كتب- شريف البراموني: تكتسب شهادة الدكتور أحمد البرعى عن كيفية تمكين الإخوان عن حكم مصر أهمية كبيرة، ولِمَ لا وهو كان شريكا فى إدارة الدولة عبر تقلده منصب وزير القوى العاملة فى أول حكومة شكلت بعد ثورة 25 يناير «حكومة عصام شرف»، وعليه فحين يقطع أن المجلس العسكرى الذى كان يقود البلاد بعد تنحى مبارك هو مسؤول عن وصول الجماعة إلى السلطة، فلا مفر إلا أن يتم التسليم بالمعلومة كحقيقة راسخة، وذلك على طريقة «وشهد شاهد من أهل الحكم آنذاك». «التحرير» التقت البرعى، الذى تقلد أيضًا فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى منصب وزير التضامن الاجتماعى فى حوار مطول فى محاولة لرسم تصور واضح حول مستقبل العمل السياسى فى مصر. بصفتك خبيرًا فى التشريعات الاجتماعية ما ملاحظاتك على قانون الخدمة المدنية الجديد؟ سيكون من الصعب الحكم بشكل كامل على مدى نجاح هذا القانون فى علاج «المشكلات المزمنة» فى الوظيفة العامة فى مصر، إلا بعد صدور اللائحة التنفيذية لهذا القانون، نظرا لأن نحو ثلث القانون (20 مادة)، سيتم بيان شروطها وقواعد تنفيذها وفقا للائحة التنفيذية وهى المواد «1– 4– 5– 6– 7– 8– 10– 13– 17– 18– 19– 24– 26– 29– 31– 32– 34– 47– 66»، ولا يمكن أن نقيم هذه النصوص دون أن نرى كيف ستضعها اللائحة التنفيذية موضع التنفيذ. لكن فى حقيقة الأمر هناك بعض الصياغات فى القانون ينقصها التحديد والانضباط، فعلى سبيل المثال تتحدث المادة «13» عن تعيين الموظف «دون محاباة أو وساطة»، بينما تتكلم المادة «19» عن «ضرورة توافر صفات النزاهة»، وهذه عبارات أدبية ليست محددة، وهى من النظام العام، وكان يكفى ما أوردته المادة «1» من القانون من أن «التعيين فى الوظائف المدنية يكون على أساس الكفاءة والجدارة». وهناك إشكالية شديدة، فالواضح أن القانون تجاهل تماما مبدأ «الحوار الاجتماعى»، خصوصا فى ما يتعلق بالعلاوات الدورية، فنجده حدد هذه العلاوة السنوية بنسبة 5% من الأجر الوظيفى (المادة 36)، بينما من المفروض أن هذه العلاوة تمنح لمواجهة «التضخم» وارتفاع أسعار السلع والخدمات، لذلك كان من الأفضل لو أن القانون جعل هذه الزيادة تقرر سنويا بواسطة مجلس يشارك فيه ممثلون عن العاملين بالخدمة المدنية، وتتحدد العلاوة وفقا لأرقام التضخم المعلنة من الأجهزة المختصة. وعلاوة على تجاهل القانون لمبدأ «الحوار الاجتماعى» تجاهل أيضا الظروف الاقتصادية التى تمر بها مصر، ونجده دون مبرر مفهوم أعاد منظومة الإجازات كما كان الأمر عليه فى القانون رقم «47» «قانون الوظيفة العامة»، خصوصا تحديده عدد ساعات العمل أسبوعيا ب35 ساعة «متوسط 7 ساعات يوميا» «مع تقرير يومى إجازة أسبوعية» «مادة 43»، وهو أمر منتقد فى ظل إدارة يشكو المواطنون من بطء أداء الخدمات فيها. فى حين أن عدد ساعات العمل فى القطاع الخاص هى 48 ساعة بمعدل 8 ساعات يوميا. أما فى ما يخص الإجازة العارضة فجعلتها المادة «45» من القانون «7 أيام» خلال السنة، بينما هى فى القطاع الخاص «6 أيام» فقط، وتحتسب من الإجازة الاعتيادية، ورغم ما سببه الحكم المتعلق بمنح من بلغ سن الخمسين «45 يوما إجازة سنوية» خصوصا بالنسبة إلى مقابل