قبل ذهابك لمشاهدة فيلم «شارع الهرم» لابد أنك مهيأ تماما لمشاهدة ما توقعته فى ذهنك، أنت أمام معطيات تؤكد ذلك أولها اسم الفيلم وأسماء أبطاله ومُنتجه، وعندما يحقق ما يسمى «شارع الهرم» أعلى الإيرادات فى شباك التذاكر فهذا شىء طبيعى لعدة أسباب أولها أن 90% من جمهور العيد من أصحاب الحرف والورش وهؤلاء تروق لهم الأفلام التى على شاكلة «شارع الهرم» و«أولاد البلد» و«على الطرب بالثلاثة»، وبالمناسبة هذه الأفلام حملت توقيع الشقيقان محمد وأحمد السبكى. وسعد الصغير ودينا هما القاسم المشترك بينها، ولأن أحمد السبكى منتج يعى جيداً ذوق جمهور سينمات وسط البلد وهى الشريحة التى اعتمد عليها فى فيلمه بشكل أكبر من جمهور المولات، فقد شعر بضرورة وجود عناصر جديدة بجوار دينا وسعد الصغير خاصةً أن الأولى ظهرت عليها علامات السن وتستطيع أن تلمس الفرق بوضوح عندما تشاهد أيتن عامر بجوارها فى دور الراقصة، أما الثانى فقد وضع بجواره اثنين من مطربى الغناء الشعبى «طارق الشيخ» «ومحمود الليثى» بخلاف المطربة سلمى لضمان جذب جمهور أكثر، خاصة بعد إعلان سعد الصغير أنه لن يرقص فى أى فيلم بعد الهجوم الذى تعرض له بأفلامه السابقة مع دينا حيث كان ينافسها. أيضاً نجح أحمد السبكى فى ضم نجمين بحجم أحمد بدير ولطفى لبيب فى فيلمه. وطبعا لابد من وجود عنصر نسائى كوميديان لتأكيد نجاح التوليفة، لذلك لم يكتف باسم واحد بل اختار مها أحمد وبدرية طلبة ومعهما الكوميديان حسن عبدالفتاح. وفيلم بهذه المواصفات لابد له من وجود مخرج جديد حتى لا يعترض على وجهة نظر منتج الفيلم وابن شقيقه سيد السبكى، لذلك تم إسناد مهمة إخراج الفيلم ل«شورى». مبدئياً كده حضرتك ستشعر أثناء مشاهدتك لهذا الفيلم أنك جالس فى كباريه به نافورة عاهرات يرقصن فوق موائد الزبائن بخلاف الراقصة الرئيسية وهى إما دينا أو أيتن عامر ومجموعة من مطربى الفن الشعبى يقدمون وصلاتهم كأنهم فى الكباريه الذى يعملون به فى الواقع، أيضا مشاهد عنف جنسى على مشاهد شذوذ جنسى فى سجن الرجال على شوية عاهرات فى السجن على قوادين للدعارة، أعتقد أن هناك حالة من القرف والاشمئزاز أصابت حضرتك. المهم أنك ستكتشف أن وراء هذا القرف «رسالة» حسب تأكيدات مُنتجه الذى لايعنيه كلام النقاد والصحفيين. نأتى لقصة الفيلم نفسه نحن أمام أسرة مكونة من الأب هندى «لطفى لبيب» وبناته الثلاث دينا «زيزى» وحنان «مها أحمد» ودلال «بدرية طلبة». الأولى تعمل راقصة فى فرقة فنون شعبية ويعجب بها رجل الأعمال ماهر القرش أو وزير الحنية «أحمد سلامة» أثناء مشاهدته لها وهى ترقص، يطلب من أحد أعوانه إحضارها لمنزله بشرط وضع عصابة على عينيها تمنعها من رؤية الشخص والمكان الذى ستذهب له، وبالفعل يقوم «وزير الحنية» باغتصابها بطريقة شاذة دون أن تراه ثم يتم إلقاؤها فى الشارع دون معرفتها الأشخاص الذين فعلوا بها هذه الجريمة، ثُم تذهب لشقيقتيها «مها أحمد» و«بدرية طلبة» وتحكى لهما ماحدث فتستقبلان الأمر بطريقة غريبة، حيث تقول إحداهما لأختها: مادام اللى خطفك اثنان بخلاف الشخص الذى اغتصبك لماذا لم تقولى لهما أن لديك شقيقتين وكان يأتى لخطفنا. أما الأب هندى «لطفى لبيب» فهو لايتردد فى فضح ابنته على الملأ فى الحارة فى مشهد شبيه بأحد مشاهد فيلم «شىء من الخوف» عندما أمسك أهالى القرية المشاعل ورددوا «زواج عتريس من فؤادة باطل». أما فى فيلم «شارع الهرم» فكان الهتاف مُختلفا، حيث ردد الأب على الملأ «البنت اللى حيلتى باظت» ليرد عليه أهل الحارة «باظت» لنجد فيما بعد هذا الأب وهو متوجه لابنتيه الأخريين وهو فرح ليبشرهما أن أختهما زيزى «دينا» قررت نيل رضاه والعمل فى شارع الهرم وترك فرقة الفنون الشعبية - طبعاً مثل هذا المشهد فى غاية الغرابة - لتبدأ فيما بعد رحلتها فى التدريب على الرقص