كتب - محمد شرف الدين كثيراً ما يُكرر التاريخ نفسه، فلا يكف عن استرجاع وقائعه واجترار أحداثه، يعزو ذلك البعض إلى تكرار البشر لذات الأخطاء، ويؤكدون أنه "لولا الجهل بما كان لما حدث ما هو كائن". ربما لم يكترث لمثل هذه الأقوال العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، وهو يصدر أوامره الملكية، اليوم الأربعاء، بإعفاء أخيه الأمير "مقرن بن عبد العزيز" من ولاية عهد المملكة، وتصعيد ابن أخيه "محمد بن نايف" بدلاً منه، فيما كان القرار الأبرز، تنصيب وزير الدفاع "محمد بن سلمان"، ولياً لولي العهد، وهي السابقة الأولى في تاريخ المملكة، التي يضع فيها أحد أبناء "عبد العزيز آل سعود" ابنه على درجات سُلم الحكم، مما يثير الكثير من الجدل السياسي، وربما التاريخي أيضاً. وصل "يزيد بن عبد الملك بن مروان" إلى سُدة حكم الدولة الأُموية عام 101 ه، خلفاً لابن عمه "عمر بن عبد العزيز بن مروان"، أوصى "يزيد" لأخيه "هشام" بولاية العهد، منصباً ابنه "الوليد ابن يزيد" ولياً لولي العهد، كسابقة أولى أيضاً في تاريخ الدولة، ولم يُمهل القدر "يزيد" كثيراً، فلم تمض أكثر من 4 سنوات حتى داهمه الموت، ليعتلي "هشام" عرش الدولة الأقوى في العالم. يرى بعض المؤرخين أن الدول التي يتم بها تداول السلطة بين الأخوة أبناء الملك المؤسس "الجيل الثاني"، تكون أكثر عُرضة للانهيار والتقسيم عندما يشتم أبناءهم "الجيل الثالث" رائحة العرش، حيث يتنازعه أولاد العمومة، ويدعي كل منهم أحقيته به دون الآخر، غير آبه بمصير الدولة، وبمدى خطر الانقسام الداخلي على مستقبلها ككل، فكأنه "شمشون" يهدم المعبد عليه وعلى أعدائه، أو كأنه أبو فراس الحمداني يقول "إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر". يبدو أن "هشام" قد قرر أخيراً، بعد 20 عاماً من الحكم، أن ينقض عهده مع أخيه "يزيد"، ويطيح ب"الوليد" من ولاية العهد، ليولي بدلاً منه ابنه "مسلمة بن هشام بن عبد الملك"، بعد أن دعمه في هذا القرار عدد من أعيان الشام، ولكن القدر لم يمهله لتنفيذ مخططه، وتُوفي الخليفة الأُموي في عام 125 ه، لتتم البيعة للوليد بن يزيد، حيث استهل حكمه بالانتقام من حاشية عمه التي دعمته في تولية "مسلمة"، مما أثار عليه العديد من القبائل، فانتهز ابن عمه "يزيد بن الوليد بن عبد الملك" الفرصة للقفز على السلطة، فقتل "الوليد" وسيطر على دمشق عاصمة بني أمية، معلناً نفسه خليفة للمسلمين. "أرى تحت الرماد وميض جمر .. يوشك أن يكون له ضرام"، هكذا قال "نصر ابن سيار" والي خراسان في عهد الانقسام الأُموي، والحروب التي اندلعت بين أبناء العمومة للسيطرة على السلطة، قالها ابن سيار محذراً و منذراً وهو يرى "الدعوة العباسية" تتفشى في بلاده تفشي النار في الهشيم، بينما ينهش بني أمية لحوم بعضهم البعض، غير مُبالين بالخطر الداهم المقبل من المشرق تحت "الرايات السود"، كان هذا قبل أن يُتوفى يزيد ابن الوليد، ويخلفه أخوه "إبراهيم ابن الوليد"، ليطيح به ابن عم والده "مروان بن محمد بن مروان"، ويقتله ويصعد إلى سدة الحكم كآخر الخلفاء الأمويين، فلم تمر 5 سنوات حتى كانت رايات العباسيين السوداء ترفرف على دمشق. 7 أعوام فقط عاشتها الدولة الأموية بعد وفاة هشام ابن عبد الملك وانتقال الحكم إلى "الجيل الثالث"، ربما كانت مثل هذه الوقائع التاريخية مخيفة ومؤرقة للعديدين بشأن مستقبل "الدولة السعودية الثالثة"، في ظل اقتراب السلطة من أحفاد المؤسس "عبد العزيز آل سعود"، خاصةً مع ما يُثار عن انقسامات داخل الأسرة الحاكمة، ومحاولة "السديرية"-أبناء زوجة الملك عبد العزيز "حصة بنت أحمد السديري"-ومن بينهم الملك سلمان وابن أخيه محمد بن نايف- للسيطرة على السلطة، بعد ما بدا "انقلاب أبيض" قاده الملك الجديد، عندما أعفى الأمير "مقرن"، الذي ولاه "عبد الله بن عبد العزيز"، إلى جانب العديد من الشخصيات المحسوبة على الملك السابق. أقدم "سلمان"، فور توليه السلطة، على الإطاحة برئيس الديوان الملكي، خالد التويجري، الذي وُصف بأنه "الرجل القوي والمحرك الحقيقي للأحداث" في العهد المُنقضي، كما أقال "مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز" أمير مكةالمكرمة، وأخاه "تركي" أمير منطقة الرياض، وهو ما اعتبره بعض المراقبين محاولة من الملك الجديد للقضاء على نفوذ "الحرس القديم". على غرار الاُمويين يتربص بآل سعود خطر قادم من الشرق، لا يحمل الرايات السوداء، لكنه يرتدي العباءات السوداء، ويخوض حرباَ ضروساً مع السعودية في اليمن، عبر وكلاءه الحوثيين، وفي سوريا عبر وكلاءه البعثيين، فهل يستمع "آل سعود" لنداء "نصر بن سيار"، أم تُضرم النيران على أيدي القادمين من فارس وخراسان.