رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    أحرقه حيًا.. بائع خردة يقتل زميله فى طنطا    هند رستم تتصدر بوستر مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته ال 40    طلاب "أوكسفورد" و"كامبريدج" ينضمون إلى معتصمي "هارفارد" لمساندة غزة    وداع نهائي من أجل الملكي.. رحيل مبابي في عيون الصحف الإسبانية    عمرو أديب: اقتحام إسرائيل لمعبر رفح من الناحية الفلسطينية "غباء وتحدي"    كيشو يخطف بطاقة التأهل لأولمبياد باريس 2024    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2024 في القاهرة والمحافظات    تراجع أسعار النفط.. وبرنت يسجل 82.79 دولار للبرميل    محمد التاجى: اعانى من فتق وهعمل عملية جراحية غداً    هل محمد رمضان نجم عالمي؟.. إجابة مفاجأة للفنان (فيديو)    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    شهية ولذيذة.. طريقة تحضير مشروب «الكاكاو البارد»    مصرع طفل وإصابة آخر فى حادثتين متفرقتين ببورسعيد    مقتل وإصابة 3 أشخاص خلال مشاجرات بالأسلحة البيضاء في بورسعيد    الجيزة: الانتهاء من رصف وإعادة تخطيط وتطوير الشوارع حول محطة مترو "وادي النيل" -(صور)    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    كيشو يتأهل إلى أولمبياد باريس 2024    إقبال من أطفال الإسماعيلية على ورش الرسم والطباعة (صور)    اعرف حظك وتوقعات الأبراج السبت 11-5-2024، أبراج الحوت والدلو والجدي    «القاهرة الإخبارية»: أمير الكويت يقرر حل مجلس الأمة ووقف العمل ببعض بنود الدستور    أخبار كفر الشيخ اليوم.. تقلبات جوية بطقس المحافظة    لتعزيز صحة القلب.. تعرف على فوائد تناول شاي الشعير    فرص للسفر إلى اليونان.. اتفاق لاستقدام 5000 عامل مصري بمجال الزراعة    شهادة من البنك الأهلي المصري تمنحك 5000 جنيه شهريا    محافظ الغربية يتابع جهود الوحدات المحلية في زراعة أشجار مثمرة وأخرى للزينة    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    محافظ الغربية يشدد على تكثيف الحملات التفتيشية على الأسواق    بطولة العالم للإسكواش 2024.. تأهل مازن هشام ب 3 أشواط نظيفة    «حماة وطن» يدشن مركز الأمل للأعمال والحرف اليدوية في الإسماعيلية    عاجل.. رضا سليم يتواصل مع الشيبي لحل أزمة حسين الشحات.. ولاعب بيراميدز يحدد شروطه    نقاد: «السرب» يوثق ملحمة وطنية مهمة بأعلى التقنيات الفنية.. وأكد قدرة مصر على الثأر لأبنائها    آداب حلوان توجه تعليمات مهمة لطلاب الفرقة الثالثة قبل بدء الامتحانات    في زمن التحوّلات.. لبنان يواجه تحديات في الشراكة الداخليّة ودوره بالمنطقة    تفاصيل هجوم روسيا على شرقي أوكرانيا.. وكييف تخلي بلدات في المنطقة    "سويلم": الترتيب لإنشاء متحف ل "الري" بمبنى الوزارة في العاصمة الإدارية    حسام موافي يكشف أخطر أنواع ثقب القلب    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    مصرع فتاة خنقًا في ظروف غامضة ببني سويف    مصرع طالب سقط من القطار بسوهاج    د.آمال عثمان تكتب: المتحف المصري الكبير الأحق بعرض «نفرتيتي» و«حجر رشيد» و«الزودياك»    حماس: تعاملنا بكل مسؤولية وإيجابية لتسهيل الوصول لاتفاق يحقق وقف دائم لإطلاق النار    فضائل شهر ذي القعدة ولماذا سُمي بهذا الاسم.. 