حملات مكثفة لرفع المخلفات بمراكز ومدن دمياط خلال عيد الأضحى (صور)    ماسك يحذف تدوينات سابقة على إكس هاجم فيها ترامب    اتحاد الكرة يعلن فتح باب القيد الأربعاء المقبل    أنشطة صندوق مكافحة الإدمان داخل المناطق المطورة والحدائق العامة    الكرة والبدلات المائية أبرز ألعاب الأطفال بالحديقة الدولية في ثاني أيام العيد (صور)    موعد عرض مسلسل آسر الحلقة 49    محافظ المنوفية يشدد على المتابعة الميدانية الدقيقة لملف التعديات    إيران تتحدى الوكالة الذرية وتتمسك ب"الحق في التخصيب".. تصعيد نووي يسبق تصويت مجلس المحافظين    تعرف على أسباب حدوث الحرائق وأنواعها    مياه القناة: انتظام عمل المحطات وزيادة الضخ في ثاني أيام عيد الأضحى    الكويت ترحب بقرار منظمة العمل الدولية منح فلسطين صفة دولة مراقب    مصادر: الحكومة اللبنانية كانت على علم ببناء حزب الله مسيرات قبل أسبوع من الضربة الإسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية    مصادر طبية في غزة: مقتل 34 فلسطينيا في الغارات الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ فجر اليوم    في ميت يعيش الكل يفرح    عواد: أنا وصبحي نخدم الزمالك.. وسيناريو ركلات الترجيح كان متفقا عليه    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    خالد الغندور: 14 لاعبا سيرحلون عن الزمالك    ضبط لحوم مذبوحة خارج المجازر الحكومية وتحرير 317 محضرًا تموينيًا بأسيوط    تفعيل مخالفة مرورية رادعة.. النقل تناشد المواطنين بعدم استخدام حارة الأتوبيس الترددى على الدائري    السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    وزارة الداخلية تحتفل بعيد الأضحى مع الأطفال الأيتام وتقدم لهم الهدايا والفقرات الترفيهية    إصابة 8 أشخاص نتيجة انقلاب «ميكروباص» بطريق أسيوط- الفيوم الغربي    الخلاصة.. أهم أسئلة علم النفس والاجتماع لطلاب الثانوية العامة    مات فيها شاب.. تفاصيل "خناقة بالسلاح" بين عائلتين في حلوان    وزير الري يتابع الموقف المائي خلال إجازة عيد الأضحى    آخر تطورات الحالة الصحية لنجل الفنان تامر حسني    طريقة عمل الرقاق الناشف في البيت.. أشهر أكلات عيد الأضحى    البنات والستات.. والشيشة    وكيل صحة أسيوط يترأس حملة لمتابعة المنشآت الصحية خلال أجازة عيد الأضحى    الرعاية الصحية: مستمرون في تقديم خدمات آمنة ومتميزة خلال العيد    محافظ أسيوط يعلن عن تشغيل غرفة طوارئ بالتأمين الصحي خلال عيد الأضحى المبارك    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    من الصداقة للعداء.. خلاف «ترامب» و«ماسك» يُسلط الضوء على التمويل الحكومي ل«تسلا» و«سبيس إكس»    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    استقرار الزيت والفول.. أسعار السلع الأساسية اليوم السبت بالأسواق    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    الأزهر للفتوى يوضح أعمال يوم الحادي عشر من ذي الحجة.. أول أيام التشريق    استقرار أسعار الذهب في مصر خلال ثاني أيام عيد الأضحى 2025 وسط ترقب الأسواق العالمية    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 7-6-2025 في المنوفية.. الطماطم 10 جنيها    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    مها الصغير عن تصدرها التريند: «السوشيال ميديا سامَّة»    ديانج ينضم إلى معسكر الأهلي في ميامي.. صور    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    ريابكوف: ميرتس يحاول إقناع ترامب بإعادة واشنطن إلى مسار التصعيد في أوكرانيا    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَن يُطفئ فوانيس العقول؟
نشر في التحرير يوم 18 - 06 - 2015


لماذا منارات؟
سؤال راودنى كثيرًا، وأنا أقف فى استراحة المقاتل التى أعقبت وقف برنامجى «الحدث المصرى» الذى ظللت على مدار أربعة أعوام أقدِّمه على شاشتى «العربية» و«العربية- الحدث».
