«يجب أن تتجه حركة الأجهزة التشريعية والتنفيذية كلها إلى تحقيق مصلحة الجماهير، لأن هذا هو المضمون الأساسى للحكم الديمقراطى، وتلك هى الرسالة التى يتحمّلها كل مَن يتصدّى لحمل أمانة الجهاد الوطنى»، من كلمة حسنى مبارك فى المؤتمر الاقتصادى المصرى عام 1982. ثلاثة وثلاثون عامًا لم نرَ فيها ديمقراطية ولكن رأينا مَن يحمل راية الجهاد التكفيرى... البعض يربط بين الفشل الاقتصادى ونمو البيئة الحاضنة للإرهاب. انعقد مؤتمر 1982 فى ظروف سياسية شبيهة لما نمر به الآن رغم اختلاف عديد من التفاصيل، فقد كانت مصر تواجه خطر الإرهاب بالأخص بعد اغتيال أنور السادات مما ترك الساحة السياسية غير محددة المعالم. وفى هذه اللحظة التاريخية -كما هى الحال الآن- لم يكن اتضحت اتجاهات مبارك وتشكيلة نظامه الأساسية، كما أن الحراك السياسى فى الشارع كان لا يزال ينبض قبل أن يتم القضاء عليه. ارتفع سقف الأحلام قبل وبعد المؤتمر، ولم تختلف كثيرًا عناوين الصحف والجرائد الرسمية عما نقرؤه الآن بربط مصير مصر بنجاح المؤتمر، وحيث إننا لم نكن من أصحاب الهويات الاقتصادية، فقد كان هناك تشتت واضح فى الاتجاهات، حيث ارتفعت المطالبات بعودة التخطيط القومى الشامل مع دعوات التحوُّل إلى اقتصاد السوق!!! وخرج المؤتمر بعدة اقتراحات ملأت الدنيا ضجيجًا، ومنها الاستثمار فى البنية الأساسية وجدولة الديون وإدارة الدولة للاقتصاد الكلى من أجل استقرار الأسعار والتصنيع من أجل التصدير. تميَّزت المقترحات بعموميتها وفقدانها أى بوصلة، فكانت النتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية حتى وجدنا مخرجًا من خلال الاشتراك فى حرب الخليج مقابل الإعفاء من بعض الديون، وضخ مساعدات واستثمارات خارجية. وكعادة المسكنات ظهرت على الأفق مرة أخرى المشكلات الاقتصادية بشراسة. فشل المؤتمر الاقتصادى عام 1982 لا يعنى بالضرورة فشله عام 2015. نعم هناك وجوه لم تتغيَّر وأفكار راسخة لا تتزحزح، لكننا أمام الفرصة الأخيرة التى يجب أن لا نفرط فيها بكل ما أوتينا من علم وخبرة. نعم لا تتقدّم الدول بالمؤتمرات الاقتصادية ومؤتمرات المانحين، لكنها فرصة إذا أحسنّا استغلالها على الوجه الأمثل لربما سرنا على الطريق الصحيح. ولكن للأسف الشديد القائمون على المؤتمر يختزلونه فى مجرد طرح لبعض المشاريع الاستثمارية فى ما هو أشبه بالمزاد العلنى لبعض المستثمرين من جميع أنحاء العالم، فالترتيبات للمؤتمر تنحصر فى الإعداد لمعرض استثمارى فقط، مع تجاهل غير مفهوم لمواجهة أبعاد التحديات الاقتصادية التى تواجهها مصر وعدم إدراك لأسئلة المستثمرين المنشدين. ومن ضمن الأسئلة التى يجب أن يجيب عنها المؤتمر هى: كيف ستضمن الدولة الثبات التشريعى علمًا بأن الضرائب -على سبيل المثال- فى حركة تغيير مستمر خلال السنوات الأربع الماضية؟ هل هناك قانون لحرية تداول المعلومات يتيح للمستثمر إعداد دراسات جدوى؟ كيف ستستقر العلاقة بين العامل وصاحب العمل من خلال أطر مؤسسية مثل قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية؟ ما رؤية الحكومة فى علاقة الدولة بعملية الإنتاج ومستقبل القطاع الخاص فى مصر؟ كيف يضمن المستثمر عدالة الفرصة من خلال قوانين منع الاحتكار وحماية المنافسة؟ هل هناك سهولة فى إجراءات دخول السوق والتسجيل وإجراءات التعثر والإفلاس والخروج من السوق؟ هل هناك حل لبطء إجراءات التقاضى فى المنازعات الاستثمارية؟ هذا بالإضافة إلى الأسئلة ذات الطابع السياسى والتى لها علاقة باكتمال خارطة الطريق ومستقبل العلاقات بين السلطة التشريعية والتنفيذية، وكيف ستتعامل الدولة مع ملف مكافحة الإرهاب. تحتاج هذه الأسئلة إلى إجابات واضحة وواقعية من الحكومة المصرية فى مارس القادم لجذب المستثمرين. كما أن مجتمع الأعمال الدولى سيطرح عديدًا من التساؤلات حول ما تم إنجازه فى المشاريع القومية، وبالأخص قناة السويس. ستكون هناك أسئلة نقدية حقيقية تختلف كثيرًا على ما يتم طرحه من سطحيات فى الإعلام المحلى. فالمستثمر لن يلتفت إلى إجابات إنشائية تعوّدنا على سردها فى امتحانات اللغة العربية فى المدارس. ومن ناحية أخرى، يؤسفنى أن أرى هذا التنظيم السيئ للمؤتمر حتى الآن، فرغمًا عن التكلفة الباهظة للموقع الإلكترونى للمؤتمر، فإنك بدخولك إليه لا تجد شرحًا لمضمون الجلسات والمتوقع مناقشته فيها، بسبب غياب أى أوراق سياسيات أو مشاريع قوانين. أما بخصوص إتاحة المعلومات حول الاقتصاد المصرى فإننا نجد استسهالًا شديدًا يذكرنا بكراسة واجب الطالب البليد. ففى قسم المعلومات فى البوابة الإلكترونية لن تجد إلا روابط إلى مواقع حكومية عقيمة إذا أردت البحث عن معلومة. للأسف فشل المؤتمر الاقتصادى -لا قدر الله- سيتوزع دمه بين القبائل لتضارب واختلاط وتعقيد المهام بين الوزارات والجهات المختلفة. فكما تم تعيين قيادة موحدة للحرب على الإرهاب فى سيناء، نريد قيادة موحدة لتحمل مسؤولية المؤتمر الاقتصادى، ولا يجب أن تكون تلك القيادة وزيرًا أو وزيرة فى الحكومة، فلننح البيروقراطية جانبًا فى مؤتمر ستكون أولى توصياته هى تطوير البيروقراطية فى مصر بشكل عام. ولذلك نريد قيادة موحدة للمؤتمر برئاسة شخصية مستقلة لها رؤية ابتكارية فى تنظيم حدث جلل مثل هذا المؤتمر وبعضوية ممثلين من اتحاد الصناعات والنقابات والاتحادات العمالية والغرف التجارية وجمعيات الأعمال، بالإضافة إلى عضوية الوزارات المعنية. ويبقى هناك أمل لتفادى تلك الأخطاء، حيث إنه أمامنا شهر من الآن للخروج بمؤتمر يساعد على حل الأزمة الاقتصادية بدلًا من أن يضيف إليها.