.. ذلك كان الاعتقاد السائد وقتها، لم نكن نعرف غير الكتاتيب، كان مجتمعا ريفيا مغلقا، وعندما دخلنا المدرسة الابتدائى لم نر شيئا أفضل إلا عندما جئت إلى القاهرة شوارع طويلة وسيارات وتروماى وأضواء حينذاك تغيرت الدنيا، كنت أذاكر فقط لكى أكون الأول على الدفعة فقط، ولم يكن لى حياة أخرى من أى نوع حتى أننى لم أدخل السينما إلا بعد تخرجى فى الكلية واشتغالى بالصحافة، المنصورة كان بها 4 دور للسينما كنت أمر عليها ولا أدخلها.
وتحدث الكاتب الراحل عن دخوله الجامعة فقال: عندما دخلت الجامعة كان من نصائح أمى لى «ماتكلمش بنات» ومن حين إلى آخر كانت تسألنى «كلمت بنات؟» وكنت أقول: لا، وفى إحدى المرات وقع زرار قميص لى فقامت زميلة بتركيب آخر لى بدلاً منه ومن شدة خوفى من أمى لم أعد إلى البيت إلى مساء حتى لا ترى «الزرار» الجديد!!
أضاف: كنت طالبا مجتهدا أذاكر فقط حتى أكون الأول وبالفعل كنت الأول فى الابتدائية والإعدادية والتوجيهية والليسانس أيضاً، ولم يكن لدى أى طموح من أى نوع.
وعن عمله فى الصحافة قال: اعتبرت أن الصحافة مجرد سلعة معروضة للبيع من تعجبه يشتريها، وبدأت فى الصفحة الأدبية ورأى رؤساء التحرير أننى صحفى جيد وشجعنى ذلك على القيام بعمل رحلتى حول العالم عام 1959 ومكثت فى الرحلة 228 يوما بلا توقف واعتبرت أن هذه الرحلة هى مسوغات تعيينى رئيس تحرير، وأصبحت بعدها رئيس تحرير 10 مرات.
وبتأثر قال: أعطتنى الصحافة ما يتمناه أى صحفى رغم أننى كما قلت من قبل لم يكن لدى طموح أو أحلام، كنت طالبا عاديا يجتهد ليذاكر، وتساءل: هل كنت نموذجا جيدا؟ لا أدرى، طالب عادى راض بحياته، وعندما جئت إلى القاهرة وجدت أبناءها لديهم أحلام وخيال، أما نحن لم نفكر إلا فى الكتاب والمدرسة والأرض، دون وجود وسائل ترفيه، أو وسائل مساعدة فى المعيشة.
ومؤخراً زرت مدرسة كل طالب أمامه جهاز كمبيوتر وفى جيبه موبايل هذا عز أبهرنى جداً، لأننا كنا بنأكل الطين بدون أحلام أو طموحات.
وأتعجب الآن كيف خرجنا أحياء من هذا الريف عندما زرت قريتى وكنت مصراً على الذهاب إلى الكتاب الذى حفظت فيه القرآن فى صغرى ووجدته كما هو بمكان منخفض ينزل إليه الطلاب عبر سلالم قليلة، عندما كنا بالكتاب كان صاحبه أو سيدنا يوزع علينا العمل واحد يكنس والثانى يقطف البامية أو الملوخية، وكانت مهمتى اليومية هى أن أدخل إلى الخزانة أستطلع هل باضت الفراخ أم لا، وأقوم بجمع البيض ولم تكن شكوانا مقبولة أبداً، سيدنا كان أعمى وكان يقوم بعدنا بالعصاية، وأقسى ما كنا نعانيه فى مرحلة الكُتاب عندما كان يأتى سيدنا بالفطير المشلتت السخن ذى الرائحة القوية ويأكله بالقشطة فهذه الرائحة كانت تصيبنا بالدوار، وتجعلنا لا نسمع منه ما يقوله.
أذكر واقعة أيضاً وهى أن د. صبرى الشبراوى وهو «بلدياتى دقهلاوى» كنت أستاذاً بإحدى الجامعات الأمريكية وكان دائماً يقول الدستور الأمريكى «يقول كذا أما عندنا فى البرامون يحدث كذا، شىء مختلف تماما، وعندما كان فى زيارة لمصر فى إحدى المرات طلبت منه زوجته الأمريكية الذهاب إلى مسقط رأسه بالمنصورة أولاً ولم تتطق الانتظار من كثرة ما سمعت منه عنها.
وذهب بها إلى هناك ورأت الزرايب والضفادع والصراصير والناموس والصرف الصحى، ثم قالت له: إنها معجزة لأنك خرجت من القرية حيا، وهو ما أتعجب منه أنا أيضاً الآن.
