تتجه أنظار العالم، وأنظار دول الاتحاد الأوروبي بصفة خاصة يوم 7 مايو القادم، إلى بريطانيا التي تجري انتخابات تشريعية عامة، وسط حالة من القلق والترقب لما ستفرزه صناديق الاقتراع، فإما غالبية برلمانية لحزب المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون الذي تعهد بإجراء استفتاء على انسحاب بلاده من الاتحاد الأوروبي، أو غالبية برلمانية لحزب العمال بزعامة إد ميليباند الذي يتهم خصمه بإضعاف نفوذ بريطانيا الدولي، وعزلها عن محيطها الأوروبي، لكنه يتحالف مع الحزب القومي الاسكتلندي الذي يطالب باستقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، وهي مفارقة أخرى قد تختزل مشهد الجمع بين المتناقضات. توجس أوروبي وعكست التجاذبات السياسية خلال الحملات الانتخابية الجارية والمتواصلة، حالة من التوجّس في المحيط الأوروبي من جهة، ولدى الأحزاب المتنافسة من جهة ثانية، والممثلة أساسا في أكبر حزبين هما "المحافظون" و"العمال" والحزب الأقل منهما ثقلا بالمقاييس التاريخية، والأكثر من غيره وزنا بمقياس تأثيره المحتمل في مسار الانتخابات المرتقبة، وهو الحزب القومي الاسكتلندي والحزب الرابع حزب الاستقلال. قضايا مختلفة وعلى إيقاع "رصاص" الكلمات، تشتدّ الحرب الكلامية بين المتنافسين التقليديين، في معركة استحضرت مفردات الهجرة السرّية والحرب على ليبيا، والانتماء إلى العمق الأوروبي بشقيه الاقتصادي والسياسي، ونزعة اسكتلندا "الانفصالية"، لتشكل في مجملها -على تناقضاتها- وقود الانتخابات التشريعية التي ستنطلق وستنتهي بعد أيام، لكنها ستفتح جبهات صراع أخرى أيا كان الفائز فيها. العمال: كاميرون سبب خسارة كبيرة للنفوذ البريطاني اتهم إد ميليباند زعيم حزب العمال البريطاني خصمه رئيس الوزراء وزعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون، بعزل بريطانيا عن عمقها الأوروبي. وحمّله المسؤولية عمّا سمّاها "أكبر خسارة للنفوذ البريطاني منذ جيل كامل". وأشار إلى أن كاميرون تغيّب عن المفاوضات التي كانت قد أجرتها فرنسا وألمانيا في الفترة الماضية مع القيادة الروسية حول الأزمة الأوكرانية. وأضاف أن زعيم المحافظين الذي قاد الائتلاف الحاكم منذ 2010 إلى غاية تقديم استقالة حكومته وحلّ البرلمان تمهيدا للانتخابات التشريعية، جازف بأمن بريطانيا القومي حين تعهد بإجراء استفتاء على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وقال "حان وقت التخلص من العزلة وضيق الأفق الذي اتسمت به حكومة كاميرون"، مؤكدا أن "مقاربة هذه الحكومة أضعفت بريطانيا في وقت تواجه فيه تحديات قد تكون هي الأكبر والأكثر تعقيدا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية". ويرى حزب العمال البريطاني الذي يسعى إلى استعادة الزعامة من حزب المحافظين، بعد نكسات انتخابية سابقة، أن تعامل الحكومة البريطانية السابقة (المستقيلة) مع معضلة الهجرة السرّية، مؤشر قوّي على تزايد ضيق الأفق في سياسات ديفيد كاميرون. وأثارت الانتقادات رد فعل من المحافظين خصوصا بسبب انتقاد ميلباند ل"إخفاق" كاميرون في إدارة الأزمة الليبية بعد سقوط معمر القذافي وحمّله المسؤولية المباشرة عن مأساة المئات من المهاجرين غير الشرعيين في البحر الأبيض المتوسط. ويركز حزب العمال البريطاني في حملته الانتخابية على القضايا الداخلية ومنها التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، واعتبر أن حكومة ديفيد كاميرون أغرقت بريطانيا في العديد من الأزمات. واتهم، ميليباند خصمه كاميرون بالاستسلام لطروحات حزب "استقلال المملكة المتحدة" الرافض للوحدة الأوروبية والمعادي للهجرة والمعروف اختصارا باسم "يوكيب"، مشيرا إلى أن ديفيد كاميرون تعهد بإجراء استفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2017. المحافظون: اليساريون سيدمرون وحدة البلاد حذر رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون الناخبين من أن أمامهم أيام قليلة "لإنقاذ بريطانيا" من تحالف اليسار قبل الانتخابات التشريعية العامة. وقال "لا أستطيع أن أتحمّل رؤية العمل الجيد لمدة خمس سنوات يذهب سدى قبل تحويله إلى الحلم البريطاني الذي يريده الناس، لا تخاطروا بكل شيء، أمامنا أيام لإنقاذ الاقتصاد وتوفير فرص العمل، وعلى نحو فعال لإنقاذ بريطانيا". وتابع "بيت القصيد هنا هو إذا كنت تفكر في ما يريد الحزب القومي الاسكتلندي تحقيقه، إنهم يريدون تفكيك بلادنا، ولذلك إذا كان لديك حكومة حزب العمال يدعمها الحزب القومي الاسكتلندي، فإنك ستحصل على حكومة مدعومة من قبل أناس لا يريدون نجاح هذا البلد". وهاجم ديفيد كاميرون زعيم حزب العمال إد ميليباند واتهمه بالتحالف مع حزب أحدثت طروحاته انقساما داخليا، بدعوته وسعيه إلى انفصال شمال إنكلترا عن جنوبها، في إشارة إلى الحزب القومي الاسكتلندي الذي يعتبر ممثل مواطني اسكتلندا في البرلمان البريطاني، والذي يدعم بقوّة استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، وهو أيضا ثالث أكبر حزب في بريطانيا من حيث العضوية، بعد العمال والمحافظين. وحذّر الناخبين من أن وصول حزب العمال مجدّدا إلى السلطة وتحالفه مع الحزب القومي الاسكتلندي سيمثل مأساة لبريطانيا، مضيفا أن من حقّه التحذير من خطر هذا التحالف. وتعهد زعيم المحافظين بإنهاء ما وصفه ب"الانقسام بين الشمال والجنوب"، وإحداث انتعاش متوازن مع التزامه بالتركيز على الاقتصاد في أول 100 يوم للحزب بالسلطة في حال فوزه في الانتخابات التشريعية.