4 معلومات مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة، الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة    البرلمان العربى: ازدواجية المعايير الدولية تدعم الاحتلال الإسرائيلى فى إبادة الفلسطينيين    بعد زواجه من الإعلامية لينا طهطاوي.. معلومات لا تعرفها عن البلوجر محمد فرج    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    السيطرة على حريق شقة سكنية بمنطقة الوراق    "علم فلسطين في جامعة جورج واشنطن".. كيف دعم طلاب الغرب أهل غزة؟    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    حملة بحي شرق القاهرة للتأكد من التزام المخابز بالأسعار الجديدة    محلل أداء منتخب الشباب يكشف نقاط قوة الترجي قبل مواجهة الأهلي    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



48 عامًا على «5 يونيو».. العصف بإنجازات ثورة يوليو
نشر في التحرير يوم 04 - 06 - 2015


كتب- طارق الحريري:
لا تمر ذكرى الخامس من يونيو 1967 دون أن تترك غصّة فى حلق مَن يتذكَّرها وألمًا ومرارة فى النفس، فقد كانت نتائج الهزيمة فادحة، وامتدت آثارها وتواصلت تداعياتها حتى الآن بعد عقود طويلة من الخسائر التى تنحسر سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا ببطء، لأن الهزيمة كانت نكراء ومهينة، جرحت الكبرياء القومية للأمة العربية، وأصابت فى مقتل مشروعها الذى كان واعدًا، وعصفت فى مصر بإنجازات يوليو العظيمة التى لم تذهب العاصفة بها أدراج الرياح، لكن التعثُّر طالها وتزايدت مع الزمن وتيرته، حتى إن البعض يؤرّخ لنهاية الحقبة الناصرية بهزيمة 5 يونيو.
بدايات الإعداد للحرب
متى بدأ الإسرائيليون ومتى بدأ العرب الاستعداد لهذه الحرب؟
تمثِّل الإجابة عن هذا السؤال مفتاحًا يكشف الفارق الهائل فى أسلوب التفكير بين مدرسة تعمل برد الفعل العشوائى وأخرى تقوم على التخطيط المستقبلى المدروس، وهذا هو الذى اختارته إسرائيل -منذ الإعداد لبناء دولة من العدم- منهجًا لها، ففى أعقاب جولة العدوان الثلاثى الفاشلة عام 1956 انعقد مجلس الحرب الإسرائيلى مع أقطاب القوى التنفيذية والسياسية، لتحديد طبيعة السياسات التى يلزم اتباعها استعدادًا للجولة التالية ضد العرب من أجل تعزيز مكانة دولة إسرائيل على الصعيد العالمى وتثبيت وجودها فى الإطار الإقليمى نحو تنفيذ مشروع إسرائيل الكبرى، وتحدَّدت الأهداف وقتها بضرورة أن تحافظ الدولة العبرية على تفوّق عسكرى دائم يسمح لها بتحقيق النصر على دول الطوق كافة، واستغلال علاقتها بالدول الأوربية فى امتلاك سلاح استراتيجى، استقر الرأى فى هذا الوقت المبكر على أن يكون السلاح النووى مع السعى عند توفُّر المناخ المناسب لتوجيه ضربة ساحقة للدول العربية المتاخمة، وعلى رأسها مصر تحديدًا، بهدف:
1- إنزال هزيمة عسكرية كاملة بكل الجيوش العربية المحيطة مباشرة بإسرائيل، مما يسمح لها بمرحلة هدوء نسبى تساعدها على تنمية قدرات الدولة بمعدلات أعلى.
2- توجيه ضربة عنيفة إلى المشروع القومى العربى المتنامى، والذى يحقّق امتدادًا وتفاعلًا مع الجماهير، مما يهدِّد على المدى البعيد مصالح إسرائيل ووجودها ذاته.
3- حصر الحل السياسى للمشكلة الفلسطينية فى الإطار الذى تراه إسرائيل متماشيًا مع أهدافها.
4- تمييع مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى.
5- الإطاحة بنُظم الحكم التقدمية نتيجة هزيمتها عسكريًّا.
6- طمأنة يهود العالم للحصول على مزيد من دعمهم وتشجيعهم على الهجرة إلى إسرائيل.
