لماذا أنزل الله سبحانه وتعالى الأديان؟! هذا هو السؤال، الذى انتهى به البريد، الذى تم نشره أمس، من الصديق حازم، من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وحازم هذا مسلم، ولكنه، مثل الغالبية العظمى من المسلمين، مذعور من كل الوحشية والجرائم والدموية والأعمال الشيطانية، التى تُرتكب باسم الدين زورًا وبهتانا من أناس زيَّن لهم الشيطان الشرور بأن ألبسها فى أذهانهم ثوب الدين. الواقع يا حازم أن سؤالك هذا هو نفسه ما دار فى أذهان بعض مَن كرهوا ما يُرتكب باسم الدين، فنبذوا كل الأديان، ورأوا أنها تجلب الشر وحسب، على الرغم من أن هذه الأفعال التى أثارت اشمئزازك واشمئزازنا لا تمتّ بصلة من قريب أو بعيد إلى الدين، فالله سبحانه وتعالى خلق الأرض وعمّرها بالبشر وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا لا ليتقاتلوا. ولكى يتعاملوا معًا على اختلاف هوياتهم كان لا بد من دستور ينظّم علاقاتهم، ويضع لها الأسس والقواعد التى يسيرون عليها، ومن هنا وُجِدت الأديان، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إنما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق ، هذا لأنه بُعث رحمة للعالمين، من خلال نقله لرسالة الله سبحانه وتعالى إلى البشر، أن يتعارفوا ويتراحموا، ولكنّ هناك شيطانا (إبليس) رفض أن يسجد لآدم، ورأى أنه شر خالص، وهو منذ ذلك الحين يحاول أن يثبت لله سبحانه وتعالى أن البشر ليس فيهم من خير، والشيطان يكمن فى العقول ويعبث بها طوال الوقت ويستغل شهواتها، ليعيد توجيهها إلى كل ما يهدم الدين، وليثبت شر البشر، والشيطان شاطر يا حازم، ولهذا فهو لا يلعب على نحو مباشر أبدا، لأنه يدرك أن الله سبحانه وتعالى موجود فى كل مخلوقاته، ولهذا فبذرة الخير جزء من تكوين كل بشرى، فكيف يغلبها، وهى غير قابلة للمحو أو الإزالة؟! الوسيلة الشيطانية التى وجدها هى أن يدفع البعض إلى ارتكاب أبشع الشرور عبر إقناعهم أن هذا هو الخير كله فيرتكبون الشرور ويصيرون عبدة للشيطان يسجدون لأوامره وينفذون بشاعاته ويرون -لضعف عقولهم- أنهم يصنعون كل الخير، لهذا اصطفى العزيز الحكيم من عباده أُولى الألباب، أصحاب العقول، القادرين على التفرقة بين الخير والشر، حتى ولو حاول الشيطان عكس الحقائق فى عقولهم، ولأن التوزيع الهرمى الطبيعى للبشر يضع أولى الألباب بعدد قليل على القمة، وأصحاب العقول الضعيفة والمفاهيم المحدودة عند قاعدة الهرم، بأعدادهم الكبيرة، أرسل الله عزّ وجلّ رسله لتوضيح الرؤية وكشف الغيمة الشيطانية على العقول، وهذا دفع الشيطان إلى الهجوم بشراسة أكبر لتشويه الصورة فى العقول، ونزع الرحمة من القلوب، وحجب الحق عن الأبصار. ما ترفضه يا حازم ليس الدين، لأن ما تكرهه عبر التاريخ ليس الدين، بل هو الحرب ضد الدين، وكرهك لها يعنى أن فكرتك سليمة، وإحساسك بالصواب والخطأ والحق والضلال ما زال قائما، والشيطان لم ينجح فى حجب بذرة الخير داخلك بعد، فاطمئن، أنت إنسان يدرك الطريق الصحيح، لا المسار المشوّه، الذى رسمه الشيطان لكل المتطرفين، الذين يعبدونه ويطيعونه من دون الله سبحانه وتعالى، الله سبحانه وتعالى، بفطرتك التى خلقك عليها وبذرة الخير التى زرعها فى أعماقك، جعلك تقاوم همزات الشيطان، وترى الخير فى وضوح، ولهذا يا حازم أنزل الحَكَم العدل الأديان، كل الأديان.