حوار: علي لطفي كان شاهدا على ما دار خلال «30 يونيو» وما قبلها من أحداث سياسية مهمة، شكلت تاريخ مصر الحالى، وما دار فى الكواليس بعيدا عن وسائل الإعلام من لقاءات وترتيبات سياسية، إنه المهندس طارق الملط، البرلمانى والقيادى السابق فى حزب الوسط ذى التوجه الإسلامى، وهو الحزب الذى أسسه قياديون فى جماعة الإخوان، وكان يقدم نفسه باعتباره ممثلا للإسلام الوسطى وجامعا بين المدنية والدين والتراث والمعاصرة. «التحرير» التقت طارق الملط، الذى تحدث معها بعد فترة طويلة من الصمت، حاكيا كواليس المبادرات التى تم طرحها للتهدئة، ولم يتم التوافق عليها. ■ بعد ثلاث سنوات من إزاحة جماعة الإخوان عن حكم مصر، كيف ترى مستقبل جماعات وحركات الإسلام السياسى؟ للأسف، الإخوان أضاعوا تيار الإسلام السياسى -فى العموم- بما فعلوه، حيث تسببوا فى وضع الفصيل الإسلامى كله فى سلة واحدة، وكرههم جزء مهم من الشعب وهو حزب الكنبة الذى صوّت لهم من قبل للاستقرار، ومستقبل الإخوان من الكتابات والبيانات التى صدرت، كبيان «نداء الكنانة» وبيانات قيادات الإخوان الجدد، الذين انتخبوا فى فبراير 2014، والداعية والمبررة للعنف، يظهر مستقبل مظلم للإخوان وغيرهم، وأقصد المعارضين للسلطة وليس حزب النور. أنا رجل سياسى، وكنت أنتمى إلى حزب سياسى ذى مرجعية إسلامية، ولا أؤيد العنف ضد أى شخص، فهذه المبررات للعنف تعد تحولا نوعيا خطيرا، وموافقتهم على العنف يقضى على الإسلاميين بشكل عام، والمشكلة الكبرى أن غير الموافقين على العنف من المعارضين للسلطة الحالية لا يستطيعون إيصال أصواتهم أو أن يسمعهم أحد، والمسموع صوتهم هم مؤيدو العنف فقط، وأنا كنت من الذين يقولون «ليت الإخوان يعودون للدعوة ويتركون السياسة». ■ لو وجدت رؤية للمصالحة بين الإخوان والدولة، ما الذى يمكن أن تُبنى عليه؟ تبنى على العدل والإنصاف، ولا تبنى على شرعية أو غيره، على المصالحة مع أولياء الدم لكل الضحايا الذين سقطوا فى الاعتصامات أو المظاهرات المعارضة للسلطة، فالدم المصرى كله لون واحد، ويجب أن تتساوى معاملة وتقدير الدولة لكل أبنائها الذين ضحوا من أجلها، وأن تراجع ملفات المقبوض عليهم، ومن تورط فى عنف يحاكم محاكمة نزيهة، ولو ثبت تورطه فى العنف أو أنه قتل وشارك فى العنف يُعدم، ولكن من سجنوا لموقفهم السياسى يتم الإفراج عنهم، ويتم إيقاف التحريض الإعلامى، ونحن لن نعيد العجلة للخلف، ويوجد رئيس جمهورية منتخب ودستور، ومن يرد منافسة الرئيس فلينافسه فى الانتخابات المقبلة، على أن يقبل بإعطاء الفرصة الكاملة لمعارضيه بالمشاركة وعدم الإقصاء من الساحة السياسية. ■ وكيف ترى الانقسام والأزمة الحالية داخل جماعة الإخوان؟ الحقيقة.. أرى تجليات لما كان يدور تحت السطح من غليان، وأن هذا تطور طبيعى لما جنوه بأيديهم فى إدارة الأزمة من بعد «3 يوليو»، وتصنيفهم الصراع على أنه صراع على الدين والهوية وليس صراعا على كرسى السلطة، وبالتالى رفع سقف التوقعات للشباب المشارك، ليقدم نفسه وروحه فداء لدينه، وصوروا لهم نتائج صعبة التحقيق. ومن وجهة نظرى، أرى أن القيادات الإخوانية التى أدارت المشهد من بعد 3 يوليو 2013 لا تصلح، لأن القيادة لا بد أن تكون لها قراءة صحيحة للواقع ورؤية جيدة للمستقبل، وعندها قدرة على اتخاذ القرار الصحيح فى الوقت الصعب والحرج، وتستطيع تحمل النتيجة، ولا بد أن يكون هناك تفاهم لدى القيادات، وهو ما لم يحدث، لأنهم تمسكوا برأى «يوم الجمعة العصر.. هنرجع مرسى القصر»، فهم شحنوا الشباب بشكل كبير، والسلطة أيضا تعاملت بعنف وغشم شديد. ■ وما رأيك فى أداء حزب النور السلفى؟ أداء براجماتى نفعى، وليس المثال الذى يُقاس عليه فى أداء حزب إسلامى، وأنا عاملتهم فى مجلس الشورى وفى مناقشة قانون الصكوك، وكانوا يريدون أن يعرضوا كل قانون يخرج على الأزهر، وكانوا يستندون إلى المادة الثالثة من الدستور وهى مراجعة الأزهر، فعارضتهم، لأن الأزهر رأيه استشارى ولا يجوز عرض كل قانون عليه ما دام لا يخص الدين، والقرار فى النهاية من المفترض أن يكون لمجلس التشريع. حزب النور كان يريد «الدولة الدينية»، وكان أداؤهم فى مجلس الشورى ظاهرا جدا، وحينما حُل مجلس الشعب كانوا يتم توزيع الغنائم عليهم فى مجلس الشورى، وحينما شعروا أن الإخوان بدؤوا يستغنون عنهم، أخذوا بعدها البحث عن مصلحتهم. ■ وكيف ترى مستقبلهم فى الانتخابات البرلمانية القادمة.. هل من الممكن أن يحصلوا على عدد كبير من مقاعد البرلمان؟ لن يحصل أى تيار إسلامى، على كتلة كبيرة سياسيا، وذلك حتى تهدأ البيئة التحريضية الموجودة الآن، من الإعلام والأحزاب السياسية، التى انقلبت أيضا على حزب النور. ■ وماذا عن لقاء الرئيس مع الأحزاب ودعوته إلى ضم حزب النور؟ وهل هناك فرصة للمصالحة مع التيار الإسلامى؟ الاجتماع السابق كان به شىء لافت، وهو وجود أحد رؤساء الأحزاب الدينية بخلاف حزب النور، وهو ما يدعو إلى التساؤل: هل بدأت الدولة جر بعض الوجوه الإسلامية للمشهد، حتى لا يكون حزب النور وحده فى المشهد؟ لكنى لا أعلم إن كانت الدولة تجهز تيارا دينيا أم لا؟ وإذا كانت المصالحة أصبحت لفظا سيئ السمعة، فليكن التعايش السلمى مع اختلافاتنا من أجل مصلحة الوطن. ودول الاتحاد الأوروبى مثلا دخلت حروبا، مات فيها الآلاف، والآن يوجد اتحاد أوروبى تحكمه مصالح سياسية واقتصادية. ■ لماذا رفضت الاستمرار فى المشاركة فى تحالف دعم الشرعية بعد فض الاعتصامات؟ حينما شاركت فى مظاهرات 16 أغسطس تعرضنا للضرب بالرصاص الحى فى منطقة السبتية وأعلى كوبرى 15 مايو عند الإسعاف، تيقنت حينها أن هذا لم يعد عملا سياسيا، بل أصبح النزول للشارع دفعا بالشباب إلى حتفهم، بعدها عدت وكتبت قراءة للواقع وقدمتها إلى حزب الوسط لإيصالها إلى التحالف، وقررت عدم المشاركة فى التحالف، لأننى رأيت أننا أضعنا فرصة كبيرة، ولم نستجب إلى دعوات التهدئة والمصالحة قبل فض الاعتصامات من خلال مبادرة ويليام بيرنز وبيرناندينو ليون، وحينما قالوا لى إن السلطة رفضت المبادرات، فقلت لهم السلطة غبية سياسيا، وعليكم أن تخرجوا لإبداء موافقتكم على عمليات التهدئة وإحراج السلطة، لأن الطرف القوى يحاول إظهار القوى الإسلامية، كشيطان أمام الناس، يرفض التهدئة، مما أدى إلى فقدان الرصيد الشعبى. ■ ولماذا اختلفت العلاقة بين الحزب والجماعة قبل «30 يونيو»؟ الإخوان شعروا بأن حزب الوسط كان يبذل جهودا فى الجمعية التأسيسية، لإحداث توافق بين كل الأطراف، وكانت الجمعية على وشك الفشل، لكن قيادات الوسط هى التى «نجّحت» الجمعية، مما حسّن صورة «الوسط» لدى الإخوان، وعلى الرغم من ذلك أطلق الإخوان شائعة أن أبو العلا ماضى سيكون رئيسا للوزراء، مكافأة للحزب على دوره فى الجمعية العمومية التأسيسية، وربما آخرون من تيار آخر حاولوا إظهار حزب الوسط بأنه تابع. وموقفنا مع الإخوان، بالتأييد أو الاختلاف، كان مبنيا على المصلحة الوطنية، ورفضنا المشاركة فى «30 يونيو»، لأننا كنا قد اقتربنا من انتخابات برلمانية، ولو أجريت هذه الانتخابات لم يكن الإخوان ليحصلوا على مقاعد كثيرة، ومجلس الشعب كان سيخول له اختيار مجلس الوزراء، وكان رهاننا على ذلك، لذلك لم ندعم «30 يونيو»، ودعمنا المسار الديمقراطى. وقلت فى ذلك الوقت إنه تجب الاستجابة للملايين فى الشوارع، واتفقت مع «30 يونيو»، لكننى لم أتفق مع «3 يوليو»، ودعوت الرئيس مرسى إلى الاستجابة لمطالبة الملايين فى الشوارع، ولم يستمع إلى المواطنين. ■ ولماذا قبلت «30 يونيو» ورفضت «3 يوليو»؟ لأن الملايين فى الشوارع كانت تريد إجراء انتخابات رئاسية مبكرة أو استفتاء على بقاء مرسى، لكن هذا لم يحدث، والجيش تدخل، ولم يحقق مطالب الشارع، والجيش خالف خارطة الطريق. ■ كيف خالفت خارطة الطريق ما كان متفقا عليه؟ كان المفترض وفق خارطة الطريق أن تكون انتخابات البرلمان أولا وبعدها انتخابات الرئاسة، لكن تغيرت للعكس، وأن ينتخب البرلمان فى خلال 6 أشهر من الاستفتاء على الدستور، وهذا لم يحدث حتى الآن، وكان من المفترض أن العملية السياسية فى مرحلة ما بعد 30 يونيو لن تقصى أحدا.. وها هو حالنا لا يخفى على أحد. ■ الإخوان هم من قرروا عدم المشاركة فى مسار «30 يونيو» والدكتور الكتاتنى لم يحضر للمؤتمر الذى دعُى له فى 3 يوليو؟ كان أمرا طبيعيا ألا يحضر الكتاتنى، وكان من الفترض أن يدعو الجيش الإخوان مرة أخرى. الوضع كان صعبا للغاية، وبعدها بدأت عمليات الاعتقال دون وقوع جرائم. وأول من تم القبض عليهم كانوا أكثر الناس الذين يصلحون للتفاوض. وأعتقد أنه تم القبض عليهم لقطع الطريق على إجراء حوار أو فرصة للتوافق أو تهدئة الناس، لكن سيناريو الدولة كان أن يصل الأمر إلى وضع كارثى، ليصبح الإخوان مكروهين فى المجتمع.