7- إنزال هزيمة نفسية بالشعوب العربية تفقدها عناصر قوتها ومقومات التحدّى. الجزء الباقى من السؤال هو: متى بدأ العرب الاستعداد لهذه الحرب؟
بدأ الاستعداد لهذه الحرب نتيجة إجراءات عرضية صغيرة أو صدفة طارئة أو نتيجة مؤامرة تولَّدت بسبب هذه الإجراءات أو تلك الصدفة، وهكذا العرب دائمًا ردود أفعال عشوائية غير دقيقة وغير محسوبة لما يمكن تجاوزه، لأن الحادثة على أرض الواقع أتفه من أن تكون مدعاة لحرب، وكما هو معروف فى أبجديات السياسة أن قرار الاقتراب من الحرب أو خوضها هو الأصعب والأخطر، لأنه الأكثر كلفة على الشعوب والحكومات، ويمكن أن تتمخَّض عنها فى حالة عدم الإعداد المدروس بمنتهى الحذر والدقة المتناهية نتائج مروّعة ومأساوية كتلك التى أصابت العرب، وكان المصريون أولهم فى الخامس من يونيو، وهنا تجب الإشارة إلى موقف القوات المسلحة المصرية التى زجّت بها القيادة السياسية فى أتون المعارك، والتى كانت أوضاعها كالتالى:
أولًا- فى صيف عام 1966، أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة حركة تعيينات وتنقلات واسعة بين القادة والضباط، شملت عددًا كبيرًا من مختلف الرتب، من أكبرها إلى أصغرها، وكانت الغاية منها إعلاء مبدأ «الولاء قبل الجدارة».
ثانيًا– نظرًا للظروف الاقتصادية التى كانت تمر بها مصر، وبسبب حرب اليمن، تم تخفيض ميزانية الجيش، وترتَّب على ذلك إلغاء إنشاء تشكيلات جديدة، ومطارات مهمة كان من المقرر إقامتها، وتقليل نفقات تدريب القوات العاملة، وعدد ساعات تدريب الطيارين، وتأجيل استكمال الوحدات بالأفراد والمعدات التى كانت تنقصها، وغير ذلك من الإجراءات التى تؤثّر فى كفاءتها.
ثالثًا- كانت أفضل تشكيلات القوات المسلحة منخرطة منذ عام 1962 فى حرب اليمن، والتى أدَّت إلى استنزاف الموارد البشرية والمادية، بالإضافة إلى عدم أهميتها فى بناء خبرات تصلح لأى عمليات عسكرية مع إسرائيل.
إن قرار الحرب لا يمكن أن يكون انفعاليًّا أو عفويًّا أو متعجلًا، بل يجب أن تسبقه تحضيرات وترتيبات عسكرية واقتصادية وصناعية وسياسية تستغرق سنوات طويلة، فمن السهل بدء الحرب، ولكنْ من الصعب إنهاؤها.
وإذا لم تكن الدولة تتجه إلى نيّة الدخول فى حرب، فمن واجبها أن تكون مستعدة لمواجهة موقف قد يضطرها عدوها فيه إلى ذلك، حتى لا تتعرَّض إلى هجوم مفاجئ، وحتى لا تكون المفاجأة كاملة، إذ يمهّد الموقف السياسى بداية ما سيكون منوطًا بالسياسيين إدارته فى ما يعد مرحلة اشتباك بالدبلوماسية تسبق القتال المسلح، وعلى قدر جاهزية القوات المسلحة تتحدَّد قدرات السياسيين فى استخدام دبلوماسيتهم وتحديد أهدافهم. لكنّ شيئًا من هذا لم يحدث، فقد انحسر القرار فى شخص الرئيس جمال عبد الناصر والقادة العسكريين فقط، ومن المعروف أن المهندس صدقى سليمان، رئيس الوزراء قبل الحرب، كان له رأى مغاير لما كان سائدًا من قرارات وقت الأزمة، إذ كان يرى أنها إعلان للحرب وتعطى الذريعة للإسرائيليين بالهجوم علينا.
