نظمت وزارة الثقافة المصرية مؤتمرا على مدار يومين بقاعات المجلس الأعلى للثقافة ومسرح الهناجر ومسرح ساحة الميدان، تحت عنوان «القوى الناعمة.. الفن والفكر والإبداع فى مواجهة التطرف والإرهاب»، وتوزع المؤتمر بين ستة محاور ناقشت دور المنابر الإعلامية فى دعم الفن والفكر والإرهاب، ووسائل تأصيل الهوية المصرية، وتفعيل الدور الثقافى والفنى بالمؤسسات التعليمية، والخطاب الثقافى وعلاقته بالدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى، ودعم وتعزيز القدرات الثقافية للمجتمع المدنى، وأخيرا القوى الناعمة ودورها فى إدارة أزمات التطرف والإرهاب. المؤتمر بشكل عام انطلق بمبادرة ذاتية من قطاع شؤون الإنتاج الثقافى، برئاسة الدكتور سيد خاطر رئيس القطاع، وجهد فائق بذلته الدكتورة ناهد عبد الحميد مدير عام القطاع أمين عام المؤتمر، وباقى فريق العمل الذى حاول أن يرمى بحجر فى بحيرة الثقافة المصرية، ليذكر بأمجادها السابقة، ويستدعى ما أنجزته الثقافة المصرية عبر عقود الرقى والازدهار، وقد اختار القائمون على الفكرة مفهوم القوة الناعمة، هذا المفهوم الذى اقتحم حياتنا الفكرية بعد أن أصدر جوزيف ناى، مساعد وزير الدفاع الأمريكى على عهد الرئيس كلينتون كتابه الأشهر «القوة الناعمة وسيلة النجاح فى السياسة الدولية»، الذى حاول من خلاله أن يروج لمفهوم القوة الناعمة التى ينبغى أن تعمل جنبا إلى جنب مع القوة الصلبة «العسكرية»، لتقوية مصالح أمريكا حول العالم، بطبيعة الحال أكد ناى أن القوة الناعمة سلاح مؤثر يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية والإقناع بدل الإرغام أو دفع الأموال، محددا موارد القوة الناعمة لأى بلد بأنها ثقافته إذا كانت تتمتع بالحد الأدنى من الجاذبية، وقيمه السياسية عندما يطبقها بإخلاص داخليا وخارجيا، إضافة إلى السياسة الخارجية الرشيدة. اتسع مفهوم القوة الناعمة لدى بعض الدول فأنجزت حضورا دوليا لافتا من خلال ثقافتها وسلوكها السياسى، فرصدنا كيف حاولت عديد من الدول أن تنطلق من هذا المفهوم فى تطوير منتجها الثقافى والفنى والإبداعى، لتكون قادرة على التأثير فى أنماط الحياة فى بلدان أخرى، بما يمهد الطريق أمام تحقيق مصالح تلك الدول، فحذت الهند مثلا حذو أمريكا، فدشنت مدينة للإنتاج السينمائى سميت «بوليوود» فى محاولة لتقليد «هوليوود»، بينما تخلفت «هوليوود» الشرق مصر رائدة الفن السينمائى الذى كان أحد عناصر قوة مصر الناعمة، قبل أن تتسلل الدراما الهندية أو التركية وحتى الكورية إلى عالمنا العربى. حاولت الوزراة انطلاقا من أهمية هذا المفهوم وقناعة منها بأنها إحدى أذرع الدولة المعطلة، التى لا تنهض بدور ملائم، فى مواجهة الحرب التى تخوضها القوات المسلحة والشرطة فى مواجهة التطرف والإرهاب، أن تطلق هذا المؤتمر لتحفز المثقفين والفنانين لأداء دورهم فى الاحتشاد والاصطفاف فى مواجهة هذا الخطر، بعيدا عن الحفلات الغنائية التى يعبرون فيها عن وطنيتهم وحبهم لبلدهم ووفائهم لها بذرف الدموع والغناء، بديلا عن العمل والمساهمة فى دفع هذا الخطر والحركة فى كل محافظات مصر وقراها، لكى تنتشل الوجدان المصرى من هذا التيه الذى صنع خطر التطرف. وجّه القطاع الدعوة إلى كل كتاب ومفكرى وفنانى مصر فى كل الفنون، فلم يلب الدعوة سوى عدد قليل جدا منهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال «الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة»، فمن بين الزاعقين بالأغانى والأمانى والنفاق، برز عدد محدود هو الذى يضم الشخص الرسالى المحب لبلده الحريص على أمنه ورقيه، هو من سعى لحضور هذا المؤتمر والتفاعل مع محاوره وموضوعاته وإبداء الملاحظات والمقترحات، بل ومنهم من قدّم مبادرات لو خرجت إلى النور لمثلت نقلة نوعية فى العمل الثقافى، وارتقت بوجدان المصريين، وأخرجتهم من ساحة الخيارات البائسة إلى أعمال بائسة وشاذة لا تعبر عن المكون الإبداعى فى الشخصية المصرية، بقدر ما تعبر عن حسابات الربح الضيق والترويج للرذيلة باعتبارها أصبحت عملة هذا الزمان. لم يتخلف مبدعو الوزارة عن المشاركة بالعمل منذ صباح اليوم الأول فى ساحة «الفن ميدان»، أمام مسرح الهناجر، فقدم السيرك القومى عروضا رمزية مع الآلات الشعبية، فضلا عن عروض غنائية لبعض الفنانين الذين حضروا دون أن يتقاضوا أجرا، منهم الفنان إيمان البحر درويش والفنان أحمد الحجار، كما شاركت الفرقة القومية للفنون الشعبية «فرقة رضا» مع عرض مسرحى آخر لإحدى فرق الشباب. لا شك أن للفنون والعلوم والآداب دورا رئيسيا فى النهوض بكل بلد، لكننا فى مصر، ورغم أننا حققنا فى ظروف أصعب ريادة حقيقية فى العالم العربى، انطلاقا من الإبداع فى العلوم والفنون والآداب، فقد جاء ذلك على خلفية بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية أكثر جدية مما نحياه. يحسب لوزارة الثقافة ولقطاع الإنتاج الثقافى تحديدا نهوضه بهذه المبادرة، وله فضل السبق فى التنويه بأهمية هذا السلاح فى المعركة، استنقاد الوجدان المصرى من كارثة التطرف والإرهاب، لكن ذلك لن ينجح، ووزارتنا ومؤسساتنا تعمل كجزر منعزلة، ولا يجد صاحب المبادرة عونا من أحد، بل تعويقا ممنهجا بفعل الفساد والترهل والأحقاد التى تعوق مؤسسات الدولة عن الانطلاق والحركة، ومن ثم تبقى أقل حيوية من خفافيش الظلام التى لن تنتظر حتى تستعيد مؤسسات الدولة حيويتها بعد أن تحسم خلافاتها وصراعاتها الداخلية.. فى الحرب يا سادة لا يجوز الخلاف، بل لا بديل عن الائتلاف والاصطفاف فى مواجهة الخطر المشترك، ختاما شكرا لقطاع الإنتاج الثقافى على تلك المبادرة وإن خذلتها بعض المؤسسات كالعادة.