نبيل عمر يحقق: أستميحكم عذرًا، فلن أصف ما ورد فى هذين الخطابين الرسميين من تناقض، حتى لا أتورط فى ألفاظ توقعنا تحت طائلة القانون وتجرجرنى إلى المحاكم، فأى أوصاف «عادية» يقبلها الذوق العام والقانون قد تعد نوعًا من التواطؤ، ولنترك لكم حرية الوصف الذى تختارونه وترونه دقيقا فى تحديد المعنى! هما خطابان صادران من هيئة واحدة هى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، ومن مسؤول واحد هو مديرها التنفيذى، وموقعان فى يوم واحد هو السادس والعشرون من فبراير الماضى، ومضمون الخطاب الأول عكس الثانى تمامًا، الأول يطلب مواجهة فساد بصرامة، متسلحًا بأنه اتخذ جميع الإجراءات والقرارات القانونية، ولم يبق إلا اجتثاثه والتطهّر منه، والثانى يستأذن فى منح هذا الفساد مهلة والمد فى عمره، لحين وصول رد من وزارة البيئة (التى سبق وردت فعلا)! فهل هيئة مشروعات التنمية الزراعية مصابة ب«شيزوفرينيا» حادة وهى لا تدرى؟! وهنا يحق للوزير ورئيس الوزارة أن يرسل الهيئة إلى أقرب مصحة نفسية، فعلاجها واجب، أم هى مصابة بفقدان ذاكرة عمدًا وزغللة فى العيون، بسبب حادثة تصادم طارئة وقعت لها مؤخرًا، فتستحق أن نبلغ النيابة العامة لتحقق فى تفاصيل الحادثة ومطاردة من صدمها عمدًا؟! باختصار الخطاب الأول مرسل إلى السيد اللواء/ محمد عمر هيبة، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، ومصدر له فى أول مارس 2015 يقول بالنص: «يطيب لى أن أرفع لسيادتكم خالص المحبة والتقدير على ما تبذلونه من جهد من أجل محاربة الفساد واسترداد أراضى الدولة.. بالإشارة إلى اجتماع اللجنة الفرعية التنسيقية لمكافحة الفساد بهيئة الرقابة الإدارية، بشأن إعداد آلية وإجراءات إزالة التعديات على الأراضى أملاك الدولة على مستوى الجهات الإدارية للوزارة المنعقدة، برئاسة سيادتكم بتاريخ 2014/1/23، أتشرف بأن أرفق لسيادتكم جميع الإجراءات والقرارات التى اتخذتها الهيئة ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، وما اتخذته أيضًا جهات التحقيق بناء على بلاغات الهيئة بشأن التعديات الواقعة من السيد/ على إبراهيم الشافعى البحراوى على محمية البرلس بمنطقة مطوبس، وكذلك منطقة جونة البرلس، والصادر بشأنها قرار السيد رئيس مجلس الوزراء رقم 1444 لسنة 1988. يرجى التكرم بالإحاطة واتخاذ ما ترونه مناسبا نحو التوجيه لتنفيذ قرارات الإزالة واسترداد أراضى الدولة وتفضلوا بقبول فائق الاحترام المدير التنفيذى لواء مهندس/ أشرف عبد العزيز (توقيع فى 26/ 2/ 2015)». ■ ■ ■ ماذا يعنى هذا الخطاب بالضبط؟! 1- أن هيئة الرقابة الإدارية بها لجنة تنسيقية مع وزارة الزراعة لمكافحة الفساد عقدت اجتماعا فى نوفمبر الماضى، لبحث آليات وإجراءات إزالة التعديات على أراضى الدولة. 2- أن هيئة التنمية الزراعية تُبلغ رئيس الرقابة الإدارية بكل الإجراءات والقرارات حيال تعديات واقعة على محمية البرلس وجونة البرلس، وتطلب من الرقابة التوجيه لتنفيذ قرارات إزالتها. 