إيقاع مصر في المصيدة
بدأ استدراج مصر إما بخطة معدَّة سلفًا أو أن اندفاع القيادة السياسية وقيامها بمظاهرة عسكرية كبرى جعل الأمر فرصة سانحة استغلتها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لتوجيه ضربة قاضية إلى نظام عبد الناصر المشاغب الذى يهدِّد مصالحهما، وقد بدأت الأزمة باشتباكات صغيرة بعد انتهاكات إسرائيلية لاتفاقية الهدنة مع سوريا، نتيجة توسيع المناطق الزراعية فى المنطقة المنزوعة السلاح شرقَى بحيرة طبريا، على حساب الأراضى التى يملكها المزارعون السوريون.
وأدى الرد السورى فى 7 أبريل على هذا الانتهاك المتعمّد إلى اشتباك بالمدفعية والطيران، أسفر عن إسقاط 6 طائرات «ميج 21» سورية، كالعادة دائمًا فى معاركها الجوية مع إسرائيل، وفى أوائل مايو 1967 صعَّد الإسرائيليون تهديداتهم، فأعلن ليفى أشكول، رئيس الوزراء، أن «حرب العصابات أمر لا يقبله العقل ولا يمكن تركه هكذا، لأنه يهدِّد أمن إسرائيل.
ومن الواضح أن سوريا هى قاعدة المخربين الذين يفدون إلينا، وربما يوجد بينهم مخربون من الصين الشعبية كما تقول الشائعات». وفى 9 مايو 67 قرر الكنيست الإسرائيلى وجوب القيام بعملية حربية انتقامية ضد سوريا. وفى 10 مايو 1967 أصدر أبا إيبان، وزير الخارجية الإسرائيلى، توجيهًا إلى سفرائه فى الخارج، يطلب منهم العمل على إقناع الدول التى يعملون فيها بخطورة الموقف على الحدود السورية– الإسرائيلية.
وفى 12 مايو 1967، صرَّح إسحق رابين، رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، ب«إننا سنقوم بهجوم خاطف على سوريا، وسنحتل دمشق، لنسقط النظام، ثم نعود...»، ونتيجة هذه التهديدات سارعت سوريا بإبلاغ أعضاء مجلس الأمن بالموقف يوم 13 مايو 1967.
ومع تفاقم حدّة الموقف الإسرائيلى الذى لم يزد على كونه أعمالًا دعائية ونفسية دون أى حشد للقوات على الأرض، انجرّت مصر إلى المصيدة وصدرت من القيادة العامة تعليمات العمليات الحربية التالية: تؤكِّد المعلومات من مصادرها المختلفة نيّة إسرائيل فى العدوان على الجمهورية العربية السورية. وفى ضوء اتفاقية الدفاع المشترك بين الجمهورية العربية المتحدة والجمهورية العربية السورية، قررت القيادة العليا للقوات المسلحة فى الجمهورية العربية المتحدة التدخل جوًّا وبرًّا فى حالة قيام إسرائيل بعدوان شامل على الأراضى السورية، بقصد احتلالها أو جزء منها أو تدمير القوات الجوية السورية.
القرارات:
1- ترفع درجات استعداد القوات الجوية والدفاع الجوى والقوات البرية والقوات البحرية وقوات الدفاع المدنى اعتبارًا من سعت 1200 يوم 14-05-1967، إلى درجة الاستعداد الكامل.
2- إتمام التعبئة العامة للقوات المسلحة العربية قبل 17-05-1967، وإيقاف فرق التعليم بالمعاهد والمنشآت التعليمية فى الجمهورية العربية المتحدة فورًا وتوزيع الضباط لتدعيم القيادات والوحدات.
3- إتمام التحشدات أمام جبهة الجمهورية العربية المتحدة فى اتجاه إسرائيل برًّا وجوًّا قبل يوم 17-05-1967.
4- تجهيز الخطط التعرضية والدفاعية المشتركة المقررة بالاتفاق مع القيادة العامة السورية.
5- يتم التوزيع الاستراتيجى للقوات البحرية طبقًا للخطط المقررة مع التجهيز لتنفيذ العمليات التعرضية البحرية.
6- بإتمام الاستعداد الكامل للدفاع الجوى يبدأ سطع (استطلاع) جوى فى إسرائيل.
