لم تكن مصادفة أن يلمع نجم اللمبى أو الممثل محمد سعد، مع لمعان أول نجم فى إعلام المصطبة، ونجاح اللمبى جماهيريًّا، على عكس ما يتصوَّر كثير من النقاد الفنيين وغيرهم، لا يرجع إلى جمهور الترسو ، وهو وصف كان يُطلق على جمهور صالة السينما، فى سينمات الأحياء الشعبية، وأغلبه من الصنايعية والحرفيين وربات البيوت، ممن لم يحظَوْا إلا بتعليم محدود أو لم يتعلَّموا أصلًا، وكان النجم فريد شوقى وقتها هو ملك الترسو . لكن جمهور اللمبى كان مختلفًا إلى حدٍّ ما، فقد اختفت سينمات الدرجة الثالثة، ولاحت بوادر دور العرض الفاخرة فى المولات: جنينة، وندر لاند، طيبة، هيلتون، وكان أغلب روادها من شباب الطبقات الوسطى والعليا، ومن المتعلمين، بعضهم فى المدارس الأجنبية. وكان آباء وأمهات هؤلاء الشباب هم أول جمهور لأول نجم فى إعلام المصطبة، وقبل إنزال الرئيس حسنى مبارك عن السلطة، سألت بعضًا من رجال الأعمال الذين يتابعون هذا النجم بشغف يوميًّا: كيف تنصاع إلى مذيع فيه هذا القدر الكبير من الغوغائية؟ فرد ببساطة مدهشة: هو محمد سعد السياسة، طول النهار شغل وأرقام وتليفونات ووجع دماغ وإجهاد ذهنى، ولا أطيق بعدها أى حاجة جادّة، كلامه ساخر ومضحك، أقسم لك هو يضحكنى أكثر من سعد! لم تكن الإجابة دقيقة، فقد كان هذا النجم ذكيًّا وخفيف الظل وعلى قدر معقول من الثقافة والفهم والوعى، وفتح ملفات شائكة كثيرة، لكن نصف الساعة الأول من برنامجه كان عبارة عن ثرثرة شعبية سواء عن قضية عامة أو موضوع شخصى خاص به، ثرثرة على الكيف تنزلق فيها الكلمات عفو الخاطر، ومحملة أحيانًا أو دائمًا بألفاظ حراقة ، وتشبيهات أقرب إلى إفيهات الممثلين الارتجالية فى المسرح الكوميدى تثير الخيال والفرفشة. وكان أحيانًا يتطرَّق إلى موضوعات حساسة وشديدة الخصوصية بين الرجل والمرأة، حتى لو ناقشها علميًّا، ولم تكن شاشات التليفزيون معتادة على الاقتراب من هذه المناطق المثيرة، وبالطبع حاز شعبية واسعة لم تقتصر على مصر فقط، وامتدت إلى البلاد العربية المحافظة جدًّا ! كما قلت، لم تكن إجابة رجل الأعمال عن سبب المتابعة اليومية للبرنامج صحيحة، ولكنها تشير إلى حالة توسَّعت فى ما بعد فى جنبات المجتمع، وتوحَّشت تمامًا فى عالمَى الفن والإعلام تدريجيًّا، فلم يكن المغنى شعبان عبد الرحيم (ولا أعرف وصف المغنى له صحيح أم لا) مقصورًا على الشعبيين، فقد كان نجم الغناء الأول فى أفراح الأغنياء وحفلاتهم الخاصة، وكلما زادت غوغائية أى عمل رقصًا وتمثيلًا وغناءً وخطابًا، انتشر وعَلَت شعبيته إلى عنان السماء، (لاحظوا برامج العفاريت والجن والجنس والاستهبال بوقاحة)، ولدينا مذيعة فى فضائية هى الأكثر إعلانات والأكثر جهلًا وغوغائية فى التعامل مع القضايا الاجتماعية. المدهش أن أغلب مقدّمى برامج المصطبة خرجوا من تحت عباءة المؤسس، ساروا على نهجه، وقلّدوه بشكل كبير، خصوصًا أن برامج التوك شوك نزلت من جمهور الصفوة إلى جمهور الترسو، ولعبت فيها وكالات الإعلانات دور الوسواس الخناس، فبات التقليد فجًّا للغاية وما زال! وللحديث بقية.