أربعة أعوام سيذكرها التاريخ بأنها أعوام فارقة فى تاريخ هذا البلد العظيم بما شكّلته من تغييرات جذرية، أربعة أعوام أيضا كانت علامة ونقطة ارتكاز لا فى مصر فقط، بل فى العالم العربى أجمع تحت مسمّى تعارَفنا عليه بأنه موجات الربيع العربى.
فى برنامج «الحدث المصرى» كنت ذلك الابن الذى حين شعر بمرض أمه ترك كل ما خلفه وعاد ليتفرغ لها، يجلس بجوارها، وحين أحسّ أنها تماثلت للشفاء حمل حقائبه وعاد مرة أخرى إلى ترحاله، هكذا كنت حين احتاجنى بلدى وأهلى.
فى هذا البرنامج ومنذ اللحظة الأولى لتقديمه، كان يقينى وثوابتى أننى أسخّر تجاربى المتواضعة ومهنيتى وثوريتى وجميع إمكاناتى من أجل أهلى وناسى فى مصر، وفى المحصلة لم أُحسب على أى فصيل ولم أقف يوما إلا فى صف الإرادة الشعبية الواعية، كنت ألاحق الأحداث المتغيرة والمتسارعة، و«ترمومتر» أدائى ينبع من وعيى بما يحدث.
أمام هذا الماراثون لملاحقة المتغيرات من ثورة 25 يناير وما بعدها، مرورًا بالمراحل اللاحقة، وصولًا إلى ثورة 30 يونيو، وانتهاءً بما وصلنا إليه الآن لم تكن لدىّ الفرصة لتأمل ما حدث، ولطرح التساؤلات المصيرية والمحيّرة.
كنت أشعر أن هناك أسئلة لا يجب أن نتركها فى ذمة التاريخ، لثقتى الشديدة فى أن التاريخ يكتبه المنتصرون، والمنتصرون دائما ليسوا آمنين.
لذا كان علىّ أن أنتهز استراحة المقاتل لأعود إلى تأملى المهنى فى اختيار الزاوية الناقصة فى مسيرة الأحداث التى مرَّت فى العالم العربى، بما فيه مصر.
لماذا لم تثمر أشجار الربيع العربى؟ ولماذا حين أثمرت بعض أشجاره كان هناك مَن تربص بثمرتها وسرقها؟
لماذا كان ثوار الربيع العربى غير قادرين على حماية ثوراتهم؟
لماذا تحول الثوار إلى متهمين ومسجونين وملعونين بعدما انفضت الميادين وخلت الشوارع؟
لم تقف زخات الأسئلة عند هذا الحد، بل ظلت تطاردنى، وأنا أرى أن سُرَّاق الثورات دائما يتنكرون فى صور كثيرة، يدّعون النبل، ويلبسون أثواب الحملان، وفى دواخلهم ذئاب وضباع جائعة؟
أين العلة إذن؟
هل ذكاء من السُرَّاق؟
أم خيبة من الثوار؟
لماذا انتصر تجار الأديان فى وقت من الأوقات؟ وهم «الإخوان» فى مصر و«النهضة» فى تونس؟
ولماذا ظهر جليا وحوش الأديان «داعش»، كمتشددين للسنة، و«أحزاب الله» كمتشددين للشيعة؟
لماذا انتشر المرض فى كامل الجسد العربى وبهذا الوضوح، وهو الذى كنا نراه فى عضو أو أكثر فى ذلك الجسد، وليس بهذا التدهور الخطير؟
لنقبل إذن ذلك التشبيه بأن العالم العربى جسد، قدماه هما الاقتصاد وذراعاه هما الجيش، وقلبه هو الفن والأدب، ورأسه هو الفكر.
