شهدت مصر ثلاث انتخابات فقط شهد لهم جميع المؤرخين بنزاهتها الكاملة، اثنين منها قبل ثورة 1952، وواحدة بعد الثورة في عهد الرئيس السادات. ومثل أي انتخابات نزيهة في ظل حكومة أتوقراطية، فإن جميعها آتت بأغلبية مجلس نواب معارض للحكومة، وكلها أعقبها انتكاسة لنزاهة الصندوق بلجوء الحكومة للتزوير الأصوات لاستبعاد المعارضة التي تحظي بمؤازرة الشعب. الانتخابات الأولى 1924 جرت الانتخابات النزيهة الأولى، في أجواء تاريخية بعد ثورة 1919، حيث أصدرت بريطانيا تصريح 28 فبراير الذي يعطي استقلالًا نسبيًا لمصر، وكذلك صدر دستور 1923، وهو أول دستور يتم تفعيله في تاريخ مصر الحديث، وينص على إقامة حياة نيابية في مصر يشارك الشعب في حكم البلاد من خلال مجلس نيابي يختار الشعب أعضاءه، ويقوم الحزب الذي يحظي بأغلبية الأعضاء بتشكيل الحكومة. وكان هذا الدستور خطوة مهمة للحياة الديمقراطية، ولكنه لم يخل من أوجه النقد مثل أنه أعطى الملك الحق في حل البرلمان وإقالة الوزارة، مما مكن الملك وهو صاحب السلطة التنفيذية من التحكم في السلطة التشريعية وهى البرلمان. وفي 23 يوليو 1923 ألغيت الأحكام العرفية، وخاض حزب الوفد بزعامة سعد زغلول الانتخابات في يناير 1924، وجاءت النتيجة بفوز ساحق للوفد واقتنص غالبية مقاعد البرلمان، بينما نجح عدد قليل من حزب الأحرار الدستوريين برئاسة عبد الخالق ثروت. وشكل سعد زغلول، الوزارة، برئاسته فكان أول مصري من أصول ريفية يتولى هذا المنصب وسميت وزارته بوزارة الشعب. لم يكن قبول الملك فؤاد بالدستور، وتنازله عن صلاحياته لصالح نظام ديمقراطى، يملك فيه ولا يحكم، إلا قبول المضطر، وظل ينتظر اللحظة للانقضاض على النظام، حتى قام بحل برلمان 1924 في 24 ديسبمبر وتكليف زيوار باشا برئاسة الوزارة. الانتخابات الثانية 1950 جاءت الانتخابات النزيهة الثانية، في ظروف مختلفة، فقد كان من مصلحة بريطانيا أن يتولي حزب الوفد رئاسة الوزراء، لأنه القادر على التحكم في الحركة الوطنية بعد تدهور شعبية الملك فاروق. أما فاروق رأى أن يقوم بلعبة سياسية تُحسب له بعد تدني مركزه، وذلك بتخفيف حدة الهجوم على الوفد وإبداء مرونة في دخول الوفد في وزارة قومية، وفي الوقت نفسه رأى الوفد أن من مصلحته المواءمة مع فاروق للوصول إلي الوزارة. ومن ثمار هذا التقارب دخول الوفد في وزارة حسين سري القومية التي استمرت حتى جرت الانتخابات في 3 يناير 1950 وفاز فيها الوفد بأغلبية ساحقة، وقام النحاس بتشكيل الوزارة الرابعة للوفد والأخيرة لمصطفى النحاس. الانتخابات الثالثة 1976 دخلت الحياة النيابية فترة خمول طويل، في عهد جمال عبدالناصر، لم تخرج منه إلا عندما أعاد السادات التعددية الحزبية وقامت انتخابات 1976 وهى الانتخابات النزيهة الثالثة التي جاءت بشخصيات معارضة لسياسة السادات وخاصة اتفاقية كامب ديفيد، وانتهى الأمر بحل المجلس عام 1979، وإقامة انتخابات أخرى جري فيها التزوير على نطاق واسع لتأتي بمجلس نواب وافق على معاهدة السلام مع إسرائيل باستثناء صوت واحد، هو صوت المستشار ممتاز نصار عضو مجلس النواب عن دائرة البداري أسيوط، وهى الدائرة الوحيدة التي لم تفلح الحكومة في تزوير أصواتها. ويظهر جليًا من تاريخ هذه الانتخابات الثلاثة أن قيام انتخابات حرة ونزيهة مرة واحدة لا يدل على وجود قاعدة ديمقراطية لحكم الشعب وتداول السلطة، وأن الشعب يجب أن يظل واعيًا ولا يسكت أمام أي انتكاسة لنزاهة الصندوق حتى يتم ترسيخ هذه القاعدة بصورة تمنع أي انقلاب عليها من السلطة التنفيذية الممثلة في الرئيس أو الحكومة.