رصيد الإجازات، اندهشت من تكرار نفس الحكم فى القانون الجديد بموجب المادة «46/4». ولكن الغريب، أنه وفى ظل الزيادات الكبيرة فى أعداد المواليد، واتجاه الدولة إلى تنظيم النسل يعيد القانون نفس حكم قانون الطفل فى ما يتعلق بعدد مرات إجازة الوضع «3 مرات طوال خدمة المرأة العاملة» بموجب المادة «49/2» «وكذلك إجازة رعاية الطفل» مادة «50/3»، ولم يستعن واضعو القانون بالحكم الوارد فى قانون العمل 12 لسنة 2003 الذى يقصر عدد مرات إجازة الوضع (وكذلك إجازة رعاية الطفل) إلى مرتين فقط. من جانب آخر لا يمكن تجاهل حكم المادة «67» من القانون، التى تنظم عملية خروج العاملين بالخدمة المدنية وفقا لنظام «المعاش المبكر»، الذى يطمئن العامل إلى حصوله على معاشه بغير انتقاص، وفقا لحالته التأمينية، مع مراعاة إضافة 5 سنوات له، أو المدة الباقية لبلوغه سن الستين «افتراضا»، وهو ما يمكن أن يساعد، وهو أمر مطلوب للتخفيف من التكدس الحاصل فى الوظيفة المدنية. ويجب أن نؤكد العبرة ليست ب«نصوص القانون»، لكن الأهم هو «كيفية تطبيقه»، فالممارسات الإدارية فى مصر، نتيجة لترهل الجهاز الإدارى، باتت تنفذ القانون أحيانا على عكس ما يقضى به «روح القانون»، بل وفى بعض الحالات، على عكس ما جاءت به النصوص صراحة. بعد 4 سنوات من عمر الثورة المصرية وما مرت به من تحديات كبيرة ونحن على أعتاب البرلمان الثانى بعد ثورتين كيف يمكن أن تقيّم تلك التجربة؟ بداية يجب أن أؤكد أن الحملة المسعورة على ثورة 25 يناير، ومحاولة تشويهها سببها أن هناك من يريد أن يبقى الحال على ما هو عليه، ويصر بدأب شديد ورغبة شرسة فى أن مصر لا ترى النور والتغيير، وليس لديه رغبة فى توديع النظام القديم الذى كان يضمن له كثيرا من المميزات، هذا الوضع يصيبنى بالضيق، لكننى غير متشائم، لأنه إذا كانت هناك ميزة مكتسبة لثورة 25 من يناير يمكن أن نتحدث عنها، فهى قدرة الشعب المصرى فى التعبير عن رأيه، فبمقارنة وضع حرية الرأى والتعبير فى مصر فى أثناء عهد مبارك والوضع الآن بعد ثورتين، هذا هو المكسب الأساسى للثورة، لكن يجب أن نعترف أن أهم تعثر تعرضت له تلك الثورة اختطافها من قِبل الإخوان، وأنا على يقين بأنه سيأتى اليوم، ويذكر التاريخ للعالم أجمع، مَن هو المسؤول عن تمكين الإخوان من حكم مصر، وهنا يجب أن أقول الآن ظنى أن المجلس العسكرى الذى كان يقود زمام الأمور حين ذاك شريك فى هذا التمكين، لأن ترتيب المرحلة الانتقالية الأولى من عمر الثورة كان خطأ، وكثير من السياسيين والمفكرين المصريين قالوا هذا للمجلس العسكرى، وأكدوا له أكثر من مرة أن ترتيب المرحلة بهذه الطريقة التى كانت عليها هو خطأ جسيم، لكن المجلس ناصر تلك الطريقة، فعندما بدأ المجلس فى وضع الإعلان الدستورى لوضع خارطة الطريق فى 2011 كانت غالبية الشخصيات التى تم اختيارها للمشاركة فى وضع الإعلان من المنتمين إلى جماعة الإخوان، لكن الشعب المصرى أعلن رفضه للاستسلام وتمسك بمطالب ثورته، وأكد للعالم أنه لن يحيد عنها والمتمثلة فى «العيش.. والحرية.. والكرامة الإنسانية.. والعدالة الاجتماعية»، فخرج فى 30 يونيو لاستكمال ثورته الشعبية التى بدأها فى 25 من يناير، لذلك فأنا