الاقتراب من الحاكم/U/
سأل الطلاب الكاتب الراحل عن تقييمه للاقتراب من الحاكم فقال: إنه صعب جداً وخطير، وعلاقتى بالرئيس السادات كانت قوية جداً ولم أنس أبداً أنه رئيس مهما قربنى إليه، لم أتجاوز حدودى فى أى مرة من المرات وكان البرنامج اليومى لنا يبدأ بسؤالى: ماذا فعلت اليوم.. ماذا قرأت.. هل كلمت فلانا ثم نتكلم فى السياسة وعن المقالة التى سأنشرها بمجلة أكتوبر، بعد ذلك كنا نمشى لمدة ساعة أو ساعتين.
ويستطرد الراحل فى حواره: علاقة المثقف بالحاكم صعبة جداً، وفى نفس الوقت ممتعة جداً لأننى كنت أرى كل الأحداث عن قرب وأرى كيف تتشكل الوزارة، وكيف يختار الرئيس رجاله، وكيف يستبعدهم وتقال، وأحياناً كانت لأسباب وكان كثيراً ما يسألنى الرئيس السادات عن بعض الشخصيات المرشحة لتولى أحد المناصب فى الحكومة، وأذكر أنه استبعد أحد الأشخاص المرشحة لمنصب وزارى عندما علم أنه يضرب أمه.
رفضت منصب الوزير/U/
وقال أنيس منصور فى حديثه فى عام 1976: قال السادات ما رأيك فى أن تكون وزيرا للثقافة لكنى رفضت وقلت له أنا صحفى لا يوجد لدى وقت، أريد فقط أن أقرأ وأكتب، ولم يجبرنى الرئيس الراحل على توليها.
وسأله الطلاب عن الاقتراب من المرأة وعن حقيقة مشاعره ناحيتها، ابتسم قليلاً وقال: لا يوجد أحد يحب المرأة «اللى بيحب يشتكى واللى متزوج بيشتكى يبقى مين اللى بيحبها»؟
وعندما سُئل عن ارتباطه بالعقاد قال: عندما جئت إلى القاهرة التحقت بجامعتين، الأولى جامعة القاهرة والثانية جامعة عباس محمود العقاد وكنت شديد الصلة والالتصاق به وبلغ العقاد من القوة أن شغلنى عن طه حسين فلم أتعرف عليه إلا متأخراً لأن العقاد اكتسح كل الشخصيات من حولى وكان أساتذتنا زكى نجيب محمود وعثمان محمود كامل يجلسان معنا نحن الطلاب مستمعين منصتين إليه وهو المفكر العظيم الرائع الزاهد، وهو بحق شخصية فزة.
وفى إحدى المرات طلبه وزير الثقافة ثروت عكاشة للحضور عنده معى ومع آخرين فلم يذهب، وعندما قابلته قلت له: لماذا لم تحضر لقاء وزير الثقافة قال يا مولانا «أنا فاكر إن ثروت عكاشة هو اللى هيعدى عليا».
وعندما حصل العقاد على جائزة الدولة التقديرية قلت له: أستاذنا أعطنى كلمتك لأكتبها لك على الآلة الكاتبة، وعندما قرأتها لم أجد فيها أى تحية أو ذكر لجمال عبدالناصر.. ذهبت إلى محمد حسنين هيكل وقلت يا هيكل: إن العقاد كتب كلمة رائعة لكن لم يحيى فيها عبدالناصر ماذا ستفعل؟
فاتفقنا مع العمال المسئولين عن تنظيم الحفل، أن يخفضوا الميكروفون بعد أن كان مرتفعاً لأن العقاد كان طويل القامة فتكلم ولم يسمع منه أحد أى شىء، وبعد أن انتهى الحفل قال له بعض الحضور أستاذ العقاد لم نفهم مما قلت شيئا لرداءة الصوت، فقال العقاد «عملوها أولاد الكلب»، وفى برنامج مع الخالدين بإذاعة صوت العرب سأله المذيع: ما شعورك عندما أخذت جائزة الدولة التقديرية قال إنه شعور بالابتلاء إنها جائزة أخذتها من الشعب على يد الحكومة!!
طه حسين/U/
وعن طه حسين قال الكاتب الراحل: ندمت ندما شديدا لأننى تعرفت عليه متأخرا وكان شخصية لطيفة وكنت أتعجب كثيرا من دماثة خلقه، وعندما صدر كتابى 200 يوم حول العالم كتب هو المقدمة وكانت رائعة ولم يكتب العقاد شيئا وهو ما جعل ندمى يزداد أننى لم أعرفه إلا متأخراً.
وفى إحدى المرات قال لى زكى نجيب محمود: هل تعلم أننى وأنت من المغفلين؟ قلت: لماذا؟ قال: أنا كتبت كثيرا عن العقاد وترجمت له كتبا وأنت تصلى له ليل نهار وهو لم يكتب سطرا واحدا عن أى منا «نبقى مغفلين ولا لأ؟ قلت: آه مغفلين».
