الحكم الإسلامى، من وجهة نظرى، عورة الدين الإسلامى الذى نفعل له كل الخير لو سترناها. ولذلك فإن مَن يعتبرون الحكم الإسلامى منتجًا سياسيًّا لا دينيًّا، وإن حمل اسم الدين، يدافعون فى الحقيقة عن دين الإسلام من تحمل مسؤولية التاريخ الإسلامى الدموى، الفقير فى إبداعه فى وسائل الإدارة والحكم، الفقير فى إسهامه الاجتماعى والفلسفى والعلمى. قبل أن تهبى من على مقعدك منزعجة وتتهمينى بالتجنى، وتذكرى لى أسماء العشرة الذين ندور بهم متسولين على أبواب التاريخ، دعينى أذكرك بأن هذه حضارة امتدت على مدار 1300 سنة. مقارنة حجم إنجازها فى هذه القرون الثلاثة عشر بحضارة كالحضارة الرومانية أو الإغريقية أو حتى المصرية القديمة وإسهاماتها البشرية لن تكون فى صالحها على الإطلاق. هذا رغم أنها جاءت بعد تلك الحضارات، وكان مفترضًا أن تقف على أكتافها. أما لو قارنا هذه السنوات ال1300 بما أنجزته الحضارة العالمانية الغربية فى السنوات ال400 منذ عهد التنوير إلى الآن، فسوف تبدو الحضارة الإسلامية -فى شق الإنتاج الإنسانى- كعقلة إصبع أو هى أضأل. لا نريد أن نغرق فى آراء انطباعية. قارنى عدد الكتب المنتجة فى قرون الحضارة الإسلامية مع عدد الكتب المنتجة فى قرون الحضارات الأخرى. وطبعًا طبعًا لا تقارنيها بالحضارات الأخرى فى زمانها، لأن الحضارات الأخرى كانت فى زمن الحكم الإسلامى فى وقت انهيارها، وتسلط رجال دينها عليها. ثم لا تنسى أيضًا أن تراجعى سيرة حياة العلماء الإنسانيين الذين تتباهى بهم الحضارة الإسلامية، وانظرى ماذا فعلت فيهم وفى كتبهم وفى آرائهم، ولا تزال تفعل. أما الاختبار الحقيقى فحاولى أن تجمعى عدد السنوات «الذهبية» فى الحكم الإسلامى، شرقه وغربه، فإن زادت على الخمسين سنة «من أصل أكثر من 1300» فأبلغينى لكى أراجع حساباتى. هذا هو «المونتاج» التاريخى الذى نعيش فيه. والفرق بين المونتاج التاريخى الدعائى (إعلان الفيلم) وبين المنتج التاريخى الحقيقى (الفيلم نفسه) شاسع. شاسع بحجم تكاسلنا عن البحث عن الحقيقة. شاسع بحجم الدين الذى تراكم علينا عبر التاريخ بسبب تسليمنا بأمور لا تستقيم مع عقل. شاسع بحجم بعدنا عن الحد الأدنى المقبول لما وصلت إليه الحضارة الإنسانية حاليا. ثم لماذا نذهب بعيدا؟! نستطيع أن نرى المنتج التاريخى الحقيقى إن شئنا. المنتج التاريخى الحقيقى هو الوضع الذى كنا فيه عام 1798. ولماذا هذا العام؟! لأنه شهد أول غزو غير مسلم لمصر منذ دخلها عمرو بن العاص سنة 640 «على اختلاف الروايات». يعنى عندنا 1158 سنة من الحكم الإسلامى بلا انقطاع. أتحداك أن تحولى عينيك الآن بعيدا عن المقال، وأن تتذكرى أسماء عشرة عظماء فى الحياة المدنية أنجبتهم مصر فى القرون الثلاثة عشر تلك. أتحداك ثم أتحداك ثم أتحداك. وأريحك. مافيش. مافيش. هذا وهْم. شوية الأسماء التلاتة التى نتداولها دول صف تانى، ومصر «الأعجمية» كانت طوال التاريخ الإسلامى صفًّا عاشرًا. سعادة الأمة المصرية تحت الحكم الإسلامى كذبة. المصريون الحاليون اعتادوا أن يمدحوا الحكم الدينى الإسلامى بنظام «ماتدقيش»، أو من باب اذكروا محاسن موتاكم، أو من باب المجاملة علشان ماحدش ياخد على خاطره، وعلشان إحنا «شعب متدين بطبعه» كما تعلمين. وأيضًا استجابة من الجهلاء لدعاية الإسلامجية الكاذبة التى تقول إننا عشنا فى رغد، دون تقديم دليل واحد على ذلك. بينما، فى المقابل، فإن حجم الإنجاز والتطور منذ عهد أول حكم عالمانى لمصر على يد محمد على كان كبيرًا، وصاعدًا بيانيًّا، لم ينكسر المنحنى ويهبط إلا بعد انقلاب الأميين فى عام 1952. سؤال مشروع: لماذا أقول هذا الآن؟! لأننا كذبنا كذبة وصدقناها. أو جاملنا مجاملة وصدقناها، ولأن أهل الميت يطالبوننا بإعادته لننعم مرة أخرى ب«محاسنه». ولأننى، بملاحظة سلوك الإخوان والسلفيين، أدركت وتيقّنت أن السعى إلى السلطة باسم الدين، يدمر الفرد نفسه، فردا فردا، يجعل كل فرد كتلة متحركة من الكذب وتدليس واستحلال الآخرين عرضا ودماء وحقوقا. حتى هؤلاء الذين -فى الظروف العادية- أشخاص طيبون ومحبون للخير. السعى إلى السلطة تحت شعار الدين يحول الفرد إلى كتلة تبرير لنفسه ولجماعته، فكل شىء مباح ما دامت النية لله. الحكم الدينى لمصر مات، غير مأسوف عليه، وإكرام الميت دفنه، علشان نفضل طول عمرنا نذكر «محاسنه».