اسعار الاسماك اليوم الاثنين 8 ديسمبر 2025 فى أسواق المنيا    إقالة رئيس حي النزهة بعد جولة مفاجئة لوزيرة التنمية المحلية    الرئيس الأوكراني يجري محادثات أزمة مع رؤساء أوروبيين بشأن وقف الحرب على بلاده    الرئيس السوري أحمد الشرع: علاقة سوريا مع دولة الإمارات والسعودية وقطر وتركيا "مثالية"    وكالة الأنباء الفلسطينية: 3 قتلى في قطاع غزة خلال الساعات ال 24 الماضية    تعليق ناري من محمد فراج على انتقادات دوره في فيلم الست    بالأرقام تعرف على صادرات أعلى عشر سلع غير نفطية خلال الفترة من 2020 - 2025    رئيس الوزراء يستعرض المخطط الهيكلي والرؤية التنموية لمنطقة "غرب رأس الحكمة"    موجة تعيينات قضائية غير مسبوقة لدفعات 2024.. فتح باب التقديم في جميع الهيئات لتجديد الدماء وتمكين الشباب    ندوات توعوية بالمدارس حول "خطورة نشر روح التشاؤم" بالإسماعيلية    زراعة الفيوم تعقد اجتماعا لعرض أنشطة مبادرة "ازرع"    تقارير إنجليزية: ليفربول لا يفكر فى بيع محمد صلاح رغم أزمته مع سلوت    عاجل- الاحتلال الإسرائيلى يواصل خروقاته لوقف إطلاق النار لليوم ال59 وقصف مكثف يطال غزة    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال في محافظة قلقيلية واحتجاز جثمانه    أورنتسن: ليفربول يريد استمرار محمد صلاح.. وقرار استبعاده لم يحسم    جيرارد مارتن: أشعر بالراحة كقلب دفاع.. واللعب في كامب نو محفز    مسار يختتم استعداداته للبنك الأهلي في مواجهة مؤجلة بدوري الكرة النسائية    4 ضحايا جدد لقضية الاعتداء الجنسي على أطفال داخل مدرسة بالاسكندرية    حبس زوجين وشقيق الزوجة لقطع عضو شخص بالمنوفية    ضبط المدير المسئول عن إدارة كيان تعليمى "دون ترخيص" بالجيزة    المشاط: نعمل على استدامة معدلات النمو الحقيقي بإصلاحات اقتصادية مستمرة لتتجاوز تكلفة الاستدانة    محمد مصطفى كمال يكتب: تلف مئات الوثائق المصرية في اللوفر.. هل أصبحت آثارنا بالخارج في خطر؟    محافظ جنوب سيناء وسفراء قبرص واليونان يهنئون مطران دير سانت كاترين بذكرى استشهاد القديسة كاترينا    أمير المصرى يحصد جائزة International Vanguard Actor Award بمهرجان البحر الأحمر    فرقة القاهرة للعرائس المصرية تحصد جوائز مهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة فى حفظ القرآن للإناث الكبار.. فيديو وصور    الصحة: توفير ألبان الأطفال العلاجية بمراكز الأمراض الوراثية مجانا    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    4 بلاغات جديدة و«ناني».. ارتفاع ضحايا الاعتداء الجنسي من جنايني مدرسة دولية بالإسكندرية    جامعة بدر تطلق النسخة الأولى من قمة التكنولوجيا والأعمال الدولية 2025    المقاولون عن أزمة محمد صلاح : أرني سلوت هو الخسران من استبعاد محمد صلاح ونرشح له الدوري السعودي    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    أخصائي تغذية: العسل الأسود أهم فائدة من عسل النحل    محمود جهاد يقود وسط الزمالك في لقاء كهرباء الإسماعيلية    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    وزير الإعلام الكمبودى:مقتل وإصابة 14 مدنيا خلال الاشتباكات الحدودية مع تايلاند    رئيس الوزراء: مصر تتوسع في البرامج التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    وزير الزراعة يكشف موعد افتتاح «حديقة الحيوان» النهائي    جامعة قنا تنظم ندوة توعوية عن ظاهرة التحرش    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    منتخب مصر بالزي الأبيض أمام الأردن غدا    انطلاق تصويت أبناء الجالية المصرية بالكويت فى الدوائر المغاة بانتخابات النواب    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    جمهور نيللي كريم يترقب دراما رمضانية مشوقة مع "على قد الحب"    وزارة التعليم: إجراء تحديث على رابط تسجيل استمارة الشهادة الإعدادية    ملفات إيلون ماسك السوداء… "كتاب جديد" يكشف الوجه الخفي لأخطر رجل في وادي السيليكون    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    هويلوند: نصائح كونتي قادتني لهز شباك يوفنتوس مرتين    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاتن.. سيدة الشاشة وأيقونة القرن
نشر في التحرير يوم 18 - 01 - 2015

تجاوز اسمها كونها ممثلة عملاقة لتصبح هى دلالة على فن التمثيل ذاته، ماذا يعنى اسم فاتن حمامة فى ضمير الفن العربى؟ إنها واحدة من أيقوناته النادرة، صار اسمها مرادفًا لكل ما هو جميل وراق وممتع، وهكذا مهما غابت عن الشاشة، فهى حاضرة بقوة على خريطة مشاعرنا، يزيدها الغياب حضورًا على حضورها، ووهجا على وهجها، لتشع دائمًا إبداعًا ونورًا على حياتنا.
