واحد من أعلام الكوميديا المصرية التلقائية الخالصة، ظلمته الحقبة الزمنية التي لمع فيها، اتهمته تارة بالابتذال، وتارة أخرى بالاسفاف، والاستخفاف بالمشاهد، إلا أنه ظل بعيدًا عن سيل الاتهامات التي تلقها في حياته، وبعد وفاته، واحتفظ بمكانة كبيرة في قلوب محبيه من الجمهور. في ذكرى وفاته ال18 يظل صاحب«الجنة البائسة» بشوشًا في قلوب محبيه عاطف الأشموني ولد الفنان محمد عوض، في 12 يونيو 1932، وتخرج من كلية الآداب، جامعة عين شمس، عام 1957، وأثناء دراسته لمع نجمه في مسرح الجامعة، فما كان منه إلا أن التحق عقب تخرجه ب"المعهد العالي للفنون المسرحية" ليتخرج منه عام 1962، ولأنه موهوب بالفطرة، اجتاز اختبارات فرقة مسرح التليفزيون، وسرعان ما لمع اسمه في أولى مسرحياته مع الفرقة عام 1962، وهي "جلفدان هانم"، وكل من شاهدها سيذكر صرخته الخالدة "أنا عاطف الأشموني مؤلف الجنة البائسة". ربما لم يدرك عوض وقتها، أن صرخته ستصبح أنسب عنوان لحياته التي قضاها في عطاء فني لا محدود، بدء عروض رحلته السينمائية عام1960 ، بفيلم "شجرة العائلة"، ثم فيلم "الأزواج والصيف" عام 1961، واستمر في أدوار صغيرة نسبيًا حتى كون هو وصديقه حسن يوسف، ثنائي شقاوة السينما المصرية، حيث قدم الاثنان بمشاركة أحمد رمزي، فيلم "آخر شقاوة" عام 1964، للمخرج عيسى كرامة. وفي عام 1965 قدم الثلاثي فيلمهم الجديد، بعنوان "المغامرون الثلاثة" مع السندريلا سعاد حسني، ومن إخراج حسام الدين مصطفى، قدموا أيضا فيلم "الأصدقاء الثلاثة" عام 1966، وبعدها انفصل عوض بشكل مؤقت عن حسن يوسف، ليسير كلًا منهم في طريقه، فقدم عوض عدة أفلام منها "حواء والقرد"، و"أكاذيب حواء"، و"شهر عسل بدون إزعاج"، و"كيف تسرق مليونير"، وغيرها. وتأكيدًا على أصالة موهبة عوض غير العادية، اختاره أستاذ الكوميديا فؤاد المهندس، ليقدم معه عدد من الأفلام، بدأت عام 1966 في فيلم "أجازة بالعافية" من إخراج نجدي حافظ، وفيلم "شلة المحتالين" عام 1973، وإخراج حلمي رفلة. وبعد رحلة مابين فشل ونجاح في السينما، يحن عوض إلى فكرة الثلاثي، والبطولة الجماعية، فيقدم هو وصديق عمره حسن يوسف، وينضم إليهم الوسيم يوسف فخر الدين، عددًا من الأفلام بدأت عام 1970، بفيلم "أصعب جواز"، من تأليف وإخراج محمد نبيه، و"شياطين البحر" عام 1972، تأليف عدلي المولد، وإخراج حسام الدين مصطفى، "البنات والمرسيدس" عام 1973، للمخرج حسام الدين مصطفى أيضًا، وفي نفس العام، واستثمارًا للنجاح قدم الثلاثي "عوض، وحسن، وفخر الدين"، مع حسام الدين مصطفى، فيلم "الشياطين في أجازة"، كما أعاد محمد عوض، ويوسف فخر الدين، وانضم لهم نور الشريف، إنتاج مسرحية "مدرسة المشاغبين" في العام نفسه. وقدم عوض، عددًا من الأفلام في تلك الفترة، مثل "عريس الهنا"، و"باي باي ياحلوة"، و"رحلة العجائب"، و"البنات والحب"، و"عايشين الحب"، و"شقة للحب" و"احترسي من الرجال يا ماما"، و "مجانين بالوراثة"، و"أخواته البنات"، و"صائد النساء"، و "الحلوة والغبي"، وكانت آخر أعماله السينمائية عام 1994، بعنوان "عقلي طار"، بينما يعتبر البعض أن آخر أعماله في السينما كانت عام 1992، في فيلم "أي أي"، للمخرج سعيد مرزوق. 