بالأمس توقفت بى السيارة عند ميدان الأوبرا أمام تمثال إبراهيم باشا، صدم عينى قبح الجراج متعدد الطوابق عن يمين التمثال، أدرت عينى ولكنى أبصرت عن شمال التمثال مبنى إداريًّا أشد قبحًا، تنهدت وتذكرت الأوبرا الخديوية التى احترقت عام 1971 وحل محلها فى ما بعد هذا الجراج، وكذلك تذكرت ملهى «صفية حلمى» الذى تحول إلى مسرح «نيو أوبرا»، والذى تمت إزالته وحل محله هذا المبنى الإدارى الأسمنتى المفعم بالقبح. هذان المبنيان كلاهما حوّل الزمن إلى زمن بلا ذكرى، أغمضت عينى وتخيّلت ما قد يكون حدث ليلة افتتاح الأوبرا، غمرت أنفى روائح عطرة وأنا أمشى فى خريطة المكان التى اتسعت بى وأخذتنى إلى حيث تصدر الموسيقى ويتألق الفن والإبداع، ثم فجأة لفحت وجهى النيران التى اشتعلت فى المبنى القديم، وصم أذنى طقطقة الآلات الموسيقية ولوحات كبار المصورين ونوتات مئات الأوبرات وهى تتحوّل إلى رماد بفعل الحريق، ويتحوّل معها الزمن إلى ذكرى. لماذا لا نستطيع أن نعيد الأشياء كما كانت عليه؟ لماذا يحل دائمًا القبح والعتمة والغبار مكان كل شىء جميل؟ span lang="AR-SA" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-ascii-theme-font:minor-latin;mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin"إذا بحثنا عن أماكن الجراجات ذات الكتل الأسمنتية والطوابق المتعددة سنجد أنها حلّت محل مبنى أو مؤسسة أو بيت أو قصر، كان تجسيدًا للجمال والفن، كأن شخصًا ما يريد للقبح أن يكمل إيقاع دورته. span lang="AR-SA" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-ascii-theme-font:minor-latin;mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin"لكن بين كل الأمور، لا شىء أشد قبحًا من اقتلاع الأشجار ومحو مساحات خضراء هى الرئة التى تتنفس بها الأماكن. هذا ما حدث وما يحدث الآن لحديقة الميريلاند التى تعتبر من كبرى حدائق مصر الجديدة، وربما من كبرى حدائق القاهرة، وكانت بها بحيرة البط والبجع والمطعم العائم والعديد من الأشجار العالية والوارفة الظلال النادرة. شهدت هذه الحديقة ما سماه الأهالى بمذبحة الأشجار تتم ليلًا وبسرية تامة، كما يفعل أى لص جبان، وعندما احتج الأهالى، صرّح اللواء هشام خشبة، رئيس حى مصر الجديدة، بأن الحديقة ملكية خاصة لشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير ، والتى أجّرتها لأحد المستثمرين الذى بدأ فى تطويرها طبقًا للرخصة الصادرة له من الحى، والتى تسمح له بإقامة مبنى، وإقامة جراج تحت المبنى. وأضاف: الحديقة مليئة بالأشجار الكثيفة، ولذلك بدأ المستثمر تقليمها وتهذيبها! span lang="AR-SA" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-ascii-theme-font:minor-latin;mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin"هذا المخطط تم وقفه من قبل فى 2010 بأمر من عبد العظيم وزير، محافظ القاهرة، للتعدى على المساحات الخضراء، وها هو يعود مرة أخرى تحت مسمى التقليم والتهذيب . ما الذى يجرى؟ هل كل شىء يعود إلى أسوأ مما كان عليه، وكأن ثورة لم تقم وكأن الفساد آخذٌ غفوةً لمدة سنتين أو ثلاث وعاد أشد وأقوى؟! span lang="AR-SA" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-ascii-theme-font:minor-latin;mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin"أين وزير البيئة ومحافظ القاهرة من هذا الأمر ومن قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009 والذى ينص على معاقبة كل مَن يتعدّى على الأشجار بالقطع، بالحبس أو الغرامة؟ span lang="AR-SA" style="font-family:"Arial","sans-serif";mso-ascii-font-family: Calibri;mso-ascii-theme-font:minor-latin;mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin"إن حديقة الميرلاند هى منفعة عامة، هى الرئة التى يتنفس بها سكان الحى، ويجب أن يتم حل هذا الأمر مع شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير . لا يحق لمستثمر أيًّا كان وضعه أو حجم استثماراته أن يشوه المدينة ويقتل أشجارها ويبنى مكانها جراجات أو مبانى قبيحة، فتتحول القاهرة إلى صحراء جرداء فى الوقت الذى ندعو فيه إلى تعمير الصحراء! أوقفوا قتل الأشجار.. أوقفوا قتل الحياة. دعونا نسمع نسخ الأشجار تجرى فى عروقها، وأن نوقف التوابيت الخرسانية لدفن هذه الأشجار.