أثارت زيارة راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة المحسوبة على جماعة الإخوان إلى الدوحة جملة من التساؤلات حول الهدف منها في هذا الوقت بالذات الذي ترددت فيه أنباء حول اجتماع طارئ للتنظيم الدولي للإخوان لمناقشة نتائج الوساطات بين جماعة الإخوان والسلطات في مصر. وقالت مصادر متطابقة ل«العرب» اللندنية، إن الغنوشي الذي غادر أول أمس تونس، شوهد أمس في أحد الفنادق الفاخرة بالعاصمة القطرية صحبة نائبه عبدالفتاح مورو، والإخواني الليبي المعروف علي الصلابي وبعض الوجوه الإخوانية المصرية المقيمة في العاصمة القطرية. وتكتمت حركة النهضة التونسية عن هذه الزيارة، وهي التي عادة ما تُعلن عن تحركات الغنوشي وزياراته الخارجية، حيث سبق لها أن أعلنت خلال الأسبوع الماضي عن زيارات قام بها الغنوشي لإثيوبيا والهند. وبحسب المحلل السياسي التونسي منذر ثابت، فإن هذا التكتم له أكثر من معنى ومغزى، وهو بذلك يُثير تساؤلات مشروعة ونقاط استفهام عديدة حول الهدف من هذه الزيارة التي ترافقت مع تصريحات للغنوشي حول الوضع في مصر دفعت العديد من السياسيين إلى شجبها ورفضها. ولكنه اعتبر في تصريح ل«العرب» أن هذه الزيارة، وبغض النظر عن الأهداف الكامنة خلفها، فهي تؤكد مرة أخرى ارتباط الغنوشي وحركته النهضة الإسلامية بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان. وتابع أن هذه الزيارة تعتبر تأكيدا جديدا على أن التحالف بين حركة النهضة الإسلامية برئاسة الغنوشي، والتنظيم الدولي للإخوان هو تحالف استراتيجي يقوم على أساس علاقة الفرع بالأصل. ولفت إلى أن كل المواقف المرنة أو الليبرالية التي سعى الغنوشي إلى تسويقها خلال الأشهر الماضية، ليست سوى مراوغة منه بهدف الحفاظ على وضعه في الساحة السياسية التونسية، ولتجنب الضغط المُسلط على الإخوان في أكثر من عاصمة. وذهب ثابت في تصريحه ل«العرب» إلى حد القول إن ضغط الدول الحامية والراعية للمشروع الإخواني، وخاصة منها قطر وتركيا، تُعيد الغنوشي في كل مرة إلى المربع الأول، أي الالتزام بتوجهات التنظيم الدولي. ويرى مراقبون أن أهمية هذه الزيارة تكمن في توقيتها الذي جاء متزامنا مع أنباء ترددت في العاصمة المصرية مفادها أن قادة التنظيم الدولي للإخوان دعوا إلى اجتماع طارئ لمناقشة كيفية فك العزلة التي يعيشها هذا التنظيم بعد التضييق الذي شمل دائرة تحركاته وتأثيراته في المشهد المصري، والساحتين الليبية والتونسية. ورجحت مصادر مصرية أن تكون هذه الزيارة مرتبطة بهذا الاجتماع الذي قالت إن يوسف القرضاوي سيُشرف عليه، وذلك لمناقشة تداعيات الأحكام القضائية الصادرة ضد المخلوع محمد مرسي، وعدد من كبار قادة جماعة الإخوان المصرية، بالإضافة إلى بحث نتائج الوساطات والمبادرات التي استهدفت إعادة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي من جديد تحت مُسمى المصالحة. وكان الغنوشي الذي سعى خلال الأشهر الماضية إلى الظهور في صورة مغايرة لتلك التي عرف بها، من خلال أخذ مسافة بعيدة عن الإخوان، ومحاولة النأي بحركته عن التنظيم الدولي لهذه الجماعة المُصنفة إرهابية في عدد من الدول العربية، قد فاجأ الجميع بتصريحات حول الوضع المصري، هاجم فيها بشكل حاد القوى السياسية المدنية في مصر، واعتبر فيها أن "مرسي هو الرئيس الوحيد في العالم المنتخب ديمقراطيا والحبيس في السجن". وأثارت تلك التصريحات التي أدلى بها يوم الأحد الماضي، استياء وغضب الأوساط السياسية المصرية التي رأت فيها تدخلا سافرا في الشأن الداخلي المصري. وكانت تقارير إعلامية أشارت في وقت سابق إلى أن السلطات القطرية والتركية كلفت الغنوشي بإيجاد أرضية مناسبة لعقد مصالحة بين الإخوان والسلطة الحالية في مصر، وقد عرض مبادرة في هذا السياق على عدد من الفاعلين السياسيين العرب والأجانب، منهم أعضاء في الكونغرس الأميركي زاروا تونس خلال الشهر الماضي. غير أن كل الدلائل تُشير إلى أن هذه المبادرة وصلت إلى طريق مسدود، كما تسببت في انقسامات حادة داخل جماعة الإخوان، ما استدعى عقد الاجتماع الطارئ في الدوحة لمناقشة نتائج الوساطات المرتبطة بتلك المبادرة، ومحاولة تخفيف الضغط على جماعة إخوان مصر التي باتت عرضة لعاصفة هوجاء زعزعت أركانها.