قصة قصيرة لم يتناولها الإعلام المصرى، بل كان أول علمنا بالمأساة من الإعلام الأجنبى، القصة باختصار أنه لسبب غير معلوم انكسرت ذقن قناع توت عنغ آمون المصنوعة من الذهب الخالص، اختلفت الروايات بشأن السبب، فيقال تارة إنه فى أثناء إزالة القناع لتغيير وحدات الإضاءة فى الفترينة الزجاجية، ويقال تارة أخرى إن الذقن انفصلت فى أثناء تنظيف القناع عن الرأس، وبدلًا من الإبلاغ عن التلفيات لدى وزارة الآثار لترميمها على يد فريق متخصص، قرر أحد الموظفين فى المتحف المصرى «الطرمخة» على الخطأ بلصق الذقن مرة أخرى بمادة لاصقة قوية وهى الإيبوكسى أو ما يشبه ما نعرفه نحن بلاصق «أمير»، ليحاول أحد الزملاء تدارك المصيبة وكحت المادة اللاصقة التى برزت من مكان التحام الذقن بالرأس بآلة حادة فلا يقوم إلا بتجريح قناع توت عنخ آمون وتخريبه بشكل لا يمكن إصلاحه أبدًا. لم أرَ فى حياتى شعبًا يستهتر بماضيه وتراثه الثقافى لهذه الدرجة، فبالإضافة إلى عدم اكتراث الغالبية العظمى بهذه الحدوتة، سوف تمر هذه الواقعة دون محاسبة أو عقوبة رادعة على مرتكبى هذه المصائب، هذا إضافة إلى عدد كبير من المؤشرات الدالة على عدم اهتمام أبناء الشعب العادى أو وعيهم بأهمية التراث الأثرى والحفاظ عليه بدءًا بمافيا بيع الآثار التى يتورط بها أشخاص المفترض أنهم يؤتمنون على آثار البلد، بالإضافة إلى أخطاء الترميم التى لا تتماشى مع القواعد العالمية فى الحفاظ على أصالة المبانى الأثرية مثل هرم سقارة ثم تخريب متحف ملوى وسرقة قطع أثرية منه فى أحداث يونيو 2013. لا يقتصر الأمر فى قصة إتلاف قناع توت عتخ آمون على الولولة على التماثيل والتحف الأثرية التى قد يرى البعض أنها لا تتماشى مع ما نشهده من قتل واعتقال لأبرياء، فالمغزى الحقيقى لهذه القصة إثارتها لعدد من الملاحظات، منها أننا فى زمن الفهلوة والطرمخة، فاستسهال الكذب و الطرمخة بدلًا من الاعتراف بالخطأ بشجاعة وتحمل العواقب صار شعار المرحلة: بالمثل ترى كم طبيب طرمخ على خطئه خلف أبواب غرفة العمليات المغلقة مما أسفر عن قتل المريض؟ وترى كم مقاول استرخص أو غش فى معدات ومواد البناء بشكل يهدد سلامة سكان العقار؟ وترى كم ضابط شرطة طرمخ على تعذيب أو اعتقال مظلوم أو قتل سواء مقصودًا أو خطأً؟ ولنا فى هتاف جدع يا باشا عبرة. وكل هذه الأمثلة وغيرها تؤكِّد تدنِّى التأهيل والتدريب وضعف الرواتب، ولكنه يعكس أيضًا ضعف النظام التعليمى وضعف أو فساد الإدارة التى تفرز هذه النماذج. ومن هنا نجد أن الاستهتار هو كلمة السر لمرحلة الاضمحلال التى نعيشها، فبدلًا من الرقى والاحترام نجد أن المنظومة السياسية والمجتمعية تفرز الاستسهال والطرمخة، بما يقتل المصريين الأحياء وما تبقى لنا من أموات المصريين القدماء كذلك.