أخذت التصريحات الأمريكيةوالصينية بشأن النزاع حول "بحر الصينالجنوبي" منحىً آخر في الوقت الحالي، والمتمثلة بإصرار أمريكا رفضها أي نشاط عسكري أو تجاري داخل الجزر المتنازع حولها، لا سيما بعد أن حلقت طائرة استطلاع أمريكية فوقها، وراقبت عن كثب نشاط الملاحة البحرية الصينية الأسبوع الماضي. الموقع الجغرافي ويقع بحر الصينالجنوبي، غرب المحيط الهادي – ويعتبر جزءًا منه – ويشمل المنطقة الممتدة من سنغافورة إلى مضيق تايوان، ويعد أكبر بحر في العالم هو والبحر الأبيض المتوسط بعد المحيطات الخمسة، وتبلغ مساحته 3.5 ملايين كيلومتر مربع. أهمية الجزر المتنازع عليها وتعد "جزر سبراتلي" أبرز الجزر المتنازع عليها مع أمريكا، وهي عبارة عن أرخبيل يتكون من مجموعة من الجزر الصغيرة المرجانية غير المأهولة الواقعة بين كل من فيتناموالفلبينوالصين وبروناي وماليزيا وتبلغ مساحتها حوالي 4 كيلومترات مربعة . ولهذه الجزر أهمية كبيرة في ترسيم الحدود الدولية في منطقة شرق آسيا، وتضم مصايد أسماك غنية، وكميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، مما جعلها مطمعًا للعديد من الدول، ومحلًا للنزاع بينهم. كما إن البحر يعد من أكثر بحار الدنيا حركة بالبضائع والسفن، حيث يشهد تنافسًا محمومًا بين أميركا والصين، وهو إحدى بؤر التوتر الساخنة في جنوب شرق آسيا، يتناثر في أرجائه أكثر من مائتي جزيرة. إضافة إلى أنه ثاني أكثر الممرات البحرية – على مستوى العالم – ازدحامًا بالحركة، وتمرُّ به شحنات تجارية قيمتها خمسة تريليونات دولار، أي نصف حركة الشحن في العالم، ويتناثر فيه أكثر من 250 جزيرة، أهمها "نانشاتشيونداو، وشيشاتشيونداو، وتشونجشاتشيونداو". جذور القضية في عام 2002، تبنت الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ميثاق شرف لأطراف بحر جنوبالصين، إلا أن دولا عدة – منها الفلبينوفيتنام – اتخذت إجراءات أحادية الجانب. وفي 20 يوليو 2011 وصلت مجموعة من المشرعين الفلبينيين جوا إلى جزيرة "تشونج يه داو" الواقعة في البحر، ورفعت العلم الفلبيني على أرض الجزيرة، في ادعاء بسيادة بلدهم على المنطقة. اعتبرت الصين حينها هذه الإجراءات انتهاكا لسيادتها وسلامة أراضيها بشكل خطير، مؤكدة أن بحر جنوبالصين والمياه المحيطة به "جزء لا يتجزأ من أراضي الصين كما يثبت التاريخ". لذلك، ظلت السيطرة على المحيط الهادئ خاصة على بحري الصين الشرقي والجنوبي تشكِّل طموحًا إستراتيجيًا للقوى الكبرى على مرّ العصور؛ فهو يمثل الظاهرة البحرية المهيمنة جيوسياسيًا على مجمل منطقة جنوب شرق آسيا لإطلاله على جنوبالصين وشمال إندونيسيا وشرق فيتنام وغرب ماليزيا. التوترات الأخيرة شهدت الآونة الأخيرة توترًا في العلاقات ما بين الصينوفيتناموالفلبين، حيث تطالب الصين بالحصول على ما يقارب ثلاثة أرباع إجمالي مساحة بحر الصينالجنوبي، ولكن طلبها قوبل بالرفض من قبل الدول الأخرى، حيث تدّعي كل دولة منهم أحقيتها التاريخية في جزر "سبراتلي". حتى باتت هذه الجزر مسرحًا لاستعراض القوة بين قوى مختلفة، وعلى وجه الخصوص بين الصينواليابان في بحر الصين الشرقي وكذلك بين الصين ودول أخرى في بحر الصينالجنوبي، وبين اليابان وكوريا الجنوبية في بحر اليابان مما قد يؤدي إلى تبعات وتداعيات على منطقتي شرق وجنوب شرق آسيا بأسرهما وربما إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. ما دفع الصين إلى إطلاق سلسلة تحذيرات حول قدرة قواتها العسكرية على حماية السيادة الوطنية وأتبعتها بسلسلة مناورات عسكرية في مناطق مختلفة ومترافقة مع سلسلة تصريحات نارية بأن الصين "لن تساوم على أي شبر من ترابها الوطني"، وأن "عهد إذلال الشعب الصيني قد ولّى إلى غير رجعة" في إشارة واضحة إلى فترة الاحتلال الياباني للصين. أسباب التوتر وقد ازدادت حدة التوتر في المنطقة بعد اكتشاف كميات كبيرة من النفط والغاز، كما جاء ازدياد الوجود العسكري الأميركي في المنطقة مؤخرًا ليزيد من حدة تلك التوترات. قلق واشنطن حيال قيام الصين ببناء جزر صغيرة اصطناعية في مناطق متنازع عليها من بحر الصينالجنوبي، دفع الأخيرة إلى رفض التدخل الأمريكي بالسيادة الصينية، وقولها: "إن أمريكا ليس لها أي مطالب إقليمية في بحر الصينالجنوبي، أو أي مصلحة مشروعة". وتطالب أمريكا بشكل روتيني كل الدول التي تنازع على السيادة في المنطقة بوقف عمليات البناء في جزر "سبراتلي" ولكنها تتهم الصين بتنفيذ عمليات على مستوى يفوق بكثير أي دولة أخرى. وتؤكد في الوقت نفسه أن بناء جزر اصطناعية كما تفعل الصين لا يسمح بالمطالبة بمياه إقليمية محيطة بها ولا بإقامة مجال جوي فوقها. حتى أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) تدرس إرسال سفن عسكرية وطائرات مراقبة إلى مسافة أقل من 12 ميلا بحريا (22 كيلومترا) من هذه الجزر الصغيرة الاصطناعية التي تعمد الصين إلى بنائها بشكل متسارع منذ سنة، وهي المسافة التي تعتبر ضمن المياه الإقليمية لأي جزر طبيعية. وفي حال حصلت خطط البنتاجون على موافقة الرئيس باراك أوباما، الذي سيستقبل بعد أشهر نظيره الصيني "شي جين بينج" في زيارة دولة تشكل محورا آخر لمحادثات كيري، فإن دخول سفن تابعة للأسطول الأميركي السابع في المحيط الهادئ فيما تعتبره بكين مياهها الإقليمية قد يثير أزمة خطيرة بين القوتين الاقتصاديتين الكبريين. وكان البنتاجون قد نشر الشهر الجاري صورا التقطت عبر الأقمار الاصطناعية تظهر أن بكين تعمل بشكل مكثف على ردم جروف مرجانية تحولها إلى موانئ ومنشآت أخرى بينها مدرج هبوط يجري بناؤه حاليا وقد ارتفعت المساحة التي يمكن استخدامها خلال سنة من 200 إلى 800 هكتار.