لمنطقة كوم الدكة بالإسكندرية طبيعة خاصة، تختلف بها عن باقي مناطق المدينة، فالحي يعد من أقدم أحياء الإسكندرية، وأكثرها علوًا عن منسوب البحر بحوالي 8 إلي 12 مترًا، كما يلاصق الحي اللاتيني وشارع فؤاد. وتتميز المنطقة بطبيعة تخطيطها على النمط التقليدي القديم، ذي الشوارع والحواري المتعرجة الضيقة، وعمارة مبانيها، وسماتها الثقافية المرتبطة بالفنان الموسيقار سيد درويش، الذي ولد وعاش في هذا الحي. للمنطقة قيمتها الأثرية أيضًا، فتاريخ الحي ضارب في القدم، وبسبب موقعه، فأنه يقبع بمركز مدينة الإسكندرية اليونانية، التي أنشئها الإسكندر الأكبر، ويوجد أسفلها مقابر ومعابد تعود للعصرين الروماني و البطلمي، وربما من بينها قبر الإسكندر نفسه. ويقول الدكتور محمد عوض، رئيس لجنة التراث بمدينة الإسكندرية، إن المنطقة تقع أعلى مدينة أثرية، على أعمدة أثرية وصهاريج تحديدًا، ولن تتحمل ضغط المباني المخالفة التي يتم بناؤها في الوقت الحالي، والتي تبلغ في بعض الأحيان، 16 طابقًا، ما ينذر بكارثة حقيقية. وطالب عوض، في تصريحاته ل"التحرير"، المسئولين بالمحافظة التدخل لوقف ما يحدث من عمليات بناء مخالف، لا تشوه مظهر ونسق المنطقة فقط، ولكن تهدد بقائها. والمنطقة التي تم إعادة بناء منازلها الحالية، في عهد الوالي محمد علي باشا، لتكون سكن لأغنياء القوم، تحولت مع الوقت إلى مكان البسطاء و"الشعبيين". وكشف محمد السيوي، أحد قاطني المنطقة، أن عمليات رصف المنطقة جاءت بشكل مخالف للقياسات الفنية، حينها تم رصف الخرسانة بدلاً من الأسفلت، بزعم عدم تمكن سيارات الرصف التابعة للحي من دخول الشوارع بسبب ضيق مساحاتها. وأشار أحد السكان، محمد علاء، إلى أن الخرسانة في منطقة لها طبيعة كوم الدكة تمثل كارثة، لأن أسفلها مواسير الغاز والمياه، ولو احتاج أحدهم يومًا للحفر من أجل أعمال الصيانة، سيضطر لاستخدام آلالات تسبب رجه في الكتلة الخرسانية المتحدة فيما بينها، مما سيؤثر حتمًا على هشاشة التربة. وعلى الرغم من القيمة الكبيرة للمنطقة والدراسات الكثيرة والاقتراحات بتحويلها لمحمية وأثرية تراثية محظور الهدم بها، إلا أنها لم تجد طريقها إلى أرض الواقع، وتتعرض المنطقة في الوقت الحالي لأكبر عمليات للهدم والبناء المخالف في تاريخها من جانب المقاولين، وسط غياب كامل من المسئولين بالمحافظة مما يهدد بكارثة حقيقية بالمنطقة.