التجربة التى عاشها أبو العلا محمد عبد ربه، قاتل فرج فودة، خلال عشرين سنة قضاها فى السجن، منحته الفرصة لكى يعيد ترتيب أوراقه وينظر بعين فاحصة عقلانية بعيدا عن اندفاع الشباب والمؤثرات الخارجية الأخرى لماضيه لكى يقيّمه ويقوّم ما وجده به من أخطاء، ليرسم على ضوئه مستقبله الجديد، على وعى وبصيرة دون تشويش فكرى أو عقلى. ■ هل كنتم تتابعون ما يحدث بميدان التحرير وأنتم فى السجن؟ بالتأكيد، وكنا نتابع كل شىء ونعيش بجوارحنا مع الثوار وندعو لهم، وهذا ما نملكه، وقمت ونحن بالسجن بجمع تبرعات من المسجونين بعدما طلبت منهم أن يقتطعوه من مصاريف بيوتهم، حتى بلغت ستة آلاف جنيه، ووقتها كانت الزيارة ممنوعة عنا فطلبت من زوج شقيقتى، الذى فقد عينه بميدان التحرير أن يرسل إلى الميدان طعاما وعلاجا ومياها بقيمة ستة آلاف جنيه، على أن أعطيها له عند فتح الزيارة علينا، وكنت أرسل زوجتى إلى الميدان مع زوجات الإخوة، حتى نكون قد شاركنا وأدينا دورنا فى الثورة المصرية. التيار الإسلامى قام بالنزول إلى الميدان، وساند الثورة، ولا جدال فى هذا، وكنا نرى ونشاهد ونحن فى السجن ما يحدث فى الميدان، وعندما سمعنا أن شبابا وفتيات يبيتون فى الميدان كنت أرسل إلى من أعرفهم من الإخوة وأسأله: أين أنت؟ فإن وجدته خارج الميدان قلت له: «عار عليك أن تبيت الفتيات فى الميدان من أجل الوقوف ضد نظام ظالم وتبيت أنت بجوار زوجتك»، وأطلب منه أن ينزل الميدان، مذكرا بحديث الرسول «إن أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند سلطان جائر»، وكان هناك إخوة من الجماعة نزلوا الميدان، على الرغم من السجن والتعذيب الذى مر بهم، وكانوا يتناوبون معا حتى لا يتركوا الميدان، وهذا بشهادة بعض الحاضرين مثل الدكتور علاء الأسوانى والمخرج خالد يوسف والناشطة أسماء محفوظ، حيث نسبوهم إلى الإخوان وقالوا: «الإخوان حموا ميدان التحرير يوم موقعة الجمل». ■ كيف تقيّم تعاطى التيار الإسلامى مع الثورة المصرية وعلاقته بالتيارات السياسية الأخرى؟ - أنا هنا أؤكد أن صاحب البصمة الأولى فى مسألة التغيير هو الدكتور محمد البرادعى الذى كان له دور واضح فى التغيير، وبصمة واضحة قبل الثورة، وكذلك فإن حركة «6 أبريل» والجمعية الوطنية للتغيير هما من أطلق شرارة البداية، ولهم الفضل بعد الله على الشعب المصرى وعلى شخصى وعلى التيار الإسلامى كله، ولا أنكر أن أمن الدولة كان يفرض على عناصر الجماعة الإسلامية المفرج عنهم وعلى التيار الإسلامى كله قيودا فى التحرك، وهاتان الحركتان كسرتا تلك القيود وكسرتا الذل والقهر الذى تمت ممارسته على الإسلاميين من قبل النظام السابق.. وأنا هنا أطالب التيار الإسلامى أن لا ينسى هذا أبدا خصوصا من كان فى السجن، فضل شباب الثورة، فهؤلاء الشباب الثورى لهم فضل كبير على مصر كلها وعلى الحركة الإسلامية، وأنا هنا أقر أنى كنت من المخطئين فى حق هذا التيار، فلأنى كنت أتابع الأحداث من خلال التليفزيون المصرى فى السجن ولم يكن لدينا قنوات فضائية ظلمتهم، والآن أعتذر إليهم وأؤكد هنا أن شباب الثورة كان لديهم نظرة مستقبلية أبعد من غيرهم الذين مالوا إلى المجلس العسكرى وظنوا فيه خيرا، وظللت على سوء إدراكى حتى استمعت إلى فيلمين وصلا إلى السجن عن طريق «كارت ميمورى»، هما «كاذبون» و«يسقط حكم العسكر»، فعرفت الحقيقة كاملة، لذا أنا أعاتب إخوانى من الإسلاميين، لأنى كان معمّى علىّ، لكن أنت أمامك كل شىء، فلماذا تقحم نفسك فى هذا الأمر؟ ■ هل أحسن التيار الإسلامى التعامل مع مكتسبات الثورة المصرية؟ - الإسلاميون أخطؤوا عندما ظنوا أنهم من الممكن أن يكونوا مع المجلس العسكرى ويأخذوا جزءا من التورتة، ثم رجعوا بعد ذلك إلى شباب الثورة بعدما اعترفوا بخطئهم، ومن الإجحاف ومن الظلم البيّن أن أستأثر بالوضع كله بمفردى، لأن الجميع شارك والجميع سالت دماؤه والجميع ضحى والجميع دفع الثمن، والنبى قال «أعطِ الأجير حقه»، فما بالنا بمن ضحى وبذل الدماء وبذل الجهد والمال؟ وهنا يجب أن أشير إلى أن التيارات الإسلامية على الساحة المصرية باستثناء الإخوان، تفتقد الخبرة السياسية فى التعامل على الساحة السياسية، والإخوان يعلمون ذلك، لكن أخذهم الغرور فى البداية، بأنهم الأكبر عددا والأكثر قوة، فأخذهم الغرور بذلك حتى أحسوا أن «العسكرى» أعطاهم «قلمًا» فرجعوا إلى رشدهم وتأكد لهم أنهم من دون الناس «ولا حاجة» ولن ينفعوا إلا بمشاركة الجميع، وذلك فعلوه أيضا مع التيار الإسلامى. ■ البعض يتهم التيار الإسلامى بأنه ليس له قرار منفرد، ويسير فى ذيل الإخوان.. هل هذا الكلام صحيح؟ - هذا الكلام غير صحيح، والدليل على ذلك أنهم فى انتخابات الرئاسة كان لكل فريق رئيس رشحه، واعتبر البعض أنهم بعدوا عن مصلحة الإسلام والوطن بتفرقهم على المرشحين، وأراد الله أن يعطيهم درسا فى هذا الأمر وصعدت أسهم شفيق واستفاد كثيرا من حالة التشرذم والتفرق التى وقعت فيها القوى الإسلامية. ■ هل ترى أن جماعة الإخوان حفظت الجميل للتيارات السياسية التى ساندتها فى اختيار الدكتور مرسى رئيسا للجمهورية؟ - لن أتحدث عن التيار الإسلامى ككل، ولكن أتحدث عن الدكتور مرسى الذى أرى الآن أنه يحاول عمل توفيق أوضاع، وأرى أيضا أن شباب الثورة أصبحوا حياديين، لو فيه غلط يقفوا ولو مافيش المركب ماشية، أما زعماء التيارات الأخرى فلا أرى أنهم سياسيون، وكل تيار يسعى إلى المكاسب الشخصية على حساب البلد، وتلك مشكلة نعانيها، وأضرب لك مثلا بحزب التجمع الذى كان فى الأصل حزبا «يطبّل» للنظام السابق، وعندما قامت الثورة قال «أنا مع الثورة»، وعندما ظهر شفيق قال «أنا مع شفيق» الذى يمثل النظام السابق، فهو يبحث عن مصالح شخصية لا وطنية، ومصلحة الوطن تستدعى أن نقف مع أى شخص يأتى عبر الشرعية. كما أنى أرى أنه إذا جاء شخص إلى السلطة، بأى فكر من غير فكر الإسلاميين وجاء عبر الشرعية، فلا بد أن نقف معه، ونحن إذا قمنا بثورة من أجل الحرية، فلا بد أن نحترم ما تأتى به الحرية، والصندوق هو الفيصل. ■ وإذا جاءت الصناديق بشخص كشفيق مثلا، هل كنت ترضى بذلك؟ - شفيق بالتحديد لم يكن ليأتى إلا بالتزوير، لأنه كان سيزور إرادة الشعب بالمال، وكان لا يستطيع أن يكسب إلا بذلك، وكنت أقول «لا مانع عندى من أن يحكم شفيق أو مبارك نفسه، ولكن بعد 4 سنوات من الآن». ■ لماذا؟ - لأننى فى هذه الفترة أكون قمت بترسيخ قواعد الديمقراطية والحرية فى الدولة ووضعت دستورا جديدا ويكون كل مواطن قد فهم ما له وما عليه، أما إذا جاء الآن دون دستور أو دولة منظمة فسوف يعود بنا إلى الوراء، ونشاهد شبح الدولة القديمة يلوح لنا كما كان، لكن أضع القواعد وأعرِّف الشعب ما له وما عليه، ثم يأتى من يأتى، ولن أخاف من شىء ما دام جاء بطريق انتخابى نزيه، ولو أتت الانتخابات النزيهة بفرعون موسى فسأقبل ذلك، وأخشى فقط أن يأتى شفيق دون قانون، وتعود ريما إلى عادتها القديمة، وما دام القضاء العادل برأ مبارك أو شفيق فماذا أفعل أنا؟ لكن فى الوقت ذاته أقول إنى أعترض على وصول شفيق للحكم اعتراضا كليا وجزئيا، لأن شفيق أسهم بشكل أو آخر فى قتل الثوار وإسالة دماء المصريين، وله دور رئيسى فى موقعة الجمل وقت أن كان رئيسا للوزراء، حتى لو أنكر ذلك، فهو مسؤول عما حدث، وأيضا سخريته من ثوار التحرير. ■ كيف ترى الحل الأمثل فى التعامل مع قضايا الرأى من خلال تجربتك الشخصية؟ - أصحاب الأقلام والفكر الذين لا ينتمون إلى التيار الإسلامى كانوا فى البداية ينادون بالرأى والرأى الآخر، أما الآن فهم لا يرون إلا رأيهم فقط، ورأيهم هو الصواب ورأى غيرهم هو الخطأ، وهذا خطأ عندهم، والمفروض أنهم ككتاب وإعلاميين وصحفيين يعلمون الناس لغة الحوار، لكن للأسف الشديد كان الإعلام مسلطا بطريقة سيئة على الإسلاميين، وأضرب لك مثلا بأن الإعلام سلط الضوء على مجلس الشعب ولم يرَ فيه إلا نموذجين، ونيس والبلكيمى، وفرية وكذبة مضاجعة الميتة، كأن المجلس لم يشرع شيئا آخر، والحقيقة أن المجلس شرع كثيرا من القوانين، وإن أخَّرَ بعضَ القوانين التى كان من المفترض أن تقدَّم، ولم يقُم الإعلام بتسليط نقطة ضوء واحدة على ما أنجزه المجلس من مشروعات قوانين.. ولنتذكر أن عددا كبيرا من الكتاب طلبوا من «العسكرى» أن يظل يحكم بدلا من الإخوان، وقد أوصلوا بذلك مفهوما خاطئا للديمقراطية، هو أنه إذا جاءت الديمقراطية بى أقبلها، وإذا جاءت بغيرى أرفضها، وهذا بالطبع غير صحيح بالمرة ويسىء إلى الديمقراطية.. ويغيب عنا أن يكون النقد بنّاءً لا هدّاما، انقدنى للبناء لا للهدم، وينبغى أن يكون بيننا احترام متبادَل حتى لو اختلفنا فى الفكر والرؤى، ولا نخرج عن حدود اللياقة تحت اسم حرية الرأى، فمثلا شخص مثل توفيق عكاشة الذى أرى أن ما يفعله أشبه ب«حكاوى المصطبة» فى الحوار، وظف وسيلته الإعلامية للأسوأ، وكان ينبغى العكس بتسخيرها لبناء الوطن، وأصبح منبره بدلا من بث التنوير والتثقيف منبرا للسب والقذف والردح، فنزل بالمستوى الإعلامى إلى المستنقعات.. أقر بوجود حريات واحترمها، لكن لا بد من وجود أخلاقيات يتحلى الجميع بها، ولا أخرج عن إطار المجتمع، وتلك أيضا مستمدّة من تعاليم الإسلام، وحتى من لا يرضى بأن يسود الإسلام يمكن أن نتفق على بعض المبادئ والآداب التى تعلمها فى مراحل دراسته المختلفة، وهنا سوف يسود بيننا الحب. ■ خرج بعض الدعاوى بإهدار دم من يخرج فى بعض المظاهرات المعادية لنظام الدولة الجديد.. فما تعليقك على ذلك؟ - أعتبر ذلك جهلا، وكان من المفترض على من يخرج للحديث باسم الإسلام أن يعى ما يقول جيدا، ولا يصح أن أحمّل التيار الإسلامى كل ما يقوله بعضهم، كما لا أحمّل مثلا كل التيار الليبرالى ما يقوله محمد أبو حامد وأتهم التيار كله بسببه، فقد يكون هذا الشخص مدسوسا أو جاهلا أو لا يرتبط بالتيار الإسلامى أو الليبرالى، فأنا أتهم الشخص فى نفسه فقط دون أن أتطرق إلى الكيان كله.