لا يزال الغموض عالِقا بتفاصيل مهمة فى ملابسات توقيف أحمد منصور فى ألمانيا فيما أشيع أنه بسبب قرار من الإنتربول، بناء على طلب من مصر، لإدانته غيابيا بعد هروبه من المحاكمة فى قضية تعذيب مواطن أثناء ثورة يناير، إضافة إلى اتهامه فى قضايا أخرى! أثار أول تعليق من المتهم فور توقيفه علامات تعجب كان يُفترَض أن يكون لها تفسير من عدة مصادر، عندما أظهر خطابا رسميا من الإنتربول ينصّ على أنه غير مُدرَج على قوائم الملاحقة! وكان غريبا أن تظل التصريحات من القاهرة على إصرارها أنه مطلوب من الإنتربول، دون أن يظهر مسؤول يتحدث عن الخطاب المشهر، كما لم يصدر إعلان رسمى من الإنتربول يحسم الأمر! وزاد الموضوع غرابة أن مجلة «دير شبيجل» توجهت بسؤال للحكومة الألمانية حول أسباب اعتقالها لأحمد منصور دون أن يكون لديها مستند قضائى يستوجب اعتقاله! بما يُرجِّح صحة كلام منصور حول هذه النقطة. وبرغم التشكيك فى الحجة المصرية الجوهرية، وكان أخذ التشكيك بجدية يمكن أن يذهب بالتوقعات فى سياقات أخرى، وبرغم أنه كان حريا بجهات رسمية مصرية أن ترد على هذه الوثيقة الرسمية من الإنتربول التى أعلنها منصور، أو أن تخاطب الإنتربول بطلب لتفسير الأمر، إلا أن ما جرى كان العكس تماما، حيث سرعان ما ظهر المبشرون بأن الموضوع قد انتهى، وأن ترحيل المتهم إلى مصر لا يتوقف إلا على بعض الإجراءات، ثم تبين بعد ذلك أن الموضوع لم يكن قد بدأ بعد! وأثناء اليومين اللذين استمر فيهما القيل والقال، تفاءل آخرون بأن القانون الألمانى يُعزِّز طلبَ مصر تسليم منصور، لأن الألمان قد أجروا تعديلات على القانون غلّظت من عقوبة المُحرِّض على العنف بمثل عقوبة الفاعل، وقال المتفائلون إن الأجهزة المصرية أمدت السلطات الألمانية بشرائط بالصوت والصورة مترجمة إلى الألمانية يُحرِّض فيها أحمد منصور علنا على اللجوء إلى العنف فى التعامل مع ما أسماه بالانقلاب الذى اعتدى على الشرعية! هناك تفسير يستحق النظر نشرته «اليوم السابع»، يوم الثلاثاء 23 يونيو، نسبت فيه الكلام إلى ما قالت إنها «مصادر ألمانية»، وهو كلام خطير إذا صدُقت هذه المصادر فى تصريحاتها التى جاء فيها أن الألمان استخدموا الطلب المصرى بتوقيف منصور ليأخذوا منه ما يريدونه، وأقرّت هذه المصادر بأن الألمان لم يكن لديهم شىء رسمى للقبض على منصور، لكنهم لوّحوا بطلب قديم من الحكومة المصرية لتوقيفه، وتستروا خلف هذا الطلب للقبض عليه لسؤاله عدة أسئلة تبحث السلطات الألمانية لها عن إجابات، وقد هددوه وساوموه إذا هو لم يتعاون معهم فسوف يسلمونه إلى مصر! كانت بعض الأسئلة المُلِّحة لدى الألمان عن قائد تنظيم جبهة النُّصرة الذى قابله أحمد منصور فى سوريا قبل أسبوعين، عن كيفية ترتيب المقابلة، وعن ماذا قاله الجولانى ولم يُذَع فى البرنامج الذى بثته قناة «الجزيرة»، وعن الشباب الأوروبيين، خاصة الألمان، الذين التحقوا بجبهة النصرة فى سوريا، وعن مصادر تمويل التنظيم. وقالت المصادر، وفق «اليوم السابع»، إن منصور اختار أن يُدلِى للسلطات الألمانية بكل ما لديه من معلومات عن الأسئلة المطروحة. وقارنت المصادر بين موقف منصور الذى قبل التعاون للنجاة بنفسه، وبين زميله فى «الجزيرة» تيسير علونى، الذى كان يعمل مراسلا فى أفغانستان عام 2001، إبان الغزو الأمريكى، وكان أجرى لقاء قبلها مع أسامة بن لادن. ولكن عندما أوقفته السلطات الإسبانية، رفض التعاون معهم مما أدّى إلى محاكمته ومعاقبته بالسجن 7 سنوات بعد إدانته بتهمة إساءة استخدام موقعه كصحفى للقيام بمقابلة صحفية مع أسامة بن لادن. طيب، النقطة المهمة الأخرى التى كان ينبغى أن تقلل من سقف طموح المتفائلين بترحيل منصور إلى مصر، هى ما نُشِر فى خلفيات الأخبار المتدفقة عن الموضوع من أن مصر لا تربطها بألمانيا اتفاقية لتسليم المجرمين! وقيل إنه ليس هناك حل للمشكلة إلا أن توافق ألمانيا على ترحيله لبلد ترتبط بهذه الاتفاقية مع مصر! ولم يقل أحد كيف ولماذا يُجامِل نظام القضاء الألمانى مصر إلى هذا الحدّ! وقد أثارت هذه النقطة أسئلة أخرى: فكيف لم تسع مصر منذ الثورة، أو على الأقل منذ تولى الرئيس السيسى، إلى أن تنظم تبادل المجرمين مع الدول التى يتخذها الإخوان معاقل لهم، ومنها ألمانيا وبريطانيا؟ من المسؤول عن إهمال هذا الموضوع؟ وكيف، مع توقع أن يقع أحد من المتهمين فى أيدى السلطات الألمانية، لم تستعد الأجهزة المصرية مع مكتب محاماة ألمانى كبير يكون على أهبة الاستعداد عندما يحين الحين؟ وكيف تُترَك الساحة للإخوان وحلفائهم يكذبون ليل نهار أن توقيف منصور عدوان على حرية الصحافة، فى حين كان الصوت المصرى خافتا محصورا فى خانة الدفاع عن النفس بأن التهمة التى أُدين فيها جنائية وليس لها علاقة من قريب أو من بعيد بالعمل الصحفى، وأن القانون المصرى يمنحه حق إعادة محاكمته مع إلغاء الحكم بمجرد مثوله أمام جهات التحقيق؟ ألا ينبغى الاعتراف أن الموقف صار أصعب بعد الحكم بالإفراج عن منصور، وأنها صارت سابقة مرجعية يلجأ إليها من يخضع للتوقيف من المطلوبين؟ بل المرجح أن تفكر أى دولة أكثر من مرة قبل توقيف أحد منهم؟ هل هناك جهة ما رسمية تدرس الآن البحث عن مخرج؟ هل هناك من يدقق فى صحة كلام المصادر الألمانية للتفكير فى كيف يجرى التعامل معه فى حالة صحته؟