لكل شيء بريقه ولمعانه، ولصناعة النسيج اليدوي ذات الفن الراقي والعالي بريقها الخاص وجمالها، والتي كانت تكسو القصور الملكية ويتهادى بها الأمراء والأميرات، ولكن هذه الصناعة يهددها الانقراض الآن لتواجد السجاد الصناعي الحديث المزاحم لها بشدة بالرغم من جودة منتجاتها وعراقتها. أصحابها يناشدون الحكومة بإنقاذها قبل فوات الأوان ويذكر التاريخ في صفحاته جيدا أن أحد المؤرخين وصف مدينة أخميم بمانشستر ما قبل التاريخ، نسبة إلى مدينة مانشستر البريطانية التي تشتهر بصناعة النسيج مستخدمة الأجهزة والتكنولوجيا الحديثة في عمليات التصنيع المختلفة. وورث أهالي أخميم من الفراعنة القدماء، الأنوال التي كانوا يستخدمونها في عملية التصنيع، وبالرغم من مرور الحضارات المتعاقبة ألا إنهم ما زالوا يحافظون على منتجاتهم رغم ما بها من مشاق، وهذا ما جعل دولة كندا تسارع بتقديم معونة للحكومة المصرية لإنشاء بيوت النول بمدينة أخميم في محافظة سوهاج؛ بغية الحافظ على الحرفة من خطر الانقراض التي يلاحقها ليل نهار بصورة بشعة ومستمرة. وقامت الحكومة المصرية من جانبها بتصميم منازل حديثة بداخلها حجرة للنول، وحرصت الدولة أشد الحرص على توفير الأقطان والحرير لإتمام عملية النسيج اليدوية باستخدام بيوت النول الخشبية، بينما تقوم جمعية تنمية المجتمع للمشروعات الصغيرة بسوهاج على ترويج وتسويق المنتجات عبر المحافظات الأخرى أو فتح أبواب لتصديره خارج البلاد. وتفنن النساجون اليدويون من أبناء أخميم في صناعتهم وأظهروا مدى الإبداع في أعمالهم اليدوية، وتنوعت منتجاتهم النسيجية تنوعًا غاية في الروعة جذبت العديد والعديد من المواطنين من داخل وخارج مصر على حد سواء، وذلك ما بين كوفرتات ومفارش السرير والسفرة والشيلان والطرح والفساتين والستائر، حتى إن بعض النساجين باعوا منازلهم الأصلية وحصلوا على منازل بقرية النساجين بأخميم، واستقروا بها بإيجار شهري لمواصلة عملية الإنتاج وزيادة الدخل اليومي لهم، والحفاظ على تلك الصناعة من الاندثار. انتقلت عدسة التحرير إلى قلعة صناعة النسيج اليدوي بمدينة أخميم، لرصد الصورة كاملة بلا تزييف أو تلوين، ويبدو أن الحال بالنسبة لهذه الصناعة انقلب برمته وأصبحت الحكومة من تلك المهنة التاريخية ذات الفن الذي هو من عبق التاريخ، منفضة أيديها عنها ورافعة كاهلها عن العناية بالعاملين بهذه الصناعة، ومن هنا أصبح العاملون في هذه الصناعة من يوم لآخر يعانون في صناعتهم، إذ يشترون الأقطان التي يستخدمونها في صناعة النسيج اليدوي بأسعار باهظة بجانب فشلهم في عملية التسويق عبر المحافظات مما جعلهم يبيعون منتجاتهم إلى تجار النسيج بمبالغ زهيدة لا تغطي بأي حال من الأحوال ثمن التكلفة أحيانا. تدهور التجارة دفع بعض العاملين للهجرة إلى القرية بحزن شديد، وقاموا ببيع المنازل لعمال آخرين من مدينة الكوثر، بسبب ما تفرضه عليهم المحافظة من ضرائب ورسوم نظافة المدينة، إضافة إيجار المنازل، كما أن العاملين بهذه المهنة ليس لهم تأمين معاشي وصحي، وهم بذلك عرضة للضياع، ومن يتوفاه المولى ويترك خلفة أسرة فلن يجدوا ما يصرفونه من أموال لعدم وجود معاش، فيضطرون لطرق الأبواب الحنونة للعطف عليهم. يقول أنور عياد، صاحب ورشة لتصنيع وبيع مشغولات النسيج اليدوي، ومن عشاق هذه الحرفة، إنه يواجه صعوبات في عملية البيع لأسباب تسويقية تجعله ينفق الكثير دون تحقيق أرباح مرضية، فضلا عن زيادة أسعار القطن والكتان وعدم توافرها بغزارة داخل محافظة سوهاج. وناشد عياد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، بدعم قرية النساجين بالمنطقة الصناعية بالكوثر لمواصلة العمل والحفاظ على هذه الحرفة القديمة وحمايتها من الاندثار تحت الثرى. صناعة النسيج اليدوي أثر من عبق التاريخ، ومدينتها الصعيدية فاحت شهرتها، لكن تدهور حالها الآن يثير عدة تساؤلات أبرزها.. هل صناعة النسيج اليدوي العريقة ستندثر من أخميم ؟ أم سيكون هناك أمل في إحيائها وعودة مجدها من جديد ؟ وما دور الحكومة المصرية في الحفاظ على أكبر قلاع صناعة النسيج بالصعيد ؟