من فضل المولى تعالى علينا أن الخرس أصاب من زمن فرقة المساكين فى عقولهم (بعضهم وليس «كلهم»، مخلص لكنه عبيط جدا)، الذين ظلوا على مدى أسابيع طوال بعد ثورة «30 يونيو»، التى اقتلعت عصابة إخوان الشياطين من بدن الدولة والمجتمع، يصدعون رؤوسنا ويقرفوننا بالحديث والهلفطة عما سموه أيامها «المصالحة» مع العصابة المذكورة. هؤلاء لو كان منهم أحياء حتى الساعة، وما زالوا بعد كل هذا المشوار الطويل من المعاناة والتخريب والعواصف الدموية الرهيبة وغير المسبوقة، التى ضربت الوطن، وكلفتنا قوافل متتابعة من الشهداء سقطوا على أيدى عصابة الشر وتوابعها من القتلة، يحتاجون إلى دليل، يثبت أنهم كانوا يسبحون فى أوهام خطرة ومؤذية جدا، وهم يطالبوننا بمصالحة فاشيين أشرار لا يفوق جهلهم وظلام عقولهم إلا همجيتهم وعداوتهم لهذا الوطن وشعبه، بل وكل قيم الحضارة الإنسانية.. أقول لو كان هؤلاء المساكين ينتظرون أدلة جديدة تضاف إلى جبال الجرائم الممعنة فى الخسة والوحشية التى لا يتوقف إخوان الشياطين عن ارتكابها ساعة واحدة، فليقرؤوا أحدث بيان للعصابة (منشور على موقعهم الرسمى إخوان أون لاين )، الذى صدر متزامنا مع جريمة شمال سيناء الأخيرة تحت عنوان وأعدوا ، وقد أظهر فيه الوحش صورته الأصلية المرعبة، وأسقط قناع الكذب والمخاتلة معترفا بحقيقة العقيدة الشاذة التى تربى عليها، تلك التى تمجد العنف والإجرام وتنزلهما منزلة الديانة. ولكى لا يتعلل أحد بأن البيان آنف الذكر (المسروق عنوانه من الآية الكريمة وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة.. ) قد يكون شيئا عارضا لا ينهض دليلا قويا على إعلان العصابة نفسها رسميا فرقة إرهابية ، فإن إخوان الشياطين أعفونا من أى جهد للرد، إذ إنهم ترجموه فورا بغباوة وفجاجة، ليس بالأفعال الإجرامية وحسب، إنما بدعوات واضحة وصريحة وفاحشة خاطبوا بها مقاطيعهم عبر إحدى الفضائيات التى يديرونها ويبثون سمومهم من على شاشتها (قناة رابعة ) للبدء فى عمليات إرهابية قذرة جديدة ضد مصر وضيوفها الأجانب، الذين أنذروهم بمغادرة البلاد قبل الثامن من فبراير المقبل! هنا أستأذنك عزيزى القارئ أن أعيد نشر سطور كتبها العبد لله هنا قبل نحو عام ونصف العام، ليس بغرض ادعاء الحكمة بأثر رجعى، لكن لأن الذكرى تنفع المؤمنين.. وكنت قد بدأت بالسؤال التالى: هل أصدمكم بالصراحة..؟! حسنا.. لقد أصبحت أبغض وأمقت وأقرف بشدة من ترسانة الشعارات الفارغة والتعبيرات البغبغاوية المخاتلة الغارقة فى السطحية والمراوغة التى ما أن تظهر فى السوق حتى يلتقطها بعض (وليس كل) نخبة السياسة وكلامنجية الإعلام وتظل ألسنتهم تتناقلها وتلوكها هكذا عمال على بطال جاعلين منها غنيوة بليدة يصدعون بها رؤوس الناس آناء الليل وأطراف النهار من دون تدبر ولا تأمل ولا جدية، بل ولا هدف سوى ما يظنه هؤلاء الببغاوات، توسلا بنوع من التجمل والزواق والتأنق اللفظى التافه.. ثم كان الله بالسر عليما. أما أحدث صيحة فى موضة فهى الغناوى الشعاراتية فهى ذلك الكلام الممجوج المتداول هذه الأيام بكثافة مرعبة عن المصالحة و لم الشمل و إنهاء الانقسام فى الشارع وخلافه، هذا الذى يشعرك بأن المجتمع المصرى اشتبك مع بعضه بعضا فجأة ومن دون سبب فى عراك شوارع، أو بالأحرى خناقة حوارى أطرافها متكافئون ومتماثلون أو متقاربون فى الأحجام والأوزان والأهمية (!!)، وهو بالقطع أمر غير صحيح وفيه تزوير وتدليس واضح وفاحش لحقيقة مادية هائلة يستطيع كل أعمى فى عين أهله أن يراها جلية ساطعة سطوع الشمس فى كبد النهار. هذه الحقيقة التى لا تقوى تلك التعبيرات والشعارات الخيبانة على طمسها مهما زاد ضجيجها وكثر إلحاحها، أن الشعب المصرى واجه بعد نشل ثورته الرائعة فى 25 يناير 2011 وتجريدها من أهدافها ومراميها النبيلة، خطرا وجوديا رهيبا تمثل فى أن جماعة شريرة لا يفوق فاشيتها إلا فشلها وجهلها قادت حلفا من قدامى القتلة والهاربين من وجه العدالة وانقضت عليه متسلحة بالبطلان والإرهاب والإجرام، وحاولت خطف وطنه دولة ومجتمعا، وراحت تعربد على كل صعيد لكى تتمكن من سحبهما وجرجرتهما إلى مستنقع الخراب الشامل والتخلف والظلام الدامس، فلم يجد هذا الشعب مهربا ولا مفرا من أن يقاوم ببسالة ويرد الهجمة التاتارية غير المسبوقة فى كل مراحل تاريخه الحديث، وبعدما استعان بميراث حضارته التليدة هب هبة رائعة كاسحة يكاد أن لا يكون لها مثيل فى مسار رحلة البشرية نحو التقدم، وأذهل الدنيا بأسرها وهو يخرج يوم الثلاثين من يونيو بعشرات الملايين فى طول البلاد وعرضها، لكى يحرر نفسه وينقذ وطنه من خراب وضياع أكيدين، وبالفعل نجح نجاحا باهرا، واستطاع قلب المشهد المزرى الكئيب كله رأسا على عقب، وصنع لوحة إنسانية آخاذة وبالغة القوة والروعة والجمال، أبرز وأوضح ملامحها ذلك التوحد والاندماج بين مكونات الأمة وعناصر تنوعها الثرى كافة، من دون أن ينسى احتضان مؤسسات دولته. يعنى باختصار، نحن الآن أمام شعب ودولة موحدين ومتماسكين على نحو مذهل فى مواجهة عصابة فاشية منحطة ومعدومة العقل والحس والضمير (ليس مهما عدد البؤساء المساكين، الذين ما زالوا منخرطين فيها) أصرت أن تتوج قائمة جرائمها الرهيبة بالخيانة العظمى والإلحاح المجنون فى طلب تدخل أعداء الخارج، وهى موهومة بأن هؤلاء سيلبون الطلب، ويتحركون بجيوشهم وأساطيلهم لغزو مصر وكسر إرادة شعبها وجيشها، وإعادة تسكينها بالقوة فوق قلب المصريين! إذن، أين هو الانقسام الذى ينتظر لم الشمل ، وعلى أى شىء ومع من تتصالح مصر شعبا ومجتمعا ودولة؟! اسمح لى، أجاوب وأكمل غدا إن شاء الله.