كتب- عمرو صلاح: قبيل انعقاد قمة «كامب ديفيد»، المقرر أن تجمع الرئيس الأمريكى باراك أوباما وقادة مجلس دول التعاون الخليجى يوم 13 مايو الجارى، فى منتجع كامب ديفيد بالولاياتالمتحدةالأمريكية، تتجه أنظار المحللين إلى قرار عدد من دول المجلس بتخفيض تمثيلها فى القمة، التى قد جرى الإعداد لها بغية إدراج المخاوف الخليجية، وتقديم رسائل طمأنة للشركاء الخليجيين إزاء الاتفاق النووى مع إيران، الذى عارضه عدد من دول المجلس. العاهلان البحرينى والسعودى، أنابا وليى عهدهما لحضور القمة، وأعلن الديوان الملكى البحرينى، أن ولى العهد، نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، سيتوجه إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى زيارة رسمية يلتقى خلالها رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية باراك أوباما، ويترأس وفد مملكة البحرين فى القمة الخليجية الأمريكية، التى ستعقد فى كامب ديفيد. كما أعلن وزير الخارجية السعودى، عادل الجبير، أن الأمير محمد بن نايف، سيرأس وفد السعودية فى المحادثات، لافتا إلى أن نائب ولى العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان سيشارك أيضا فى القمة. الجبير أوضح فى بيانه، أن إنابة الملك سلمان للأمير محمد بن نايف، ولى العهد، تأتى انطلاقا من حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على تحقيق الأمن والسلام فى اليمن، وحرصه على سرعة تقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية للشعب اليمنى الشقيق. وكانت تقارير سابقة قد أشارت إلى أن السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عُمان، قد ينوب عنه نائب رئيس الوزراء، فهد بن محمود آل سعيد، بينما أعلنت الكويت رسميا توجه أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى أمريكا، أول أمس الأحد. وأعلنت قطر، أن الشيخ تميم بن حمد آل ثانى، سيشارك فى القمة، ولم تعلن الإمارات عن رئيس وفدها بالقمة، حتى مساء أول من أمس، إلا أنه يستبعد أن يكون رئيسها الشيخ خليفة بن زايد، الذى يغيب عن أى أنشطة رسمية علنية، منذ أن تعرض لوعكة صحيه قبل عام. ما الذي يريده الخليج من الرئيس الأمريكي.. وما الذي يمكن أن يقدمه أوباما؟ على مساحة 200 فدان من المناطق الجبلية ذات المناظر الخلابة المحاطة بحراسة مشددة، يقع منتجع كامب ديفيد الريفى، والذى يُدار من قبل البيت الأبيض، ومنذ اللقاء الذى جمع بين روزفلت وتشرشل إبان الحرب العالمية الثانية، أصبح المنتجع موقعًا لعديد من المؤتمرات عالية المستوى مع الرؤساء الأجانب، ولعل اسمه يرتبط لدينا نحن العرب أكثر بالمفاوضات التى جرت بين الرئيس المصرى أنور السادات ومناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل بإشراف الرئيس الأمريكى حينئذ جيمى كارتر، الذى كان يطمح وقتها إلى تسوية كبرى فى المنطقة بين العرب وإسرائيل لإنهاء حروب دامت لعقود. اليوم يعود المنتجع الريفى ليلعب دورا جديدا إزاء ملف يهدد استقرار المنطقة وهو صراع النفوذ الإيرانى الخليجى، الذى دخل مراحل أكثر تعقيدا وتطورا؛ حيث الحرب فى اليمن لا تعد نهاية المطاف بل قد تكون بدايات حرب أوسع وأكثر شراسة إن لم يتم الوصول إلى تسوية شاملة إزاء ملفات عدة كجزء من هذا الصراع. هدف قريب.. وآخر بعيد الاجتماع الذى يجمع الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وقادة مجلس دول التعاون الخليجى فى 13 مايو القادم هدفه المعلن هو بحث ملامح الصفقة التى توصلت إليها مجموعة الخمسة + 1 بقيادة الولاياتالمتحدة مع إيران، لكنه فى حده الأدنى سيستهدف إعطاء ضمانات لدول الخليج للتقليل من حدة قلقها إزاء الوصول الأمريكى – الإيرانى لتسوية لملف إيران النووى، وفى حده الأقصى ربما التفاوض بغرض تقريب