تبدو كل الخيارات المتاحة أمام مصر فى ما يخص التعامل مع ما يجرى فى ليبيا، خصوصا تزايد استهداف المصريين، صعبة جدا، لكن رغم ذلك لا بد لمصر أن تنحاز إلى خيار ما، وهى تعرف حجم المكاسب والخسائر من وراء انحيازها. قبل أن يحسم مصير المواطنين المصريين المختطفين منذ ما يزيد على 40 يوما، تم إعلان خطف 21 صيادا مصريا، وقبل ذلك تم قتل أسرة صيدلى مصرى، وقبلها كان كثير من الحوادث المشابهة. تواجه مصر أزمة فى ظل الانفلات القائم فى ليبيا، الذى يهدد بوجود مجموعات داعشية على حدودها، وتهريب السلاح للعناصر الداعشية فى الداخل، لكن الأمر لم يعد يقتصر على خطر كذلك يمكن مواجهته بضبط قوى للحدود، لكن سكين داعش الموضوعة على رقاب مواطنين مصريين فى الداخل الليبى، باتت تغرس فى لحم الدولة المصرية، وتذبح تدريجيا هيبتها، وتنقل لها فى الداخل أزمة وضغطا متواصلا من أهالى الضحايا ومن الإعلام. ستخسر الدولة خسائر مبالغة إن لزمت خيار إيه اللى وداهم هناك ، واكتفت بتحذيرات السفر، ومنع المصريين من المغادرة، أو دعوة المصريين فى الداخل الليبى إلى المغادرة الطوعية، وتترك من يقع فى أيدى هؤلاء تحت السكين دون رد فعل غير التفاوض غير المباشر مع القتلة. وستخسر كذلك إن مضت فى طريق التفاوض، ودفعت أموالا تفتدى بها المخطوفين، أو انصاعت لأى شروط يعلنها هؤلاء المجرمون، بما يشجعهم على استمرار جرائمهم، واعتياد اصطياد المصريين. وأرجح التقديرات تتحدث عن أن التدخل العسكرى المباشر فخ كبير يمكن أن تتورط فيه قوات مصرية، ولا تخرج بسهولة، ودون خسائر كبيرة فى الأرواح، واستنزاف للموارد تذكر بالدوامة، التى دخلناها فى حرب اليمن. لكن لا بد فى جميع الأحوال من حل. الاعتماد على الجيش الوطنى الليبى فى ظل القيود الدولية على تسليحه، وبطء إنجازه، يعنى أن نضحى بمجموعات أخرى من المصريين فى حوادث مقبلة، انتظارا إلى أن يتمكن الجيش الليبى من بسط سيطرته ومساعدة الحكومة على القيام بمسؤولياتها، واستمرار التزام الصمت مع ترويج أخبار هنا أو هناك بأن مصر تشن غارات لا تعلن عنها، لا تكفى على الأقل محليا، أمام مواطنين يشعرون بحصار الإرهاب يضيق عليهم، فى سيناء وليبيا، وفى الداخل. أيضا تقديرات العمالة تشير إلى أن أرقام المصريين هناك تقترب من المليون شخص أو يزيد، بما يجعل عملية إخلائهم جميعا أيضا مسألة صعبة لوجيستيًّا. أمام هذا الوضع الملتبس تعلن إيطاليا استعدادها للتدخل عسكريا فى ليبيا، وتطلب قيادة قوات من الإقليم للقيام بهذه المهمة، وتطلب غطاءً دوليا، ونحن لم نعلن موقفا من الطلب الإيطالى حتى الآن، فيما كان رد الفعل المبدئى من الجامعة العربية برفض التدخل الدولى. بقاء الوضع على ما هو عليه، بأن نرفض التدخل، وأن نرفض فى إطار الجامعة العربية أى تدخل دولى، يعنى إما أن ليبيا ستسقط فى الفوضى لسنوات، وستبقى مصدر خطر مزمن، أو أن تدخلا دوليا سيحدث بغطاء أممى لا نكون جزءا منه، وربما تكون أنقرة أحد الفاعلين فيه، بما يعنى مزيدا من الخسارة الاستراتيجية. تحتاج الدولة إلى أن تعلن عن وجودها وغضبها فى ليبيا، لا تحتاج إلى غطاء دولى، ولديها تهديد مباشر على حدودها يصطاد مواطنيها، العداوة بينها وبين الميليشيات الداعشية قائمة بالفعل من قبل أى تدخل عسكرى، بعض الضربات العقابية ربما يعلن عن هذا الوجود، وبعض العمليات النوعية، مع نشاط استخبارى واسع لجمع المعلومات. قد يكون التدخل البرى المتفرد فخا، لكن الصمت أيضا فخ، وترك المصريين بلا غطاء فى ليبيا سندفع ثمنه فى الداخل قبل الخارج. الأفخاخ قائمة فى كل الخيارات، وعدم الاختيار فخ أعمق، كالذى وقعنا فيه الآن.