الشرقى على يد الطبال حُمص «سعد الصغير» والمطرب الشعبى «الليثى» اللذين يعملان بأحد الكباريهات الذى تملكه «مادلين طبر» والتى تقرر ضمها لراقصات الكباريه بعد مشاهدة رقصها بأحد الأفراح الشعبية بدعم من الطبال والمطرب الشعبى. لتصبح من أهم راقصات الكباريه بعد غياب أيتن عامر التى أصبحت ملكا «لماهر القرش» أحمد سلامة ترقص له وحده وتلبى رغباته السادية فى الجنس ولاتغادر منزله على الإطلاق مادام يدفع المعلوم وذلك بناء على صفقة ثلاثية أبطالها صاحبة الكباريه وأحمد سلامة وأيتن عامر، لكن الأمور تنقلب بعد مشاهدة أحمد سلامة لدينا فى الكباريه. لن أسرد باقى الأحداث لكن عليك تخيل مستوى الحوار الدائر بين أبطال فى فيلم المفروض أن بطلته راقصة تعمل تحت مظلة قوادة ويتصارع عليها رجلان أحدهما رجل أعمال سادى يمارس العنف الجنسى مع الراقصات والآخر محامى قضايا آداب والاثنان ليس وراءهما شىء سوى اللهاث خلف الراقصات بخلاف الطبال حمص «سعد الصغير» الذى يحبها وأب يشجع ابنته على الانحراف. أما كلمات الأغانى فهى مليئة بالإسفاف والدلالات الجنسية ويكفى أسماؤها «ادينى أطة» و«استنى استنى» و«مية مية». ومابين الحوار المُتدنى الذى كتبه سيد السبكى للفيلم وكلمات الأغانى كان لابد من حشر بعض الإفيهات على ثورة 25يناير والكلمات الشهيرة للقذافى حيث جاء على لسان «حنان» مها أحمد (أنا هاعمل مليونية من العرسان لأن كل عريس بيتقدم لى بيطلع فل من الفلول)، أما عادل المحامى «أحمد بدير» بعد تلقيه علقة ساخنة من رجال ماهر القرش «أحمد سلامة» نشاهده يقول (سأطاردكم فى كل دار دار وزنجة زنجة) ولا أدرى الأسباب التى جعلت أحمد بدير يوافق على هذا الدور الذى انتقص من رصيده. أما نهاية الفيلم فهى التى تحمل رسالته لكى يثبت أحمد السبكى أنه يقدم أفلاماً هادفة - خد بالك من اللى جاى - الأب بيموت عن طريق رصاصة خطأ وقبل وفاته يتمنى زواج بناته ليتسترن. أما زيزى «دينا» فتعتزل الرقص فى الكباريهات لأنه حرام وتعود للرقص الحلال اللى هو فى فرقة الفنون الشعبية، أما وزير الحنية يدخل السجن فى قضية غسيل أموال وأحمد بدير «عادل المحامى» صاحب الجملة الشهيرة « الشقة آه» لترد عليه إحدى العاهرات «الشقة لا» يدخل السجن فى قضية مخدرات وحُمص «سعد الصغير» لأن أباه رفض أخذ أى فلوس منه بأحد المشاهد ببداية الفيلم على اعتبار أنها فلوس حرام.. نراه يذهب لأبيه فى النهاية ليعلن له توبته عن الغناء فى شارع الهرم أو غيره. نسى صُناع الفيلم أن يكتبوا مع كلمة النهاية على جمهور الصالة التوبة عن مشاهدة مثل هذه النوعية من أفلامهم. ترى من صاحب المكسب والخسارة فى هذا الفيلم؟ المُستفيد الوحيد المنتج أحمد السبكى، فهو بارع فى صنع توليفة مضمونة النجاح فى شباك التذاكر. لكن هل قوة الإيرادات تعتمد على مثل هذه التوليفة شديدة التدنى؟ إذا كان الأمر هكذا إذاً علينا الاعتراف بالخراب الذى سيحل على هذه الصناعة، وإذا كان منطق الحاج أحمد السبكى اعتباره أى فيلم ما هو إلا سلعة عليه توفير خلطته الخاصة وطريقة عرض جيدة ودعاية جذابة ليحقق أرقاما ترضيه فى شباك التذاكر، فالمؤكد أيضاً أن نجاح مُعظم أفلامه ما هو إلا نجاح زائف. والمؤكد أيضاً أننا لا نستطيع قياس النجاح بالأرقام، كم من أفلام ذات مستوى فنى جيد لكنها لم تقترب من إيرادات أفلام عائلة السبكى، الأمر هنا مثل بعض السلع التى تحقق مكاسب باهظة كالمخدرات والدعارة لكنها تجد من يتصدى لها. لكن للأسف الأفلام التى على شاكلة «شارع الهرم» لن تجد من يتصدى لها إلا السينمائيين أنفسهم من خلال صناعة أفلام جيدة ذات نوعيات مُختلفة تحترم الجمهور. وحتى إذا كان مزاج الجمهور حاليا ليس فى حاجة لأفلام جادة فالمؤكد أيضا أن الأفلام التى على هذا الغرار ليست هى التى ستبعث السعادة للجمهور.