وعن حبه الشديد للفلسفة قال أنيس منصور: إنه بجانب الشهادة التوجيهية كانت هناك مسابقة للفلسفة وكنت الأول فيها، ودخلت قسم فلسفة، والذى جعلنى أعشقها هو زكى نجيب محمود الذى يعد أسلوبه فتنة غاية الروعة فى العبارة والأسلوب.
وعندما سأله الطلاب عن سبب تركه التدريس بالفلسفة بآداب جامعة عين شمس بابتسامة كبيرة قال: الفلوس لأننى عندما كنت معيدا كان مرتبى 17 جنيها لكن عندما عملت بالصحافة كان مرتبى 150 جنيهاً.
ويحاول الطلاب اجتذاب الكاتب الراحل إلى أكثر المواقف طرافة فى حياته فقال: موقفا من الرئيس جمال عبد الناصر معى لأنه رفدنى من عملى بأخبار اليوم، كنت على خلاف مع حافظ الأسد، لذلك لم أذهب إلى سوريا منذ فترة طويلة لأنه كان يهاجم السادات كثيرا، مما ضايقنى منه فقال لى الرئيس السابق حسنى مبارك قبل زيارته إلى سوريا، قال: تعالى معى أصالحك عليه، وأثناء وليمة العشاء قلت للرئيس السورى جمال عبدالناصر: لم يحفظ إلا آية واحدة من القرآن وهى «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء»، أما سيادتك فتؤمن بحديث نبوى واحد «الدين المعاملة».
سبب رفدى/U/
وسأل الطلاب الأديب الكبير عن نقطة التحول فى حياة أنيس منصور فقال: حياتى ليس بها مطبات كثيرة غير وفاة أبى وأمى، بالإضافة إلى رفدى من أخبار اليوم سنتين لأننى كتبت مقالة اعتبرها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هجوما عليه، والمقالة كانت عن مسرحية توفيق الحكيم «السلطان الحائر»، فى الوقت الذى كنا فى أشد الضيق من تأميم الصحافة وبدا لنا أن الحكومة تريد هدم أخبار اليوم وكان الجزء المكتوب عن المسرحية، على لسان الشيخ العز بن عبد السلام.
قال فيه: إن العبيد لا يجوز أن يحكموا الأحرار، والمماليك كلهم عبيد، لذا لا يصح أن يحكموا مصر فينبغى أن يباعوا أولا ثم يعودوا ليحكموا مصر وهم أحرار وتوفيق الحكيم اختار أن تشترى الغانية السلطان وتشتمه، أما أنا كتبت وقلت العز بن عبدالسلام، خرج من مصر ووقف على الحدود، هو نيابة عن فقهاء مصر والحمار نيابة عن الشعب المصرى، وبسبب هذه الجملة رفدنى عبد الناصر سنتين.
نصيحة للشباب/U/
وطلب الطلاب من الكاتب الراحل النصيحة فقال لهم، نصيحتى أن لا نصيحة، لأن الشباب منذ أيام نوح عليه السلام على خلاف مع الآباء وهناك فجوة بين الأجيال واستنكار من الآباء لما يفعله الأبناء، والتوافق بينهما صعب جداً لأن الحياة تعنى التوافق المستمر بين عيوب الناس، فأنا أقول للشباب: حاول التوافق مع الأب وليس التطاول عليه.. جيلنا كان مختلفا تماما عن هذه الأيام كنت مثلاً أُقبِّل يد الأب والأم بسبب أو بدون سبب، ومرة دخلت على أمى وكان معها ضيوف وحاولت تقبيل يدها و«اتكسفت منى» فقلت لها: إذا لم تعطينى يديكى لأقبلها سأقبل جزمتك»، فى إحدى المرات قلت لشاب أمام أبيه قبل يده قال لماذا؟!!
وأعتقد أن المشكلة تكمن فى أن الشباب يريدون كل شىء ما يقدر عليه ومالا يقدر عليه، ولابد أن نحترم هذا الاختلاف بين الأجيال.
وكان آخر سؤال سأله الطلاب للأستاذ الراحل عن رأيه فى هجرة الشباب خارج مصر فى قوارب الموت، قال: أرى أن الشباب محقين فى ذلك لأنه يرى أن الحياة أصبحت غير ممكنة فى مصر والمشكلة تكمن فى أن الشاب المهاجر يذهب إلى أوروبا ليعرض أو يبيع سلعة وهى خبرته، هل هى مطلوبة؟ الإجابة: لا، فتكون النتيجة التوهان فى الشوارع، وهو ما عبّرت عنه فى مسلسل «مين اللى مايحبش فاطمة»، قابلت شابا مصريا بالصدفة وقلت له: ما مهنتك؟ قال: محاميا، قلت: هل تجيد الألمانية وتعرف شيئا عن الدستور السويسرى؟ قال: لا، قلت له: «هاتشتغل إيه؟ قال: ماعرفش»، عرّفته على عدد من الشباب المصرى يبيعون الجرائد هناك وتركته معهم، وعندما عدت وجدته مثل ما تركته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.