كتب - أحمد مطاوع: عاصرت السينما المصرية منذ نشأتها العديد من الفنانات اللاتى برعن فى تجسيد دور الأم، أبرزهم على الإطلاق أمينة رزق، وفردوس محمد، ومارى منيب، وعزيزة حلمى، وعقيلة راتب، وكريمة مختار، وحديثاً برزت كلاً من عبلة كامل، ولبلبة، ورجاء الجداوى. وارتكزت المحاور الفنية لملامح شخصية الأم فى السينما القديمة، على "البسيطة، الكادحة، الحنون، القوية" التى تشقى ليل نهار على أبنائها الأيتام الذين توفى والدهم وتركهم صغار، وظل كل ما يشغل بالها أن يصل أولادها إلى أعلى مراتب العلم كى يستطيعوا أن يحصلوا على وظيفة كبيرة تعوض صبرها الطويل، إلى جانب حسن تربية بناتهم و"تستير" بناتها من خلال الزواج، وكذلك "ربة المنزل" التى تقضى يومها فى خدمة أبنائها وتربيتهم، سواء من ناحية المآكل والمشرب، أومتابعتهم فى الدراسة والمذاكرة، أوأعمال الغسيل والنظافة، وأمور الحياة اليومية، إلى جانب الزوج وإحتياجاته. وبرزت شخصية الأم "الحماة" التى تتسم ما بين الشدة والغيرة على أولادها ومحاولة تسيير حياتهم بطريقتها الخاصة معتمدة على إختلاق المشاكل، وإن كان فى كثير من الأحيان يحمل ذلك طابعاً كوميدياً، وأيضاً ظهر دور الأم "الثرية" التى تسكن القصور وتسعى دائماً إلى إسعاد أبنائها وترفيههم دون إخلال بتربيتهم. وإن كان دور الأم فى الشاشة الفضية قديماً أخذ مناحى مختلفة، إلا أن إنكار الذات والزهد فى متع الحياة كان أبرز العوامل المشتركة بين هذه الملامح، إلى جانب حسن التربية وإعلاء القيم الأخلاقية، ومراقبة سلوك الأبناء وتقويمهم، وحثهم على التطلع دائماً للأفضل بكل شرف وجد وإجتهاد. وعلى العكس تماماً من ما رسمته السينما الحديثة، فقد تحولت ملامح شخصية الأم لتأخذ منهاجاً آخر صدرته لنا الشاشة الفضية، دمر الصورة العريقة التى عاهدناها قديماً، فأصبحنا نرى "الأم الشعبية" التى تسعى إلى تربية أبنائها على أنماط سلبية من السلوك كالإستذكاء، والفهلوة أو إتباع العنف، والبلطجة، والإستقواء بالسلاح، كوسائل أمثل للعيش والحصول على قوت اليوم، بحجة أن هذه السلوكيات هى مصادر قوة الفقراء فى مواجهة بطش وظلم المجتمع، وبرز ذلك خلال الأدوار التى قدمتهت عبلة كامل فى أفلامها مع الفنان محمد سعد بداية من "اللمبى". وظهرت أيضاً "الأم الأصولية" المتمسكة بالعادات والتقاليد القديمة، التى تفشل فى مجراة وفهم أبنائها المنفتحين على العصر والمرتبطين بكل وسائله، والمنجرفين بسلوكياتهم للواقع المصاب بإنحدار على كافة مستوياته، الأمر الذى ولد فجوة واسعة فى العلاقة بينهم، ونشب على أساسها صراع الأجيال المعهود، كالدور الذى قامت به لبلبة فى فيلم "عائلة ميكى". وأبرزت السينما أيضاً، "الأم المتحررة" التى تأتى رفهيتها الخاصة على رأس أولوياتها، وتطلق المساحة لأبنائها للعيش حياة مستقلة دون التدخل فى أى من أمورهم، سواء السلوكية أوالعلمية، أوالصدقات المنفتحة المتحررة لكلا الجنسين، حيث تحولت علاقة الأمومة بينهم ك"التيك واى"، وكذلك شخصية "الأم الطموحة" التى أعطت لعملها وطموحها الشخصى أولوية كبيرة على حساب أبنائها، و"الأم العاملة" التى سافرت مع زوجها للعمل بالخارج من أجل تأمين مستقبل أولادهم، حتى تحولت العلاقة إلى زيارات تتم على فترات طويلة تصل لسنوات، كمثلاً دور الأم "المودرن" الذى جسدته الفنانة رجاء الجداوى فى فيلم "السلم والثعبان". وإن كان الربط بين ملامح شخصية الأم والتحولات التى طرأت عليها، ومدى التمسك بالقيم المجتمعية والأخلاقية من عدمه، قد ارتبط بشكل أساسى بالتغيرات التى حدثت فى المجتمع سواء من النواحى الإجتماعية أوالإقتصادية أوالسياسية، وما صاحب ذلك من انحدار وتدنى شديد على مدار العقود الماضية، وسط تصارع وتكالب شديدين على الحياة ولقمة العيش، وضعف الفرص لتحسينها، فى ظل غياب العدل والمساوة، وتلاشى طبقات المجتمع وإزدياد الفقير فقراً والغنى ثراءًا.