وانطلقت الحشود عبر شوارع القاهرة الرئيسية جهارًا نهارًا فى طريقها إلى سيناء فى تظاهرة سياسية عسكرية هائلة.
مغالطات وأكاذيب وخداع
أهاجت سوريا الدنيا وأقامتها وأقعدتها نتيجة بعض التصريحات الإسرائيلية، مما أدَّى إلى ابتزاز القيادة السياسية فى مصر، حتى ولو كان ذلك عن غير قصد، وكانت سوريا الخائفة من احتمال ضعيف للغاية بالهجوم عليها من إسرائيل تتمادى فى الادّعاء بوجود حشود تتأهَّب لاجتياحها، فى حين لم يكن هناك أى أثر لأى حشود، وظلّت سوريا تصعّد من وتيرة ادعاءاتها الوهمية حتى بلغت الذروة ببرقية سرية للغاية وصلت إلى القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية يوم 13-5-1967، كان مضمونها أن إسرائيل استدعت قوات الاحتياط، وأنها تحشد نحو 15 لواءً أمام الجهة السورية، وأنها تنوى مهاجمة سوريا مع استخدام المظليين بكثافة.. والتوقيت المنتظر من 15– 22 مايو، ثم أبلغ وزير الدفاع السورى، العماد حافظ الأسد، المشير عامر، بأن العدو يحشد 11– 13 لواءً على الحدود السورية، وفى نفس التوقيت كان الاتحاد السوفييتى قد أبلغ الرئيس جمال عبد الناصر عبر القنوات الرسمية بالحشود الإسرائيلية، بينما تلقَّى أنور السادات، رئيس مجلس الأمة وقتها، تنويهًا خلال مقابلة مع الرئيس السوفييتى، نيكولاى بودجورنى، عن هذه الحشود، وأن سوريا تواجه موقفًا صعبًا، وأنهم سيساعدونها.
وقد أبلغ السادات ناصر بما دار هناك عند عودته. اللافت فى الأمر هو الغموض الذى أحاط بالموقف السورى، والذى يدعو للحيرة هو هذا القدر من الجذع والرعب الذى أفقد السوريين توازنهم، مما جعلهم يصدرون الأكاذيب والتهويلات بضخامة الحشود، ومن المحتمل أنهم كانوا مخترقين بطريقة ما تسبَّبت فى هذا السلوك الذى لا يتصف بأى قدر من الموضوعية والصدق، لا سيما أن المخابرات المصرية كانت قد نبَّهتهم عام 1966 إلى جاسوس زرعته إسرائيل كان مرشحًا لمنصب نائب رئيس الجمهورية، والأكثر إثارة فى رواية الحشود الإسرائيلية أن السوفييت الذين كانوا يمتلكون أقمارًا صناعية، لا شك أن صورها أعطت لهم نتائج موثّقة عن الوضع الفعلى على الأرض بعدم وجود حشود على الجبهة السورية.
غفلة عميقة وأخطاء فادحة
اتّصفت مرحلة ما قبل الحرب بالتخبُّط والأخطاء من القيادة السياسية والعسكرية فى مصر، وكان مما سهَّل على إسرائيل هجومها وتحقيق نصر لم تكن تحلم به، الآتى:
1- سحب قوات الطوارئ الدولية بناء على طلب من مصر، فقد كانت الخطوة التالية بعد حشد القوات المصرية فى سيناء، هى سحب قوات الطوارئ، واستقر الرأى أن يصدر خطاب من رئيس أركان حرب القوات المسلحة إلى الجنرال ريكى، قائد قوات الطوارئ، يخطره بقرار مصر سحب هذه القوات.. وقد عرضت صورة الخطاب على الرئيس جمال عبد الناصر صباح يوم 16 مايو.. وكانت ملاحظة الرئيس على الخطاب هو استبدال بكلمة «Withdrawal» أى الانسحاب كلمة «Redeployment» أى إعادة الانتشار، لكن الخطاب الذى تم تسليمه فعليًّا كان بالصيغة القديمة قبل تعديل الرئيس، ورغم أن استيضاح قرار مصر قد أبان أن المطلوب هو إعادة الانتشار لقوات الأمم المتحدة بين مصر وإسرائيل، وليس سحب القوات من على الحدود، وليس كل القوات، ومع ذلك فإن مساعد السكرتير العام، رالف يانسن، تبنَّى نظرية تدَّعى أن عمل قوة الطوارئ وحدة لا تتجزّأ، فمهمتها منع وقوع اشتباك مسلح بين مصر وإسرائيل، وهى تؤدّى الدور من مجرد وجودها، وليس بقوة السلاح، وهكذا أضيفت ذريعة وميزة إلى إسرائيل.
