من معانى «الفتنة»: أنها الأمر الذى لا تستطيع أن تتبين فيه الحق من الباطل! فتصبح حائرا تائها لا تعرف الصواب من الخطأ، فلا تستطيع أن تتخذ قرارا صائبا بشأن هذا الأمر الذى وقعت فيه الفتنة! وفى الحديث النبوى الشريف: (ليغشين أمتى من بعدى فتن كَقِطَعِ الليل المظلم!): فأنت فى الليل المظلم لا تستطيع أن تتبين طريقك، ولا تستطيع الاهتداء إلى الاتجاه الصحيح الذى ينبغى عليك أن تسلكه، من أجل الوصول إلى هدفك! ■ فماذا لو مَنَّ الله عليك، واستطعت أن تتبين الحق من الباطل يقينا؟! عليك حينئذ أن تقول كلمة أو تفعل فعلا تبتغى به ثلاثا: 1- تبتغى نُصْرَة الحق وهدم الباطل.. وإيّاك أن تتقاعس عن ذلك -ما دمتَ قادرا عليه، ولا تخشى أن يصيبك منه أذى أو مكروه، وما دمت تعرف أنه سيُظهِر الحق ويُزهِق الباطل، ولن يترتب عليه فتنة أكبر منه- وإلا فسيصيبك قول النَّبىّ: (السّاكت عن الحق شيطان أخرس)! ومن الناس من يهمه نصرة الحق حتى لو أصابه أذى أو مكروه! ولا شك أن هذا أعظم منزلة عند الله، فالمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، والثواب على قدر المشقة.. لكن فى النهاية لا يكلف الله نفسًا إلا وُسْعَها. 2- تبتغى وجه الله، وليس مصلحة شخصية لك، قد تجعلك تَحِيد عما تفعل أو تتراجع عنه، إذا تبين لك أن مصلحتك ليست فيه، أما حين يكون مرادك هو وجه الله، فحينئذ ستمضى فى ما تفعل من أجل الحق وحده، لا من أجلك أنت! 3- تبتغى إطفاء الفتنة وإزالتها، لا إشعالها وإثارتها! ■ أما لو اختلط الأمر عليك، ولم تستطع أن تعرف الحق من الباطل، فعليك بثلاثٍ: 1- أن تفعل ما كان يفعله النَّبىّ، فتتوجه إلى الله بهذا الدعاء: (اللهم أرنى الحقَّ حقّا): لأنك من الممكن أن ترى الحق أمامك، ولا تعرف أنه الحق!.. (وارزقنى اتباعه): لأنك من الممكن بعد أن عرفت الحق أن لا تتبعه، لأنه ليس على هواك، ومصلحتك ليست فى اتباعه!.. (وأرنى الباطل باطلا): لأنك من الممكن أن ترى الباطل أمامك ولا تعرف أنه باطل!.. (وارزقنى اجتنابه): فإذا عرفت أنه باطل، قد تتبعه ولا تجتنبه، لأنه على هواك ومصلحتك فيه!.. (ولا تجعلهما ملتبسين علىَّ فأضِل): أى لا تجعل الحق والباطل يلتبسان ببعضهما، فيلبس الحق ثوب الباطل، ويلبس الباطل ثوب الحق، فأضل وأتوه، فأجتنب حقّا يجب علىَّ اتباعه! وأتبع باطلا ينبغى علىَّ اجتنابه!.. والدعاء كاملا: (اللهم أرنى الحق حقا وارزقنى اتباعه، وأرنى الباطل باطلا وارزقنى اجتنابه، ولا تجعلهما ملتبسين على فأضل!) 2- أن تنفذ وصايا النبى صلى الله عليه وسلم، فى ما جاء فى حديثه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبى إذ ذكر الفتنة فقال: «إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم» أى: لم يعد بينهم وفاء بالعهد ولا أداء للأمانة، «وكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه» أى: اختلفوا وتشابكوا وتقاتلوا.. (قال عبد الله بن عمرو: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل حينذاك جعلنى الله فداك؟!) قال رسول الله: ■ «الزم بيتك».. أى: لا تشارك فى أحداث الفتن، فكيف تشارك فى حدث أنت لا تعرف إن كان حقا أم باطلا؟! ولا تعرف ما الذى سيؤدى إليه؟! خيرا أو شرا؟! ■ «واملك عليك لسانك».. أى: لا تشارك فى حديث الفتنة، فكيف تتحدث فى أمر لا تعرف إن كان صوابا أم خطأ ما تقوله فيه؟! وما الذى سيؤدى إليه قولك؟! خيرا أو شرا؟! فقد تؤدى الكلمة التى تتفوه بها فى أمر لا تعرف حقيقته إلى كارثة! لأنك لا تستند فيها إلى معرفة كاملة فى ما تتحدث عنه، فكيف تتحدث فيه؟! وكيف تردد دون وعى ما يردده الناس من أحاديث قد يكون فيها الهلاك؟! ■ «وخذ بما تعرف».. فما تعرفه، وترتاح إلى أنه الصواب، فخذ به واتبعه. ■ «ودع ما تنكر».. وما لا تعرفه وتراه منكرا، ولا ترتاح إليه، فدعه واتركه. ■ «وعليك بأمر خاصة نفسك».. خَلِّيك فى نفسك! فاتَّبِع ما تطمئن أنت إليه فى ما تظنه الحق! ■ «ودع عنك أمر العامة».. فلا تتبع أمر العامة فى ما لا تطمئن أنت إليه! فليس شرطا أن يكون العامة على صواب، فقد يكون ما يدعون إليه، فيه الفتنة والهلاك وسفك الدماء! ولا تغترّ بكثرتهم، فالكثرة ليست دليلا على صواب ما يدعون إليه! فأكثر الناس لا يعلمون، ولا يعقلون، ولا يفقهون!.. [وإنْ تُطِعْ أكثرَ مَنْ فى الأرضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سبيلِ الله] (الأنعام: 116).. فلا تسر فى ركب العامة والكثرة، ما دمت لا ترى رأيهم، ودع عنك أمرهم ما دمت تعلم أن نقاشك معهم لن يفيد ولن يؤتى ثماره، وأنهم مستمرون فيما هم فيه سائرون! امتثالا منك لأمر الله: [يا أيُّها الذين آمَنُوا عليكُم أنفُسَكُم] (المائدة:105) 3- ابتعد عن المصادر المُحَرِّضَة على الفتن.. يعنى من الآخر: اقفل تليفزيونك وفِيس بُوكَّك و..... فُوكَّك!!