3- كان مرفقا بالخطاب ملف كامل عن التعديات والإجراءات والحكاية من أولها، منها خطابات متبادلة مع مجلس الوزراء، مع وزير شؤون البيئة، مع وزير الزراعة، مع رئيس الإدارة المركزية الملكية والتصرف (ضعوا مئة خط هنا)، مع المستشار أحمد إدريس رئيس لجنة استرداد أراضى الدولة، مع سكرتير عام محافظة كفر الشيخ الواقع فى دائرتها المحمية، مع مساعد وزير الداخلية مدير أمن كفر الشيخ، ومع مساعد وزير الداخلية مدير شرطة البيئة والمسطحات (الرقابة الجنائية).. إلخ. وعززت هذه المراسلات بصورة ضوئية من جريدة «الوقائع المصرية» الصادرة يوم 8 ديسمبر الماضى، وفيها نص قرار وزير الزراعة بإزالة التعديات، وصورة لقرار الوزير رقم 1982 لسنة 2014 بنفس المعنى، ناهيك بمذكرات قانونية بالزوفة وإجراءات لا أول لها ولا آخر، وكلها ترسم صورة واضحة لما حدث من سطو على مساحة 1474 فدانا من بحيرة البرلس، بثلاثة عقود فاسدة من هيئة مشروعات التعمير والتنمية الزراعية إلى الجمعية التعاونية لتنمية الثروة الحيوانية بمطوبس، ما بين نوفمبر سنة 2000 ومايو سنة 2001، بهدف الاستصلاح النباتى، بينما المساحة بالكامل تقع داخل بحيرة البرلس الصادر لها قرار من مجلس الوزراء فى مايو 1988 باعتبارها محمية طبيعية، أى قبل العقود بعامين، وشكّل محافظ كفر لشيخ وقتها لجنة انتهت فى عام 2006 إلى بطلان العقود بطلانا مطلقا. لا تنسوا أن الجمعية باعت هذه الأرض لعدد كبير من المشترين بعشرات الملايين، خلال فترة الأخذ والرد والتباطؤ المقصود والقضايا المرفوعة من الجانبين! ثم أصدرت الهيئة قرارا بفسخ العقود وجوبيا، وأضافت من عندها أن الجمعية لم تلتزم بالغرض الأساسى من تأسيسها، ثم أصدرت الوزارة قرارًا بحل وتصفية الجمعية فى أكتوبر 2006، أعقبه بعد 7 أشهر قرار من المركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة بإزالة تعديات الجمعية على البحيرة، وتسليم كامل المساحة خالية من الشواغل إلى جهاز شؤون البيئة. صحيح أن المستشار أحمد إدريس، رئيس محكمة الاستئناف وقاضى التحقيق فى الموضوع، أمر فى 25 ديسمبر 2012 بالتحفظ على جميع الأموال العقارية والمنقولة والنقدية والسائلة والحصص والأوراق المالية على ثلاث شخصيات، منها رئيس الجمعية، ومعه اثنان من الهيئة، لكن قرارات الإزالة لم تنفذ أبدًا، تسع سنوات كاملة ضائعة فى أوراق تجىء وأوراق تروح، وقضايا مرفوعة وألاعيب شيحة لمنع تنفيذ قرار الإزالة، وبالمناسبة القرارات الإدارية لا تعطلها أى قضايا مرفوعة، ويبدو أن هذه التعديات كانت تحميها وجوه قبيحة وشخصيات عامة وأشياء أخرى، ولو ذكرنا تفاصيل الأحداث لشاب شعر الوليد ولطمت «النزاهة» خدودها وشدت فى شعرها وأهالت على رأسها التراب، وجلبت أفعى خبيثة تلدغها لتموت وترتاح بعيدًا عن هذا المستنقع! وأخيرًا وصلنا إلى اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد واسترداد أراضى الدولة، ومنها إلى الخطاب الأخير المرسل إلى رئيس هيئة الرقابة الإدارية، لحثه على تنفيذ قرارات الإزالة! ■ ■ ■ هذا