أؤكد أن ثورة 30 من يونيو هى ثورة شعبية بامتياز، وليست كما يحاول البعض أن يصورها باعتبارها انقلابا أو ثورة جيش خرج الشعب بعدها، لتأييدها مثلما حدث فى عام 1952، بل على العكس فثورة 30 يونيو ثورة شعبية خرج الجيش وراءها لتأييدها وحمايتها. أما المرحلة الحالة فهى فى غاية الصعوبة، فمصر تنتصر فى معركتها ضد الإخوان، وهى معركة حقيقية، وما يحدث فى سيناء وليبيا يؤكد بوضوح تام المساعى والمخطط لاستهداف مصر من قبل إسرائيل وأمريكا، وبمشاركة فاعل رئيسى هو جماعة الإخوان من أجل توسيع غزة فى سيناء لإعطاء الفرصة لإسرائيل، لتمتد وتتوسع فى القدس، إلى جانب المحاولات الداخلية لعرقلة استكمال الاستحقاق الأخير من خارطة الطريق، فمصر استطاعت أن تصنع دستورها الجديد، وتختار رئيس جمهورية بإرادة حرة، وهو اختيار صحيح تماما، فتلك المرحلة من عمر البلاد كانت فى حاجة إلى اختيار شخص ذات مرجعية عسكرية مثل الرئيس عبد الفتاح السيسى، وهو ما اختاره المصريون بوضوح، فبغض النظر عن رفض قانون الانتخابات أو تقسيم الدوائر فسيكتمل، أما ما تعانى منه الأحزاب السياسية من تفكك فالثورة المصرية وخارطة الطريق بريئة منه، وقد بات وضع الأحزاب وكأنه من صنع الحكومة، والأحزاب الموجودة الآن هى وليدة ثورة 25 من يناير، وهى مدة قصيرة من عمر الشعوب لا تؤدى إلى انتعاش الحياة السياسية، فرغم أن الدستور المصرى أقر بأن انتعاش الحياة السياسية مرتبط بتعدد الأحزاب، فإننى أشك أن يكون قانون الانتخابات الحالى معبرا عن ذلك. تحدثت عن أن هناك أشخاصا يحاولون إرجاع النظام السابق مَن هؤلاء؟ وما امتيازاتهم؟ بشكل واضح أعضاء الحزب الوطنى ورجال أعمال، فأمين عام الحزب والذى كان سببا فى اندلاع ثورة 25 يناير نتيجة ما قام به فى انتخابات 2010 من تزوير فج متقدم الآن، إلى جانب بعض الوجوه التى ما زالت على الساحة السياسية والاقتصادية للبلاد والتى باركت عملية التوريث هى الأخرى ترى أن من حقها إرجاع ساعة التاريخ إلى الخلف من أجل عودة نظام مبارك، وليس خافيا على أحد حجم الامتيازات التى حصل عليها مروجو ومناصرو نظام مبارك، وأتذكر هناك أن أحد الأشخاص الذين تحدثوا معى عن أسباب انضمامهم إلى الحزب الوطنى مؤكد أنه لم ينضم نتيجة قناعة بفكر وأيديولوجية الحزب الوطنى، لكن من أجل رغبته فى أن يكون «عمدة»، فلا يمكن أن يحصل على هذا المنصب حتى يكون عضوا بالحزب الوطنى، وحتى أكون أكثر شفافية وصراحة فإن الثورتين لم تستطيعا تجاوز الفساد، فما زال الفساد موجودا داخل الهيكل الإدارى بشكل واضح، لذلك أنا مختلف مع حكومة المهندس إبراهيم محلب، ورغم مشاركتى فى حكومتين جاءتا بعد 25 يناير و30 يونيو، ورغم نصائح عديد بضرورة عدم المشاركة فى الحكومة الأخيرة نتيجة الأوضاع السياسية لجبهة الإنقاذ فإننى لبيت نداء الوطن، لكن لا بد أن أعترف أنه رغم عدم مشاركتى فى أى منصب فى عهد مبارك والإخوان، لكنى مثل كثيرين أعانى من التأثر بطبيعة نهج التفكير فى عهد مبارك والمتمثل فى إقصاء الشباب عن المشاركة، وتحمل المسؤولية فلا بد بعد الثورة أن نفسح المجال وبصدر رحب للشباب لتحمل المسؤولية وقيادة البلاد، ويجب على المهندس محلب بأن يبادر بذلك بمنح كامل الفرصة للقيادات الشبابية فى تحمل وقيادة المسؤولية فى البلاد. مصر تمر بمرحلة دقيقة على المستوى الدولى ماذا عن تقييمك للسياسة المصرية الخارجية؟ مصر تنتهج سياسة خارجية يمكن وصفها بالجيدة، خصوصا منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى، لكن هناك كيلا بمكيالين من جانب الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدةالأمريكية فى ما يخص مواجهة مصر للعمليات الإرهابية، فعندما أصبح الوضع فى مصر يمر بضرورة مواجهة الإرهاب أصبح هناك حديث عن شرعية مزعومة لنظام أسقطه الشعب المصرى فى 30 يونيو، لكن هناك جانبا فى غاية الأهمية وهو زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للصين، وهو الأمر الذى يذكرنى ببعثات محمد على لأوروبا، لذلك لا بد أن تأخذ نتائج الزيارة بعدا مهما، وهو تدريب الأيدى العاملة المصرية ونحن فى حاجة إلى نوعية من الإنتاج لاستيعاب تلك الأيدى إلى جانب التطور التكنولوجى الذى وصلت إليه الصين، فنحن فى حاجة إلى خلق مزيج بين تلك المزايا، وتجارب الصين فى ذلك ناجحة جدا، لهذا يجب أن نبادر بإرسال بعثات من الأيدى العاملة إلى الصين لنستفيد من تلك الخبرات. تجربة التحالفات الحزبية أثبتت فشلها أكثر من مرة فى مصر بعد ثورتين لماذا؟ هذا صحيح، لكن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، فالتجربة الحزبية الجديدة فى مصر بعد الثورتين ما زالت وليدة، ولا يمكن الحكم عليها بشكل نهائى، لكنها تحمل أخطاء النشأة وأمراض الماضى، وأهم ما يمكن لنا الحديث عنه هو عدم الالتزام الحزبى كأحد معايير النجاح، فنلاحظ أن بعض الشخصيات عندما يأخذ الحزب قرارا بعدم خوض الانتخابات ينسحبون منه ليخوضوها، إلى جانب عدم الدقة فى اختيار الشخصيات المناسبة لعملية التحالف، فهناك البعض يرى فى شخصية ما ركيزة لخوض العملية الانتخابية نتيجة لتاريخه السياسى على سبيل المثال، وبغض النظر عن إمكانيات حزب أصغر لديه شخصية أكثر تأثيرا فى خوض الانتخابات، وهناك أمر آخر وهو سلطة رأس المال، فتجربة الأحزاب الاشتراكية تؤكد أن فقر الحزب للموارد المالية يؤثر فى سيره وقدرته على الدخول فى تحالفات، وهناك بعض أمراض الماضى فى ما يُعرف بالمخبر الحزبى والمخبر الإعلامى اللذين يفسدان عملية البناء الحزبى، وتدخل الدول العميقة من خلال بعض الجهات فى سير العمل الحزبى، وهو الأمر الذى يجب أن يقف. البرلمان المقبل عليه مهمة صعبة وتحدٍّ كبير فى سن تشريعات تخص العدالة الاجتماعية والحريات ووضع الأحزاب وربما يكون غير مؤهل لذلك وتاريخ الدولة المصرية يقول إن هناك بعض التشريعات كانت تتجاوز الدستور فما تعليقك؟ هذا الأمر صحيح تماما، لكن يجب أن نقول، إن البرلمان المقبل لن يكون الفريد الذى تسيطر عليه سلطة رأس المال، لكن الأمر الذى يدعو إلى التفاؤل هو أن عديدا من قيادات الأحزاب السياسية الصغيرة أكدت لى أن هناك نية حقيقية للاندماج فى حزب كبير بعد الانتهاء من المعركة الانتخابية، وهو أمر جيد على مستوى خلق حزب كبير له قواعد جماهيرية تنتمى قاعدته الأساسية إلى الشباب الذين يجب أن يتصدروا المشهد السياسى رغم محاولات الدول العميقة لتشويههم وإقصائهم