كتب: أحمد حنتيش – أحمد إسماعيل من مضبطة المجلس: مزايدات بين النواب على الاتفاقية وإعلان الحرب صبيحة يوم في نهايات شتاء 1969، تحديدا يوم 4 أبريل، وافق مجلس الوزراء بالإجماع في جلسة واحدة على اتفاق كامب ديفيد، وبعد يوم واحد فقط، ألقى أنور السادات، رئيس الجمهورية، خطابا مطولا أمام مجلس الشعب هاجم فيه من انتقدوا الاتفاقية هجوما قاسيا ساخرا، وانعقد المجلس في جلسة مسائية في نفس اليوم، واستمع الأعضاء إلى خطاب رئيس الوزراء آنذاك، الدكتور مصطفى خليل، الذي قدم به معاهدة السلام وطلب الموافقة عليه. "ويكيليكس البرلمان" يرصد من مضبطة مجلس الشعب، كل ما دار في تلك الجلسة التاريخية، التي لا زال يدفع المصريون ثمنها سلبا وإيجابا، بإقرار وتطبيق الاتفاقية وسريانها إلى اليوم. في هذه الجلسة تعالت الأصوات في المجلس، بسبب عدم عرض وثيقة المعاهدة على أعضاء المجلس، فاقترح الدكتور صوفي أبو طالب، رئيس المجلس، إحالة نصوص القرار الجمهوري واتفاقية السلام والملحقات ومذكرة التفاهم الأمريكي الإسرائيلي إلى لجان العلاقات الخارجية والشئون العربية والأمن القومي، لإعداد تقرير عنها، وعرضها على المجلس، ووافق أغلبية الأعضاء على هذا الاقتراح، بعدما أكد لهم رئيس المجلس أن نصوص المبادرة تم إيداعها في أمانة المجلس. اللجنة المشتركة بدون ذكر أسماء انعقدت اللجنة المشتركة صباح يوم السبت 7 أبريل 1979 وحضرها الدكتور مصطفي خليل، رئيس مجلس الوزراء، وفكري مكرم عبيد، نائب رئيس الوزراء، والدكتور بطرس غالي، وزير الدولة للشئون الخارجية، وحلمي عبد الآخر، وزير الدولة لشئون مجلس الشعب، واللواء حسن أبو سعدة، رئيس هيئة العمليات بوزارة الدفاع، وحسب تقرير اللجنة المشتركة، حضر عدد كبير من أعضاء المجلس لم يرد أسماؤهم. أما تقرير اللجنة المشتركة فقد جاء فيه أن اللجنة أطلعت على اثني عشر وثيقة رسمية تضمن خطاب رئيس الجمهورية، ونص اتفاقية معاهدة السلام، وخطاب وزير الخارجية الأمريكي، ونص الاتفاقية المكملة وغيرها من الوثائق. وقال التقرير إن اللجنة استمعت إلى شرح وافٍ من الدكتور مصطفي خليل، و بطرس غالي واللواء حسن أبو سعدة، بالإضافة لمناقشة مستفيضة من الأعضاء. وأضاف التقرير أن اللجنة اطلعت على وثائق أخري لم تقدم لها مثل محاضر اجتماع المفاوضين من مصر وإسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية، في الفترة من 12 أكتوبر إلى 4 ديسمبر 1978. بحسب ما جاء في التقرير، فإن عدد الوثائق التي تم مناقشتها يصل إلي ما يقرب 30 وثيقة، تم مناقشتها في 10 ساعات يوم السابع من أبريل عام 1979. عشر دقائق لكل عضو في التاسع من أبريل من العام نفسه، انعقد مجلس الشعب مناقشة تقرير اللجنة الخاص باتفاقية السلام مع إسرائيل، وكما جاء في نص مضبطة مجلس الشعب، بدأ رئيس المجلس بالقول "بالنظر إلى أن طالبي الكلام بلغوا حتى الآن أكثر من ستين عضوا، فهل توافقون حضراتكم على أن تحدد مدة الكلام لكل من السادة الأعضاء بعشر دقائق؟ .... موافقون". ألقي الدكتور فؤاد محي الدين تقرير اللجنة، وحين انتهي من تلاوة التقرير، فتح رئيس المجلس الباب للمداخلات أمام الأعضاء، وكانت الكلمة الأولي للمهندس سيد مرعي، ورغم تحديد مدة الكلمة بعشر دقائق فقط، إلا أن مرعي تجاوزت كلمته الساعة، وهاجم خلالها الدول العربية وقادة بعض الدول، واصفا دعمهم لمصر بالمحدود، قبل أن يقاطعه النائب كمال أحمد، ويوجه له استفسارا: هل يتم مناقشة اتفاقية السلام أم إعلان الحرب على العرب؟. استمرت المناقشات حتى الجلسة المسائية في نفس اليوم، 9 أبريل، وكانت كلمة الفريق مدكور أبو العز هي الكلمة الأبرز خلال الجلسة المسائية وأيد مدكور الابتعاد عن فكرة الحرب، خاصة وأن الأممالمتحدة لن يكون لديها حل لمشكلة الصراع بين مصر وإسرائيل، كذلك سرد مدكور تخاذل السوفييت في إمداد مصر بالسلاح، مؤكدا أن أمريكا ستدعم بكل قوة إسرائيل في حال استمرار الحرب. واختتم مدكور كلمته قائلا: "من أجل هذا كله، فإن الطريق أمام استرداد الحق بالقوة أمام هذه الظروف كلها أصبح أمرا غير عملي، وذلك لأنه لا يوجد تضامن عربي، والحصول على السلاح أصبح أمرا صعبا، فقد اعتمدنا على السوفييت في الاعتماد على السلاح إلا أنهم خذلونا، هنا كيف نحارب .. ولماذا نحارب؟ علينا إذن أن نبتعد عن فكرة الحرب، خاصة ونحن نعلم أن أمريكا مصرّة، ولا يمكن أن تسمح بوقوع هزيمة لإسرائيل. معارضة الاتفاقية استأنف المجلس استماعه في جلسة صباح اليوم 10 أبريل 1979 وكذلك في الجلسة المسائية، والتي شهدت معارضة شديدة للاتفاقية من النائب الدكتور محمود القاضي، والذي ركز على خطاب رئيس مجلس الوزراء لوزير الخارجية الأمريكي متضمنا 16 اعتراضا على التحالف الأمريكي الصهيوني ضد مصر، وقام القاضي بتلاوة هذا الخطاب على الأعضاء مطالبا إياهم بعدم الموافقه على المعاهدة. وإثر كلمة القاضي حدث جدال داخل القاعة ووجه الأعضاء تساؤلا للدكتور القاضي عن "ما العمل في حين رفض المعاهدة"، فأجابهم بأنهم يمكنهم أن يجلسوا بعد رفض المعاهدة والتحدث في أمور كثيرة قد قيلت سابقا، فانفجرت على إثر هذه الكلمات القاعة بالضحك. بعد حديث ثلاثين عضوا من أصل سبعين قد طلبوا الكلمة، رأى رئيس المجلس أنه لا فائدة في مزيد من الكلام، وأخبر المجلس أنه قد تلقي اقتراحا مقدما من 20 عضوا بإغلاق باب المناقشة في الموضوع... وهنا أعلن المجلس موافقته على غلق باب المناقشة. حاول العديد من الأعضاء الاعتراض على على عدم إتاحة الفرصة لهم للتحدث، مثل النائب كمال أحمد والنائب أحمد نصار والعضو عادل عيد، فقال رئيس المجلس لقد صدر قرار بإغلاق باب المناقشة. عرض رئيس المجلس تقرير اللجنة على التصويت، فوافق أغلبية الحضور، برفع الأيدي، ولكن رئيس المجلس طالب بأن يتم نداء الأسماء وإعلان الموافقة جهرا، فوافق 329 عضوا بينما رفض الاتفاقية 15 عضوا، وامتنع عضو واحد عن التصويت، وهو الدكتور محمد شامل أباظة. ثم وقفت السيدة العضو فايدة كامل، وهتفت "عاش الرئيس محمد أنور السادات.. عاشت مصر"، ثم رددت نشيد بلادي بلادي فردد الأعضاء خلفها النشيد، مما دفع رافضو القرار بغناء نشيد والله زمان يا سلاحي، ثم ختم رئيس المجلس الدكتور صوفي أبو طالب الجلسة قائلا: بعد أن قالت الأمة، ممثلة فيكم، كلمتها أقول ونقول جميعا لأنفسنا مبروك". عقب هذه الجلسة التاريخية بيوم واحد، أي يوم 11 أبريل عام 1979، أصدر الرئيس أنور السادات قرارا باستفتاء الشعب في حل مجلس الشعب، وفي الموافقة على اتفاقية معاهدة السلام، وفي 20 أبريل تم الإعلان عن الموافقة بشبه الإجماع على حل البرلمان وعلى معاهدة السلام مع إسرائيل.