الإسكندرية فى العيد، جميلة ناعمة صافية كعادتها، بها ملمح جديد تدركه العين للوهلة الأولى، وتتبين فيه نظامًا والتزامًا وترتيبًا لم يكن موجودًا من قبل، تسير على طول الكورنيش الذى يمتد لأكثر من عشرين كيلو متراً، ترقب المقاهى التى يقصدها الإسكندرانية، وزبائن العيد فتلحظ أن مقاعدها وموائدها لم تعد تشغل الأرصفة وأصبح الرصيف خاليًا إلا ممن يسيرون جيئة وذهابًا، أما نهر الطريق فقد أصبح للسيارات وحدها لا يزاحمها فيه أحد، محال البقالة سحبت إلى الداخل منتجاتها التى كانت تبيعها فى الخارج لتحتل بها الأرصفة، وكذلك فعل أصحاب محال الفاكهة والخضروات لا أقفاص ولا صناديق، ولا أرفف تقطع عليهم طريقهم، انقرضت أعداد لافتات الطرق التى تحوى إعلانات عشوائية فى كل مكان على النواصى وفى منتصف الطرق وعلى واجهات المبانى وكادت تتلاشى الإعلانات الملصقة على حوائط المنازل والأسوار، ميدان محطة مصر كأنما ولد من جديد، ذهب المئات من الباعة الجائلين الذن يفترشون أرض الميدان، ويسدون على المارة أبواب الحركة، ذهبوا إلى حيث لا ندرى، وأفصح الميدان عن جمال وهدوء لم يكن باديًا للعيان من قبل، وحدث الشىء نفسه فى أحد أشهر شوارع الإسكندرية، وهو شارع المعهد الدينى بحى المنتزه وفى منطقة عمود السوارى، وهى مناطق كان قد افترشها عن كاملها باعة الأرصفة وأصحاب الحوانيت، وقصروها على أنفسهم دون المارة أو السكان أو حتى السيارات، ما الذى يجرى فى الإسكندرية حتى أصبحت على هذه الصورة الجديدة؟ ما الذى يحدث بها؟ وتوجهت بالسؤال إلى السيد اللواء عادل لبيب، محافظ الإسكندرية، اتصلت به تليفونيًا: ما الموضوع يا سيادة المحافظ؟ بترحاب وود أجاب: يحدث الآن انضباط فى الشارع السكندرى، والتزام من الناس بالحدود المسموح لهم بها، دون تجاوز أو تعد على حقوق الآخرين، وجه جديد لمدينة الإسكندرية تستحقه وتسعى إليه كواجهة بحرية لمصر يأتى إليها الناس من كل مكان، ويزورها ملوك ورؤساء دول، خمسمائة مليون جنيه، وأربع عشرة شركة مقاولات كبرى تشارك فى رصف أربعمائة شارع بالمدينة، وجار تخصيص مبلغ مماثل لشوارع جديدة مرصوفة ومنظمة ومنسقة، تطوير شامل ستشهده الإسكندرية لن يصونه ولن يحافظ عليه إلا الانضباط والالتزام وإلا ضاعت نتائجه، انضباط ستؤمنه قبضة قوية تساوى بين الناس بلا مجاملات أو استثناءات أو وسايط، الكل سواء، سألته عن المقاهى التى سحبت موائدها ومقاعدها إلى الداخل وتركت الأرصفة خالية للمواطنين: أجاب أن المسموح به فقط مقعد واحد ومائدة واحدة على امتداد واجهة المقهى حتى يصبح الرصيف حقًا حقيقيًا للمواطنين يضمن أمانهم فى الشارع لا ملكًا لأصحاب المقاهى، ولا يقتصر ذلك على شارع الكورنيش فقط بل لكل مقاهى الإسكندرية، ومن يخالف ذلك يدفع غرامة فورية قدرها خمسة آلاف جنيه، ويغلق المقهى لمدة ثلاثة أشهر، فإن عاد إلى المخالفة يلغى ترخيص المقهى، أما أصحاب المحال الذين ينشرون بضائعهم على الأرصفة خارج المحال فنوجه لهم إنذاراً بعدم المخالفة لا يتعدى خمسة عشر يومًا، بعدها تصادر بضاعته المعروضة خارج المحل ويتعرض للغرامة أيضًا، وإذا وجدنا ملصقات على الجدران تحوى إعلانات لمحال تجارية أو مطاعم أو مقاه أو خلافه فتفرض على صاحبها غرامة مالية ويغلق المكان لفترة ونلزمه بإزالة الملصقات، والغرامة نفسها لحفر الشوارع دون إذن، يلزم المخالف بالردم والغرامة، وكذلك أصحاب السيارات الذين يصعدون بها فوق الأرصفة، إشغال الطريق بأى شكل لن يكون بعد الآن، ونحدد لبائعى الأرصفة ومفترشى الطرقات أماكن بديلة ونواجه البلطجية ومثيرى المشاكل منهم، كما أنه فى الطريق مواجهة حاسمة لإزعاج الميكروفونات والأصوات العالية. سألت السيد المحافظ: الناس بالإسكندريةسعيدة بهذه الإجراءات الجديدة لكنها متوجسة ومتشككة فى إمكانية استمرارها بهذه القوة التى بدأت بها، يقولون إن الغربال الجديدة له شدة وسرعان ما ستتراخى القبضة القوية وتتدخل المجاملات والاستثناءات، أجاب: أبدًا لن يحدث ذلك ولن نتراجع عن إعادة الانضباط، فقد حاول البعض الاعتراض وأشاع آخرون أنهم أقوى من القواعد وتصوروا أن الواسطة مقبولة أو الاستثناء وارد، لكن الحزم فى مواجهة جميع المخالفين والمساواة بين الجميع أمام هذه القواعد الجديدة والعقوبات والغرامات المالية أجبر الناس على الالتزام، لجأ البعض إلى المسكنة والادعاء بأننا نغلق أبواب الرزق لكن ذلك غير صحيح، من يرد أن يعمل ويرتزق فعليه أن يعمل وفق الأصول والحدود المسموح بها دون إضرار بالغير، وهذه القواعد لا رجعة فيها على الإطلاق المتسبب فى خلل سيدفع ثمنه، وما نقوم به الآن ليس حملة مظهرية مؤقتة، فقد بدأنا من شهرين وسنستمر إن شاء الله. [email protected]
