بعد شدة الخلاف بين الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي في محاولات كل منها لفرض سيادتها على أجزاء منه، عاد التوتر مرة أخرى لمياه العلاقات في جنوب شرق آسيا، واستحوذت سخونة الأوضاع الملتهبة في شبه الجزيرة الكورية على خريطة الأحداث في القارة الصفراء. وازداد هذا الخلاف مع اتهام فيتنام لسفينة صينية بإطلاق النار على قارب صيد تابع لها وعلى أجزاء من مياه متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، في حين نفت الصين ما تردد وطالبت بالسيادة على معظم مياه البحر الغني بموارد الطاقة في مواجهة مباشرة مع فيتنام والفلبين (حليفتي الولاياتالمتحدة). نزاع الجزر
وتعميقاً لحالة النزاع حول الحدود البحرية التي تشهدها القارة الصفراء وخاصة منطقة الشرق والجنوب الشرقي منها، يشهد بحر الصين الجنوبي والشرقي خلافاً بين 12 دولة آسيوية، ففي بحر الصين الشرقي، هناك نزاع بين اليابان والصين على جزر "سينكاكو" في المسمى الياباني، أو "دياويو" في الآخر الصيني، فضلاً عن الخلاف الياباني مع كوريا الجنوبية حول السيادة على عددٍ من الجزر الصخرية الواقعة بين الدولتين، خاصة جزيرة "داكدو".
وفي بحر الصين الجنوبي يشتد النزاع بين الصين من جهة، ومع خمسة دول من جهة أخرى (هي الفيتنام والفلبين وماليزيا وتايلاند وبروناي) حول مجموعة أخرى من الجزر الصخرية في بحر الصين الجنوبي تعرف باسم "سبراتلي"، وتدعي السيادة عليها كل من هذه الدول، وهي جزر غير مأهولة، وغير صالحة للعمران، لكنها غنية بمصادر الثروة السمكية والطاقة من النفط والغاز. تداعيات خطيرة وعند النظر إلى عواقب ذلك الاتجاه المسيطر على معظم دول جنوب شرق آسيا لتوسيع خريطة حدودها الإقليمية، يثور قانون الفعل ورد الفعل المناوئ له في تصور لن يكون بعيداً عن تطور الصراع وتعديه مرحلة الصراعات الكلامية إلى خيار الصراعات المسلحة، خاصة في الوقت الراهن الذي يحتدم فيه التوتر في شبه الجزيرة الكورية واحتمالات نشوب حرب حذرت منها قوى إقليمية كبرى.
ونتيجة للتعقيدات والتطورات السريعة في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، فإن صراعات الجزر أصبحت تنذر بمخاطر قد تتجاوز حسابات الدول المنخرطة في تلك النزاعات، ورغم أن بعض الدول قد تعيد حساباتها، وتحاول تجنب انفجار الموقف، إلا أن انفجار هذا الموقف قد يضر بمصالح دول خارج القارة الآسيوية وعلى رأسها أمريكا التي دشنت العديد من التحالفات مع بعض أطراف الصراع البحري في هذه المنطقة وأهمها اليابان والفلبين وفيتنام من أجل تطويق الحلم الصيني الممتد لحدود بعيدة قد تغير من الخريطة الدولية التي تكون الولاياتالمتحدة عند قمتها.
وفي تداعٍ آخر لتطور الصراع البحري في جنوب شرق آسيا، فإن من شأنه الإضرار بشبكة العلاقات الاقتصادية لمنظمة دول "الآسيان"، بل واحتمال انهيار هذه المنظمة الاقتصادية الإقليمية الكبرى لأنها تضم فريقين آسيويين متصارعين في إطار النزاع على هذه الجزر، فهي تضم إلى جانب الصين، كلاً من إندونيسيا، وسنغافورة، وكمبوديا، ولاوس، وميانمار، في جبهة تؤيد الصين في موقفها من الجزر، إضافة إلى فيتنام، والفلبين، وماليزيا، وتايلاند، وبروناي في الجبهة الأخرى التي تعارضها.
تحذير أخير وفي تحذير أخير، عبرت رابطة دول جنوب شرق آسيا عن قلقها بشأن نوايا بكين لتوسيع خريطتها وعدم استعدادها للعمل ضمن القيود التي نصت عليها اتفاقية قانون البحار، مع الطلب بشكل غير معقول بالسيادة على كل جزر بحر الصين الجنوبي استناداً إلى الوقائع التاريخية.
ولكن في النهاية، ومع التطور المتلاحق للأحداث على جبهات متعددة من المسرح الآسيوي وخاصة بعد احتدام التوتر في شبه الجزيرة الكورية، وتجدد ملف النزاع على الحدود البحرية الآسيوية، هل تنشب حرب عالمية ثالثة يتغير معها ميزان القوى الدولية، في ظل غلبة الأزمات الاقتصادية؟