وحسب هذا التشبيه الفسيولوجى فإن كل عضو يمكن الاستغناء عنه دون أن يعنى ذلك موت الجسد بكامله تبعًا لضرورة البتر، ممكن أن تبتر الأرجل ولا يموت الجسد، وهكذا الأذرع، وكل شىء إلا الرأس، فموت الرأس يعنى موت الجسد.
من هنا وصلتُ إلى نقطة مفصلية فى توصيف العلة التى وصلنا إليها، وهى «أن الأشياء تصلح وتفسد من رأسها».
بالتالى إذا كانت هناك علة فى ما وصلنا إليه، فهى تكمن فى الرأس العربى الذى تم تجريفه، أو تهييفه أو تسخيفه، أو إن شئت الدقة إقصاؤه.
العلة إذن فى كل الأحوال تبدأ من الرأس وتنتهى إليه.
فالثورات قبل أن تحدث فى الميادين تحدث أولا فى الرؤوس، وأن النور الحقيقى يبدأ من أنوار العقل.
وقبل أن تسخّر الدولة طاقتها لإصلاح شبكة الكهرباء المهترئة، عليها تنوير العقول التى أسهمت عبر مسيرة أنظمتها وسدنتها وحكّامها وتجارها ومرتزقتها فى إطفاء تلك الفوانيس.
ومن هنا أيضا تتضح خيبة الثائر الحقيقى وهزيمته أمام لصوص الثورات ومرتزقة الأجهزة، فهذا الثائر كان جسدا بلا رأس، حراك الميادين والشوارع الفتية وجموح الشباب وعنفوان رغباته وانفجار صبره، كانت حركات جسدية ليس فى مصر فقط، بل فى تونس وفى ليبيا وفى اليمن وفى سوريا، وفى كل ميدان عربى شهد غضبا شعبيا.
لم يكن هناك عبد الله نديم ولا سعد زغلول، ولا سياسى نبيل يستطيع أن يرتقى لنقاء حراك الشارع وطهر ونقاء محركيه حتى لو كان فى القاعدة بعض الشواذ، فالمنطق يقول «الاستثناء لا يلغى الثابت».
الشباب ثاروا وما كانوا لينجحوا لولا أن تحوّل الحراك إلى حراك شعبى، انضمت إليه كل الأطياف والفئات والأعمار، لكن انتهى الدور وكان على أروع ما يكون.
ولأن الثورات لا تبقى دائما فى الشوارع، وإنما تبعا لتطور المراحل تنتقل إلى أروقة السياسة ليكون هناك مَن يعمل على تحقيق أهداف ومبادئ ورغبات مَن ثاروا، ومع الأسف ولأن العقل كان غائبا، انتقلت الثورات من الميادين الطاهرة إلى أروقة السياسة، ليتسلمها تجار السياسة، ويقايضوا بها على دماء شهداء أطهار وبأثمان بخثة، وسلم تجار السياسة الكحكة كاملة إلى تجار الدين، وركب تجار الدين وحكموا مصر لمدة عام، ثم عادت أجساد الثوار وبلا رأس يدير دفة الحراك، ليسطّروا تاريخا من نور فى ثورة لا تقلّ نقاءً وطهرًا عن ثورة 25 يناير، وتجلّت هنا شخصية الفارس النبيل وقتها، متمثلًا فى المشير عبد الفتاح السيسى، ليرتقى إلى رغبات هذا الشعب ونقاء طينه.
ونجحت الثورة وردّ هذا الشعب إلى السيسى الجميل ليس باختياره رئيسا، بل بكم من الحب لم يتسنَّ لأحد من قبله.
