راجع أفلام السبكى الأخيرة مثل «كباريه»، «الفرح»، «ولاد البلد»، «علىّ الطرب بالتلاتة» وصولا إلى «شارع الهرم» ستجد أنها تعبر عن آرائه فى الدين والدنيا، فى الحلال والحرام، فى الجنة والنار، إنه الصراع الأبدى كما يراه أغلب أولاد البلد بين الرذيلة والفضيلة، دائما ما تحاول الرذيلة أن تقهر الفضيلة إلا أنها، أقصد الفضيلة، تنتصر فى نهاية الشوط.. الشيطان يرتع فى الكباريه تلك هى أرضه وهذه هى مساحته للغواية، لكن الله موجود فى كل مكان، ويمنح عباده دائما فرصة للتوبة مهما كانت معاصيهم، على شرط أن يكونوا صادقين ويتطهروا من الذنوب.. هل تتذكرون كيف أن أحمد بدير غادر الكباريه فى فيلم «كباريه» وذهب للصلاة فأنقذ من الحريق الذى التهم كل العصاة؟ دائما إذا كنت مع الله فالنعيم فى انتظارك دنيا وآخرة. هل نسيتم نهايتى فيلم «الفرح» اللتين شاهدناهما فى الفيلم؟ واحدة لمن يلتزم بقواعد الدين والأخلاق الحميدة فيذهب إلى سكة السلامة، فينجو بنفسه وأهله من الهلاك، بينما النهاية الأخرى لمن نسى الله لا تعرف سوى سكة الندامة، سوسن بدر تابت عن الرقص فتم إنقاذها من الهلاك.. إنها أفلام يصوغها منتجها سواء شارك بكتابتها مباشرة أو كتبها عدد من أفراد الجيل الثانى للعائلة -السبكيون الجدد- الذين صار أغلبهم فى السنوات الأخيرة مؤلفين يقدمون نفس الطبخة مع قدر فقط من الاختلاف فى التحابيش.. أفكار السبكى فى كل الأحوال تنضح فى السيناريو، بل إنك من الممكن أن تراها أيضا فى التفاصيل الإخراجية، إنه يعتبر حالة استثنائية لم تتعود عليها السينما المصرية طوال تاريخها حيث إن المنتج فقط نراه بجوار شباك التذاكر وهو يعد الفلوس.. السبكى تستطيع أن تعثر عليه بالتأكيد عند شباك التذاكر يعد الفلوس، لكنك سوف تجده قبل الشباك وهو يتابع عدد الضحكات والإفيهات واللقطات الجنسية ولقطات التوبة عن المعاصى. وبعد أن يطمئن إلى أن العدد صار كافيا يدفع بفيلمه مطمئنا إلى النصر المبين فى الشباك.. الأفلام علميا تنسب لمخرجيها، لكن أغلب الأفلام المصرية تنسب إلى نجومها، فهم أصحاب الرأى الأول والأخير فى كل تفاصيلها. السبكى هو المنتج المصرى الوحيد الذى يحيل الفيلم كله إلى ملعبه، فهو يعلم تماما ما الذى يريده أبناء البلد، فهم يبحثون عن الضحك والفرفشة، يريدون الجنس، مؤمنون بأن الله الذى ينزل عقابه بالأشرار وأنه غفور رحيم.. الفن فى يقين قسط وافر من أبناء البلد حرام، الرقص حرام، الغناء أيضا حرام.. السبكى يقدم لهم كل هذه الأفكار، وفى نفس الوقت يرضى بداخلهم الرغبة فى مشاهدة هذا العالم الممنوع.. أغلب المصريين لا يذهبون إلى الكباريه فهو بيت الرذيلة، لكنهم أيضا بداخلهم رغبة مكبوتة للدخول والاقتراب، ولهذا يذهب المتفرج من خلال أفلام السبكى بعد أن يدفع جنيهات قليلة إلى الكباريه، وبعد ذلك لا بأس أن يتوب.. الأبطال يعلنون أن الفن حرام والرقص حرام وفلوسه أيضا حرام.. يحطم السبكى الخط الوهمى بين الواقع والخيال. سعد الصغير هو أكثر مطرب يعلن دائما عن رغبته فى التوبة عن الغناء والرقص، وبنى جامعا بفلوس الفن اختلف الفقهاء فى جواز الصلاة فيه، والفيلم يناقش أيضا مشروعية التصدق بفلوس الفن. وهكذا يصبح سعد الصغير لا يقدم على الشاشة سوى سعد الصغير.. الراقصة دينا عندما يسألها أحد عن الحجاب تقول لم يأت أوانه بعد، فهى أيضا من الممكن أن يصدق الناس أنها كما قدمها الفيلم سوف تعتزل الرقص الشرقى وتتفرغ للرقص الشعبى الاستعراضى، مثل الذى تقدمه فرقة «رضا» للفنون الشعبية، حيث يبدأ برقصة شعبية لدينا وينهيه أيضا برقصة شعبية. إنها دراميا اعتزلت الرقص تمشيا مع روح الفضيلة التى يبثها الفيلم!! أفلام السبكى تشبه من يقول لك إنه لا يقدم صورا عارية على صفحات جريدته المحافظة، وحتى يؤكد ذلك عمليا فإنه ينشر الصورة التى تشاهدها فى الجرائد الأخرى المنفلتة، ويكتب تحتها هذا التعليق «إننا لا ننشر مثل هذه الصور العارية!!». السبكى يرفض فى أفلامه الرذيلة والرقص والسُكر والحشيش والغناء، ثم يغرق بها أفلامه لأنه متأكد أن من يقطع التذكرة لمشاهدة أفلام السبكى فيه شىء من السبكى!!