هو الخطاب الأول.. فماذا عن الخطاب الثانى؟! الخطاب الثانى مرسل إلى وزير الزراعة، تحديدًا إلى الدكتور على إسماعيل، رئيس قطاع الهيئات وشؤون مكتب الوزير، ويقول بالنص: «بالإشارة الى كتاب سيادتكم رقم 643 بتاريخ 7/ 2/ 2015 والمرفق به صورة من كتاب أمين عام مساعد مجلس الوزراء للاتصال والإعلام، وصورة القرار الوزارى رقم 1982 لسنة 2014، بشأن الالتماس المقدم إلى السيد رئيس مجلس الوزراء من السيد رضا وهبى صلاح محافظ كفر الشيخ وآخرين من أعضاء الجمعية التعاونية لتنمية الثروة الحيوانية بمطوبس، للمطالبة بإرجاء تنفيذ القرار المشار إليه بعاليه بإزالة الجسر الفاصل بين أرض الجمعية وبحيرة البرلس، لحين الفصل فى الخلاف القائم بين الجمعية والهيئة العامة لمشروعات التعمير عن طريق القضاء. يرجى التفضل بالإحاطة بأنه بناء على كتاب السيد الدكتور وزير البيئة للسيد الأستاذ الدكتور وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، والمنتهى كتاب سيادته إلى إعداد حصر لما قامت به الهيئة من تصرفات داخل نطاق حدود المحميات الطبيعية، وعلى ضوء ذلك نرى تأجيل تنفيذ قرار اإزالة المشار إليه بعاليه، لحين رد وزارة البيئة على تصرفات الهيئة. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام المدير التنفيذى للهيئة اللواء مهندس/ أشرف عبد العزيز (توقيع 26/ 2/ 2015 )». فرد عليه الدكتور على إسماعيل فى 4 مارس الماضى بخطاب عاجل قال له فيه: «بالإشارة إلى كتاب سيادتكم رقم 1184 بتاريخ 28 / 2 / 2015، بشأن طلب تأجيل تنفيذ قرارات الإزالة المشار إليها بالكتاب رقم 643 بتاريخ 1/ 2/ 2015، لحين رد وزارة البيئة على حصر تصرفات الهيئة. رجاء التفضل بإفادتنا عن مدى إتمام الحصر وإرساله إلى وزارة البيئة أو العرض على مجلس الوزراء بشأن كتاب وزارة البيئة والتصرفات التى تمت». وأشّر عليه المهندس أشرف عبد العزيز تأشيرة عجيبة: «المبانى والمرافق للاطلاع واتخاذ اللازم حيال الحصر المطلوب لإمكان الرد وذلك خلال 48 ساعة». طبعا لن أسأل، لأن السؤال «حُرم» كما يقول البسطاء فى بلادنا: ولماذا لم يرسل المهندس أشرف رسالة شاملة بالمستندات كتلك التى أرسلها إلى رئيس هيئة الرقابة الإدارية ومرفق بها كل الإجراءات والتصرفات وينتهى الموضوع؟! ولماذا تظل الهيئة تدور فى نفس الساقية دون توقف؟! هل هناك عصابة على عينيها؟! ■ ■ ■ من فضلكم لا تضربوا رؤوسكم فى أقرب حائط، ولا تدعوا اليأس يتسرب إلى نفوسكم، فهذا واقعنا، الذى علينا أن نغيره، ولو لم يكن بهذا السوء، ما وصلنا إلى هذا الدرك الأسفل فى كل جوانب حياتنا، وما سطرنا حرفًا واحدًا مما كتبنا! وتعالوا معًا نعيد قراءة الخطاب.. 1- أن الجمعية إياها قدمت تظلمًا إلى رئيس الوزراء من قرار الإزالة، مدعومًا من محافظ كفر الشيخ، الذى لم يكلف خاطره ويقرأ الأوراق كلها، ليكتشف أن الجمعية بلا وجود قانونى، فكيف يقبل تظلمًا من كيان معدوم الوجود؟! 2- أن مكتب رئيس الوزراء لم يسأل الأسئلة المنطقية التى ترشده إلى قرار؟ وأولها لماذا يرسل المحافظ التظلم إلى رئيس الوزراء وليس إلى الوزير المختص، هل لأن رئيس الوزراء قاعد من غير شغل وقرر المحافظ أن يشغله بعض الوقت قتلًا للملل؟ وهل هذا النوع من القضايا من مهام رئيس الوزراء؟! 2- أن المكاتبات كلها كانت تبحث عن أعذار موقعة من مسؤولين كبار يتحملون تبعة عدم التنفيذ، وليذهب القانون وقرار رئيس الوزراء إلى أقرب مقلب زبالة، ولتذهب المحمية إلى جحيم التلوث. ■ ■ ■ محاولات منع تنفيذ قرارات الإزالة أكثر كفاءة من خطط التنمية، ونظام الصرف المغطى، ومنع انقطاع التيار الكهربائى، ومحاربة الفساد وإصلاح التعليم ومطاردة جماعة الإخوان.. و.. وقبل بضعة أسابيع راحت الجمعية إلى أحد الوزراء، وتظلمت وادعت أن الإزالة سوف تسبب ضررا بالغا لأربعة آلاف عائلة تعيش على أرض بحيرة البرلس، فأرسل إلى وزير التظلم إلى محافظة كفر الشيخ، وكلفها بالبحث عن طريقه لوقف تنفيذ قرار الإزالة، بل أوفد لجنة من مكتبه، للمعاينة على الطبيعة وإعداد تقرير مع سكرتير عام المحافظة، ومدير الزراعة، ومدير جهاز شؤون البيئة، ينتهى إلى ضرورة إيقاف التنفيذ!! ولكن اللجنة وهى تعاين وتقابل الناس، صدمتها المستندات القاطعة، وأسقط فى يدها، ولم تأخذ أى توصية بإلغاء التنفيذ، ما دام أن الأمر معروض أمام القضاء الإدارى، وعادت إلى الوزير بخفى حنين. وعلم الصيادون فى البحيرة بأمر اللجنة، فهاجوا وانهالوا بالتلغرافات على كل الجهات المسؤولة فى مصر، بما فيها رئيس الجمهورية. واتصل صديق للوزير به على صلة بالموضوع، وسأل أن ينأى بنفسه عنه تمامًا ولا يتدخل فيه، لأن الصيادين على استعداد أن يتظاهروا أمام قصر الاتحادية. فسحب الوزير نفسه، وابتعد، وإن كانت مديرية أمن كفر الشيخ قد طالبت بتأجيل تنفيذ قرار الإزالة إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية، مما يتيح لأصحاب الأرض جمع المحصول! لعلم المديرية، الأرض ليست أرضًا زراعية، بل مزارع سمكية، والتحجج بجمع المحصول يستخدم منذ صدور قرار الإزالة.. ويمكن مراجعة ذلك فى ملفها. ■ ■ ■ لم يبق لنا إلا خطاب صغير، خطاب دال أشبه بجرس إنذار، ينبهنا إلى أشياء مهمة. الخطاب يقول: سعادة الباشمهندس اللواء/ أشرف عبد العزيز، مقدمه إلى سيادتكم أ.د.على محمد الشافعى، رئيس الجمعية التعاونية لتنمية الثروة الحيوانية بمطوبس كفر الشيخ، أقدم جزيل الشكر، وربنا يجازيكم عنا جميعا أعضاء الجمعية وأسرهم، البالغ عددهم 4 آلاف مواطن كادح، بوقف قرار الإزالة لحين الانتهاء مع وزارة البيئة من عمل حصر بشأن الأراضى التى تصرفت فيها الهيئة، ومرفق مع هذا الطلب خطاب ومذكرة كانت معدة للعرض على سيادتكم من الإدارة المركزية للملكية والتصرف بتاريخ 2/ 11/ 2104، ومدرج فى هذه التصرفات أرض الجمعية.. إلخ. كان نفسى أسلم على حضرتك 5 /3 /2015». ■ ■ ■ هل وصلتم إلى استنتاج؟ هل ربطتم بين كل هذه الوقائع؟! أرجوكم لا تضربوا رؤوسكم فى أقرب حائط، لأننا مصرون على أن نغير مصر، فهل أنتم مستعدون؟ وفى انتظار رئيس الوزراء