وفوجئنا بعد ذلك أن النظام رأسه هو السيسى، لكن الأسلوب والطريقة وبعض الأشخاص هم صناعة مباركية بامتياز، ومر العام الأول لولاية الرئيس وما زال فى جعبة المصريين كثير من الألم والوجع.
فى المحصلة كان يجب أن تكون هناك ثورة فكرية تنويرية تواكب تلك الثورة السياسية، لكن لسوء حظنا العربى لم تحدث.
والسبب أن تلك الأنظمة التى حكمتنا وصلت من الدهاء والمكر والخبث إلى أنها زرعت روثاتها المميتة فى كل مكان، لتضمن أنها لن تكون هناك قائمة بعد زوالهم، هم أرادوا إما أن يحكمونا، وإما أن تكون الفوضى والظلام هما البديلان.
أرادوا أن يصل المواطن البسيط فى شوارع مصر وتونس وسوريا واليمن وليبيا إلى تلك الخيبة حين يتحسّر البسطاء والمطحونون على أيام مبارك أو القذافى أو على عبد الله صالح وبن على، ومع الأسف هذا حدث وسيحدث.
ما الذى جعل البسطاء يكفرون بالثورات؟
السبب واضح تخطيطات الحكام المجرمين الساقطين والمعزولين، والسبب الآخر أنه لم يكن هناك جيل من التنويريين ومن أهل العقل يعملون على ترميم عقولنا التى تم تخريبها، ويعيدون إشعال فوانيس العقول التى تم إطفاؤها.
مع الأسف الذى حدث أن الثائر المهزوم والمواطن المضحوك عليه وَجَدَا نفسيهما وحيدين غلابة أمام فريق من المثقفين والإعلاميين والصحفيين والكتّاب وأساتذة الجامعات، هو فى المحصلة صنيعة أجهزة الأنظمة التى لم تسقط حين سقطت رؤوسها، بل بقيت تلعب فى العمق وتحرك مخبريها، الكل تواطأ على الثائر النبيل، والكل تواطأ على المواطن الفقير، ومع الأسف الكل راح يُتاجر باسم الوطن تارة وباسم الشعب تارة أخرى، وباسم الدين فى كل الأحوال، إما فى صورة المتدين السياسى وإما فى صورة السياسى المتدين.
أعترف أننى فرحت كثيرًا حين وجدت المرحوم المفكر الكبير الطيب تزينى محركا للثورة السورية، وفرحت أكثر حين وجدت برهان غليون فى صفوف السياسيين يتصدَّر المشهد فى وقت من الأوقات.
وكنت أتساءل: أين عبد الله العروى وطه عبد الرحمن ومحمد سبيلا ومحمد الطالبى وهشام جعيط؟
أين جورج طرابيشى وصادق جلال العظمة وحسن حنفى والسيد ياسين؟
أين أحمد الخمليشى ونور الدين أفاية وعبد المجيد الشرفى؟
أين فكر ابن رشد فى مواجهة فكر أبو حامد الغزالى حين كفَّر الفلاسفة فى كتابه «تهافت الفلاسفة»؟
أين روح نصر حامد أبو زيد وهو يُعقلِن الخطاب الدينى؟ وأين ثورية فرج فودة وأين فكر محمد عابد الجابرى ومحمد أركون؟
لماذا هؤلاء غائبون؟
لماذا المرتزقة هم الحاضرون؟
لماذا كل ما هو تافه وسطحى وغث ومخبر وأجير هو الذى يظهر؟
مَن يملك مفاتيح النوافذ التى يطلّ منها هؤلاء الأشباح والمسخ؟
حتما هناك شىء خبيث يعبث فى مفاتيح إنارة عقولنا العربية.
لذا حملت كاميرتى ورحت أحاول أن أشعل كل يوم فانوسا جديدا عبر واحد من رواد التنوير، لتصبح خطوة إذن على أمل أن هناك مَن سيكمل ما فعلت.
فى الحلقة القادمة أزمة الدين والسياسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.