2- فى بداية شهر مايو 1967، دعا الملك حسين الفريق عبد المنعم رياض، الذى كان يشغل وقتها رئيس أركان حرب القيادة العربية الموحدة، لزيارته فى عمان، وحمله رسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر، كان مضمونها أن هناك مؤامرة لاستدراج مصر وتوريطها، بحيث يمكن ضربها، وأن سوريا هى الطعم المستخدم لذلك، وأن موعد التنفيذ قريب، وأنه، أى الملك حسين، رغم كل الاعتبارات، قرر أن يحذّر مصر لسبب رئيسى هو خشيتة أن تصل المخاطر إلى مملكته، لصعوبة السيطرة على ألسنة النار إذا اشتعلت المنطقة، وللأسف فقد ذهب هذا التحذير أدراج الرياح.
3- كلَّف الفريق محمد فوزى، بزيارة سوريا، لاستطلاع الموقف ميدانيًّا، والأجدى هنا لهول الحقيقة أن يُعاد نص شهادة الرجل كما كتبها، لأنها أبلغ ما يعبر عن الموقف، فيقول:
«سافرت فعلاً إلى دمشق فى اليوم نفسه، ومكثت 24 ساعة، تفقَّدت فيها قيادة جبهة سوريا، كما سألت المسؤولين العسكريين، فى قيادة الأركان والجبهة، عن صحة المعلومات الخاصة بحشد القوات الإسرائيلية على الحدود السورية. وكانت النتيجة أننى لم أحصل على أى دليل مادى يؤكّد صحة المعلومات، وعندما عُدت إلى القاهرة يوم 15 مايو 1967، قدمت تقريرى إلى المشير عبد الحكيم عامر، وهو التقرير الذى ينفى وجود أى حشود على الجبهة السورية، فلم ألاحظ أى ردود فعل لديه عن سلبية الوضع على الحدود السورية- الإسرائيلية، وكان هذا يعنى وجود انفصام بين الفكرَين السياسى والعسكرى، واللذين يجب أن يكون الرباط بينهما متينًا فى مثل هذه الظروف.
4- نتيجة طبيعة تدفُّق المعلومات وحجم القوات التى ادّعت سوريا أن إسرائيل تحشدها أمامها، استشعرت دوائر التحليل فى المخابرات الحربية قدرًا من عدم اليقين، وأرسلت فى مساء 14 مايو تحليلاً للموقف إلى القيادة العامة، أشارت فيه إلى احتمال أن تكون الأزمة وليدة خطة مفتعلة، ونصحت بالتريُّث، لكن هذه القيادة لم تستمع إلى صوت العقل، وأصدرت تعليمات عمليات حربية.
5- فى الفترة الأخيرة من الأزمة، اجتمع الرئيس جمال عبد الناصر، ثلاث مرات مع القادة العسكريين، كانت الأخيرة فى 2-6-1967، فى المقر العام بمدينة نصر، وقد نوَّه خلالها بتوقعه أن الإسرائيليين سيهاجمون يوم 4 أو 5، ثم عاد وشدَّد بلهجة مَن ينذر أن الهجوم يوم 5، واستمر الاجتماع، وقبل أن يغادر أنهى الاجتماع بتأكيده نيّة إسرائيل فى شنّ هجومها صباح يوم 5 يونيو...........، ومن المؤسف والمحزن أن القادة لم يأخذوا رؤية الرئيس وتحليله للموقف على محمل الجد، ولم يعيروه اهتمامًا، لدرجة أن المشير عامر ذهب لتفقُّد القوات فى سيناء فى التوقيت الذى حدَّده ناصر لبدء الهجوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.