سيناء أرض البطولات وملتقى الحضارات وحلقة الاتصال ما بين قارتى آسيا وإفريقيا منذ أقدم العصور، فقد كان لشبه جزيرة سيناء تاريخ حافل موغل فى القدم، إذ أظهرت الدلائل الأثرية وجود مظاهر للنمو العمرانى بها، وخصوصا فى و«ادى الشيخ» و«سهل المرخا»، قد ترجع بداياته إلى ما قبل العصر الحجرى الحديث، أى ما يزيد على عشرين ألف سنة تقريبا. ومع العصور التاريخية فلقد لعبت سيناء دورا هاما باعتبارها البوابة الشرقية لمصر، إذ شكلت دروبها وأوديتها الطرق التى عبرت عليها الجيوش المصرية فى فتوحاتها العسكرية، وكذلك القوافل التجارية المسافرة من مصر أو الوافدة إليها على مر العصور. واستغل المصريون ثروات سيناء الطبيعية منذ فجر التاريخ، خصوصا فى تلالها الغربية، إذ كانت المصدر الرئيسى لمعدن النحاس الذى استخرجوه من منطقتى «سرابيط الخادم» و«وادى المغارة»، وكذلك فقد استخرجوا منها أحجار الفيروز التى قدسوها باعتبارها رمزا للإلهة «حتحور» ربة السماء والحب والموسيقى، وهو ما دفعهم إلى إقامة معبدين كبيرين لها فى «سرابيط الخادم» و«وادى المغارة» باعتبارها «نبت مفكات» أو «سيدة الفيروز»، وأطلقوا اسم «ختيو مفكات» بمعنى «تلال الفيروز» على تلك التلال. ونظرا لقرب هذه المناطق من طرق القوافل بين مصر وما جاورها من الأقاليم السامية فى الأطراف الغربية والجنوبية لساحل الشام، فقد كانت من أهم مناطق الالتقاء بين المصريين والساميين قبيل بزوغ فجر الإمبراطورية المصرية، إذ عثر بها على عديد من النقوش المصرية المسجلة بالخط الهيروغليفى. ولقد عملت بعض القوافل السامية التى كانت تمر بالمنطقة على أن تقلد الكتابة المصرية للتعبير عن مفرداتها الخاصة بها، واتجهوا إلى تبسيطها واختاروا عددا من العلامات المصرية القديمة التى بلغت حتى الآن سبعا وعشرين علامة وغيروا من بعض مدلولاتها لتعبر عن أصوات تتفق مع أسماء هذه العلامات فى لغاتهم، وبالتدريج تكونت الأبجدية التى تعارف الدارسون عليها باسم الأبجدية السينائية المبكرة أو الأبجدية الأم، التى يرجع الفضل إليها فى كونها الأساس الذى تفرع منه عديد من الأبجديات بعد ذلك، إذ انتقلت إلى الشام وتفرعت منها الأبجدية السامية الشمالية التى اشتقت منها الأبجديات الفينيقية والآرامية فى سوريا ثم فى الأطراف الغربية للعراق بعد ذلك، وكذلك الكنعانية فى فلسطين وأواسط الشام والهلال الخصيب. وانتقلت هذه الأبجدية الأم إلى الجزيرة العربية حيث اشتقت منها الأبجدية السامية الجنوبية المبكرة التى تعرف ب«الخط المسند» فى اليمن، كذلك فقد كانت الأبجدية الفينيقية المتفرعة من الأبجدية الأم هى الأساس الذى تفرعت منه الأبجدية اليونانية والتى اشتقت منها الأبجدية اللاتينية التى تعد أساس الأبجديات فى اللغات الأوروبية الحديثة بعد ذلك. وكذلك فقد كانت سيناء هى الأرض المقدسة التى سار عليها أنبياء الله إبراهيم ويوسف وموسى وهارون وعيسى عليهم السلام فى طريقهم إلى مصر، وسارت عليها جيوش الفاتحين بقيادة عمرو بن العاص، حاملة معها نور الإسلام إلى قارة إفريقيا. ونحن فى أشد الحاجة الآن إلى أن تولى الدولة مزيدا من الاهتمام بسيناء الحبيبة بثرواتها الحضارية والطبيعية والبشرية، بما يجعل لها مكانا واعدا على خريطة المستقبل المصرى يليق بتراثها وتاريخها العريق الذى سيظل نبراسا مضيئا على مر الأجيال.