مصر بلد تعم فيه الفوضى، على نحو لا يشبه أية دولة متحضّرة، وهذه الفوضى العشوائية منتشرة فى الشوارع والطرقات والحارات وحتى القرى والنجوع، وهى تتمثّل فى استباحة المال العام، المتمثّل فى الأرصفة المخصصة للمارة، وطرقات السير العامة، فكل المتاجر والمحال والمقاهى وحتى الكافيهات الكبيرة، ذات الأسماء الرنانة، صارت تحتل الأرصفة، وأحيانا الطرقات، لتضع عليها المناضد والمقاعد، لزيادة مساحة أرباحها، وتعلية اقتصادها، على حساب المارة والمواطنين، الذين لا يعانون من ضياع حقهم فى المساحة المخصصة لهم فحسب، لكنهم (وبخاصة الفتيات والسيدات) لا يسلمون من الألسنة الطويلة، والمعاكسات البذيئة والتعليقات السخيفة أيضا. والذين يحتلون الأرصفة والطرقات يستبيحون هذا لأنهم يدركون أن القانون قاصر وضعيف فى هذه الناحية، وأن رجال الشرطة أكثر عجزا، فى ظل قوانين واهية إلى هذا الحد، فالمحتل يحتل الأرصفة والطرقات ويحقّق من هذا أرباحا طائلة، فإذا ما أتت الشرطة فلن تملك سوى مصادرة المقاعد والموائد، وحملها فى سيارة كبيرة، ويذهب هو لاستردادها بعد دفع غرامة بسيطة لا تساوى أرباح نصف ساعة من عمله، ومن المستحيل بالطبع إقناع أى شخص باحترام النظم والقواعد، وحق المواطن فى ماله العام، فكما قال الكاتب الأمريكى والسياسى ابتون سنكلير: «من المستحيل إقناع شخص بأمر تقتضى مصالحه الشخصية عدم الاقتناع به»... It is difficult to get a man to understand something when his job depends on not understanding it. Upton Sinclair ولهذا، ومن منطلق مبدأ «لا يفل الحديد إلا الحديد» فالحل الوحيد لقهر هذه الظاهرة هو محاربتها بنفس سبب حدوثها، وتحويل الأمر (قانونا) من مصادرة موائد ومقاعد إلى غرامات مالية كبيرة متصاعدة، تبدأ من عشرة آلاف جنيه فى المرة الأولى، تتضاعف مع كل تكرار للمخالفة، لحماية المال العام، وحق المواطن فى أرض وطن يسير عليها... حرب اقتصادية تحقّق ربحين كبيرين: الأوّل تنمية موارد الدولة من مخالفين فعليين، وثانيهما الحفاظ على هيبة الدولة والقانون، والقضاء على فوضى احتلال الأرصفة والطرقات، حوّلوا المخالفة عند المخالف إلى خسارة مادية فادحة، تجبره على احترام حق غيره، وعدم الاستهتار بالقانون والنظام. جرّبوها، وأعيدوا للمواطن العادى شعوره بأن هذا وطنه، وبأنه المالك الفعلى للمال العام. جربوها، من أجل مصر.