100 مسرحية وفي المسرح، نافس عوض نجوم المسرح المصري، برصيد هائل من المسرحيات حيث قاربت أعماله من 100 مسرحية، معظمها اهمال موظفي أرشيف التليفزيون، ولكن لا يمكن أن ننسى دوره في مسرحية "جلفدان هانم"، أو دوره في مسرحية "نمرة 2 يكسب"، أو"أصل وصورة" أو "المهزلة"، وغيرها من المسرحيات التي أمتعنا فيها عوض بتلقائيته المذهلة. نمرة 2 يكسب ورغم أدواره الكثيرة، والتي بلغت حوالي 120 عمل، يجب التوقف أمام عملين تحديدًا، الأول هو "فيلم المجرم"، والذي قدمه عوض عام 1978، مع رفيق دربه حسن يوسف، وزوجته شمس البارودي، ومن إخراج رائد الواقعية صلاح أبو سيف، الفيلم مقتبس عن رواية ل"إميل زولا" الأديب والصحفي الفرنسي، وسيناريو نجيب محفوظ. ولم يقدم عوض، في هذا الفيلم الكوميديا المتوقعة، من شخص يعاني تأخر عقلي، لم يبتذل أو يسف بل جعل الشخصية، تتحرك كما هي، وإذا أخرجت حركاتها، وتصرفاتها كوميديًا، كان بها وإن لم تفرز تلك الكوميديا فلن يلوي ذراعها ليضحكنا، أو يجعلها مهرج على الشاشة، في هذا الدور تحديد يظهر جزء خفي من مقدرة عوض التمثيلة التي للأسف ظلمتها فترة السبعينات، بكل ما حملته من مساوئ، وأخطاء وصلت أحيانًا إلى حد الخطايا، ويتجلى أداء عوض في لحظة قتله، على يد "منير"حسن يوسف، الذي طمع في زوجته وميراثه، ليظهر عوض طيلة الفيلم شبح يطارد قاتله. الدور الأخر، هو دوره في رائعة يوسف إدريس المهزلة، والتي قدمت على المسرح عام 1983، والتي أخرجها للمسرح شاكر عبداللطيف، وقدم عوض فيها دور حكيم الطبيب النفسي، المقيم في الوحدة الصحية، والذي يصطدم مع إحالة مستعصية متمثلة في الأشقاء الثلاثة "عباس الأول، وعباس الثاني، وعباس الثالث"، وما حواه النص من فلسفة ناقشت الطمع، والجشع، والسلبية، والروتين، وفكرة العائلة، وما تلاها من مبادئ. الملفت للنظر أن عوض لم يجاري نجاح الموجي في الكوميديا، وترك له المساحة كاملة، هو والفنان سئ الحظ "محمد جبريل"، ليقدما فيها كل ما يريدان تقديمه، وخرجت كوميديا عوض من عباءة الموقف نفسه، وغير مفتعلة، وأحيانًا غير مقصودة، ليبرهن عوض أيضا أنه فارس الكوميديا الذي يفضل دائما أن يكون رقم 2 ليقينه أن رقم 2 دائما ما يكسب في النهاية. الجنة البائسة وبعيدًا عن الفن، وبدون ذكر أسماء خلق عوض من حياته، جنه يرتادها كل موهوب، أو فنان يجد فيها الراحة، فقدم عوض يد العون للعديد، والعديد من الأسماء اللامعة في المجال الفني، ولكن كثيرًا منهم من تنكر له، حينما أدارت الدنيا ظهرها له جازف عوض بوقته، وماله، واسمه ليساعد هؤلاء الذين انخفضت اسهمهم الفنية، كما لم ينجو عوض من خناجر الغيرة الفنية، فكثيرًا ما كان يقوم أحدهم بمحاولة عرقلته، بدافع الغيرة الفنية، وخشية، أن يسرق منهم الأضواء، ولكن عوض دائمًا كان ينسحب من الصدارة، ويكتفي بالمركز الثاني، وهو على يقين أنه سيفوز في النهاية، ليصبح عوض هو صاحب "الجنة البائسة" المؤمن تمامًا بأن نمرة 2 دائمًا ما يكسب. وفي مثل هذا اليوم 27 فبراير 1997، واثناء انشغاله بتقديم مسرحيته الأخيرة طبق سلطة رحل عاطف الأشموني عن جنته البائسة.