وجهات النظر المتباعدة إزاء الصراع (الخليجى- الإيرانى) الممتد فى سورياوالعراقولبنان واليمن والتى تختلف وجهتى النظر الخليجية الأمريكية حول تفاصيل تسويته. أصل الصراع من سوريا إلى العراق إلى لبنان إلى اليمن، تتصارع المصالح السنية والشيعية، هكذا يرى البعض الأمر، بينما يرى البعض الآخر الأمر كصراع على النفوذ السياسى الذى تُعد الورقة الطَّائفية أهم مقوماته. فى سوريا الخليج يريد إسقاط نظام الأسد، بينما تقف إيران وحزب الله على مدار سنوات بجوار النظام السورى، وتناضل للإبقاء عليه، وهو ما نجح فيه الجانب الإيرانى بالفعل. وفى لبنان تنقسم الدولة الهشَّة، ما بين طرفين متنازعين، حيث يقف خلف كل طرف إحدى القوتين الإقليميتين، أما العراق فقد أصبح ممزقا ما بين مفاصل دولة تدور فى فلك إيران، وحركات أصولية مثل داعش، ثم اليمن الذى يعد الحلبة الأحدث للصراع «العسكرى» ما بين الحوثيين المتحالفين مع نظام على عبد الله صالح المدعومين إيرانيا والميليشيات المناهضة للحوثيين، والتى تجمعها أهداف مختلفة ويقف خلفها الخليج والسعودية، والذى أعلن إطلاق عملية عاصفة الحزم قبل شهر بعد أن حاولت إيران إحكام قبضتها على اليمن. العام 2013 كان بمثابة الخطر المعلن بالنسبة لدول الخليج أكثر من أى وقت مضى، لقد نجحت إيران فى أن تحقق اختراقات أكبر فى مناطق الصراع المختلفة، مما دفع بعض المتخصصين فى السياسية الدولية إلى وصف عام 2013 بأنه (عام الاختراقات الإيرانية) بامتياز، وقد عززت تلك الاختراقات بالمزيد والمزيد من النفوذ بالتوازى مع تقدم ملحوظ شهدته المفاوضات بين الإدارة الأمريكيةوإيران حول الملف النووى. وهو ما نظرت له دول خليجية وعلى رأسها المملكة العربية بقلق كبير، متوقعة أن تكون أولى نتائج تسوية الملف النووى بين أمريكاوإيران انسحابا أمريكيا محتملا من المنطقة ورفعا تدريجيا للعقوبات عن إيران بما يتيح لها الحركة بحرية فى المنطقة. تسوية أو فوضى شاملة الخليج بدأ إعلان غضبه منذ عام 2013 بإعلان السعودية رفضها شغل مقعد بمجلس الأمن، ثم ما تلى ذلك من مناورات عسكرية واستعراضات أطلقتها السعودية والإمارات لُوح فيها بامتلاك صواريخ قادرة على الوصول إلى إيران، وقد يمكن تحميلها برؤوس نووية، ثم اشتعلت المعركة أكثر فأكثر بتأسيس قنوات إعلامية تدعم الطرفين تتدفق عليها الأموال بغزارة، ثم مرحلة العبث بأسعار الطاقة التى تشير توقعات إلى دور خليجى فيها ككارت ضاغط على إيرانوأمريكا، ثم كان إعلان عملية عاصفة الحزم بعد أن أطاحت إيران بالترتيبات التى فرضها مجلس التعاون الخليجى فى اليمن فى عام 2011، والذى كان بمثابة إعلان سعودى واضح بأن المملكة لن تقف مكتوفة الأيدى تشاهد تسوية الملف الإيرانى مع أمريكا على حساب ما تراه تهديد نفوذها فى المنطقة، الجانب الأمريكى ربما أدرك أن الوصول إلى تسوية (أمريكية- إيرانية) والسعى لخلق اتزان استراتيجى فى المنطقة بين (المحور السنى والمحور الشيعى) لن يستقيم دون إدراج الخليج ككجزء من تسوية شاملة، لكن الوصول إلى تسوية شاملة إزاء هذا الصراع المعقد والممتد فى مناطق عدة ربما يكون صعبا، وربما هنا كانت المحاولة لتقديم تطمينات لدول الخليج تهدئة لوطأة غضبها المتصاعد. ما الذى يريده الخليج؟ سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن، يوسف العتيبة يوم الخميس الماضى وفى مشاركته بندوة عقدتها مركز الأطلسى بواشنطن تحدث عن ضرورة الحصول على ضمان أمنى خطى من واشنطن خلال اجتماع الرئيس، باراك أوباما، فى قمة كامب ديفيد مع زعماء الدول الخليجية. وقال العتيبة «نتطلع إلى ضمان أمنى بالنظر إلى سلوك إيران فى المنطقة»، وأضاف «فى الماضى أمكننا المضى باتفاق شرف مع الولاياتالمتحدة بشأن الأمن.. أعتقد أننا اليوم نحتاج شيئا مكتوبا». محللون سعوا إلى توصيف إلى ما الذى يعنيه «العتيبة» بقوله ضمانًا خطيًّا، هل هو اتفاق مكتوب بين أمريكاوإيران يلزم الأخيرة بإجراءات بعينها كضمانة لحماية أمن الخليج وعدم قيامها بأى أعمال عدائية ضده، أم هو طلب بأن تلزم الولاياتالمتحدة نفسها بشكل مكتوب بالدفاع عن دول الخيجى فى حالة تعرضها لهجوم معاد فى ما يمكن وصفه بمعاهدة أو اتفاقية دفاعية؟ ما الذى يمكن أن تقدمه أمريكا؟ لكن على الجانب الآخر استبعد مسؤولون أمريكيون أن يُقدم أوباما على إبرام معاهدة أمنية شاملة مع السعودية أو دول أخرى فى الخليج لأن ذلك سيتطلب موافقة مجلس الشيوخ الذى يسيطر عليه الجمهوريون، ويمثل مجازفة بتأجيج التوترات مع إسرائيل. ووفقا لتحليل سياسى نشره موقع روسيا اليوم «فمن المرجح أن يحث أوباما دول الخليج على بذل المزيد من الجهود لتحقيق التكامل بين جيوشها والعمل من أجل إقامة درع مشتركة مضادة للصواريخ، ستعمل بقيادة وزارة الدفاع الأمريكية. ولم يتضح على وجه التحديد ما ستعرضه واشنطن على الدول الخليجية فى إطار مقترحها الواسع النطاق، من أجل إقناعهم بنشر الدرع الصاروخية». ومن المرجح الحديث عن صفقات أسلحة بما فى ذلك إعادة تزويد دول الخليج بالقنابل والصواريخ لتعويض ما استُنفد منها فى الهجمات الجوية فى اليمن، والضربات الموجهة لتنظيم «الدولة الإسلامية» فى الحملة التى تقودها الولاياتالمتحدة فى العراقوسوريا. وبينما تطالب المملكة العربية السعودية بأسلحة متطورة فمن المتوقع أن تتمسك واشنطن بقرار حجب مبيعات الطائرات «إف-35» . يقول المحلل الأمريكى البارز والمتخصص فى شؤون الخليج «جيمس جيفرى» حول اجتماع كامب ديفيد المرتقب «إنّ طمأنة قادة دول «مجلس التعاون الخليجى» حول التهديدات الأمنية المتزايدة التى يواجهونها لن تكون مهمّة سهلة، بإمكان واشنطن أن توّفر عددا من التدابير الملموسة وينبغى أن توفّرها، على سبيل المثال توفير الالتزامات الأمنية ونقل الأسلحة والانتشار العسكرى، أو حتى المشاركة فى عمليات عسكرية جديدة فى بؤر التوترات مثل سوريا، لكن من المرجح أن يبحث قادة دول «مجلس التعاون الخليجى» عما هو أكثر من مجرّد خطوات مرئية تقوم بها الولاياتالمتحدة -فهم يريدون أيضا تعهدا بأن الاتفاق النووى لن يبعد الولاياتالمتحدة عن دورها التقليدى المتمثل فى احتواء طموحات الهيمنة الإيرانية. يذكر أن وسائل إعلام كانت قد تناولت الإشارة إلى أن البيان الختامى للقمة قد يركز على إنشاء ترسانة دفاعية لدول الخليج، ورفض زعزعة إيران للاستقرار الإقليمى، وقبول اتفاق يمنع طهران من تطوير السلاح النووى، وتقوية المعارضة السورية وتأكيد فقدان الرئيس السورى بشار الأسد شرعيته، وتبنى مبادرة مجلس التعاون كأساس للحل فى اليمن. طمأنة دول الخليج.. الهدف الممكن أقصى ما يمكن أن يمنحه أوباما فى هذا الاجتماع هو طمأنة دول الخليج بأن الاتفاق مع إيران حول ملفها النووى لا يعنى بالضرورة تطبيع للعلاقات الكاملة بشكل تدريجى معها أو تغيير جذرى فى شكل العلاقات بين أمريكاوإيران على غرار ما بدأ يحدث بين أمريكا وكوبا، بما يضمن رفع كل الضغوط عن إيران يتيح لها الحركة بحرية فى المنطقة بما يمكنها من توسيع إطار نفوذها بشكل يهدد باقى دول الخليج، وهو ما يمكن التقاطه من تصريحات أدلى بها جون بايدن نائب الرئيس الأمريكى فى إحدى الندوات التى شارك بها مؤخرا، وفصل فيها ما بين التسوية النووية مع إيران والتسوية بشكل استراتيجى. وفى هذا الإطار قد تكون هناك محاولة كسر حالة الغموض التى تحيط بالاتفاق بين الجانب الايرانى والجانب الأمريكى ووعد باتخاذ خطوات أكثر وضوحا فى مقاومة الانتهاكات الإيرانية فى العالم العربى، وربما اتخاذ موقف أكثر حدة فى سوريا، بالإضافة إلى تقديم أسلحة لدول الخليج تضمن الحفاظ على اتزان استراتيجى فى المنطقة.