فى السنوات الأخيرة ابتعدت فاتن عن الإعلام عامدة متعمدة، ولهذا اعتذرت عن كل اللقاءات التى دُعيت إليها للحديث فيها، لكنها حضرت فى عيد الفن، 13 مارس الماضى، وتسلمت جائزتها من الرئيس المؤقت عدلى منصور، وعندما وجه المشير السيسى الدعوة إلى عدد من رموز الفنانين للقائه، كانت فاتن حمامة هى العنوان، ولهذا عندما لمحها المشير فى الصالة سارع بالنزول من فوق المنصة للسلام عليها، وعندما ذهبت مؤخرًا للمستشفى كان هو أول من سأل عنها، بينما كان أول سؤال وجهته إلى رئيس الجمهورية أنها قلقانة على مصر، فطمأنها الرئيس، وبمجرد نشر الخبر نعاها للجماهير رئيس الجمهورية.
لست من أنصار حزب زمن الفن الجميل. أقصد هؤلاء الذين دائمًا ما يبخسون حق الحاضر من أجل الماضى، يعتقدون أن الجمال كأنه زرع ينبت فى زمن، ثم يتغير المناخ، فلا تعد أرض الإبداع تطرح جمالا. إنها بالتأكيد نظرة قاصرة جدا تظلم الحاضر، وتؤكد فى نفس الوقت أن الماضى لم يكن يحمل بداخله جينات الاستمرار، أى أنه ماض عقيم غير قادر على الإنجاب، وهذا بالطبع يتنافى مع حقيقة الحياة.
لكل زمن إيقاعه ومفرداته وقانونه ونجومه وأيضا جماله، إلا أنه تظل دائما هناك استثناءات، إنه الفنان الذى يعيش معنا فى زمن، ويظل محتفظا بمكانته فى زمن آخر. الفنان الذى لا ننتظر منه حضورًا مباشرًا ليظل حاضرًا.. هذا التوصيف يتجسد أمامى دائمًا فى فاتن حمامة!
هى ليست بحاجة لكى تقول لنا بين الحين والآخر نحن هنا، لأنها دائمًا هنا فى قلوبنا، إنها الطفلة الصغيرة فى فيلم يوم سعيد للمخرج محمد كريم، التى لم تبلغ التاسعة عام 1940 حتى وصلت إلى مسلسل وجه القمر للمخرج عادل الأعصر، فى آخر ظهور فنى لها قبل نحو 14 سنة. نعم طال زمن الغياب، لكن مثلما عرفها الناس، وهى طفلة ونضجت معهم فإن غيابها لا يعنى أبدا أنها لم تعد تشغل مساحة فى أعماقهم، إنها لا تزال أيضًا تعرض إبداعها على شاشة القلوب، التى لها قانونها الخاص. عرف الجمهور فاتن حمامة باعتبارها طفلة خفيفة الظل، قادرة على الاستحواذ على اهتمامه فكان الحب من أول لقطة، فالجيل الذى شاهدها وهى طفلة كبر معها، والأجيال التى لم تشاهدها أصبح لديها سجل كامل حافل بكل سنوات عمر فاتن حمامة. إنها السينما عندما تحفر فى ذاكرة الناس ملامح وإحساسا يكبران معهم مثلما هم أيضا يكبرون.
هذا هو ما حدث بالضبط مع فاتن حمامة. بالطبع لم يطلب منها أحد التخطيط لذلك، ولا هى فكرت فى أنه مع الزمن سوف تدعم تلك اللقطات، وهى طفلة مشوارها عند الناس، إلا أن المؤكد أن وقوفها مبكرا أمام الكاميرا منحها حميمية ودفئا فى كل لقاءاتها التالية مع الجمهور. كان محمد كريم يبحث عن طفلة شقية لتمثل أمام محمد عبد الوهاب، فوجدها تمتلك كل المؤهلات، وحافظ على تلقائيتها، حتى إنها عندما كانت تؤدى لقطاتها أمام عبد الوهاب، ولا يمتلك عبد الوهاب نفسه من الضحك بسبب لثغتها فى حرف الراء، مما يؤدى إلى ضرورة إعادة اللقطة، طالبت هى وبكل براءة الأطفال فى عينيها أن يغير المخرج محمد عبد الوهاب، لأنه يُفسد اللقطات بكثرة ضحكاته.
مر بضع سنوات، والطفلة لم تعد طفلة، فقد أراد لها الناس أن تنمو بينهم على الشاشة، فهم من خلالها يقرؤون أيضًا أعمارهم، ويتحسسون بصمات السنين على وجوههم. هناك مواهب أخرى تبرق فى زمن الطفولة، ثم يخفت بريقها، ولدينا الأمثلة الكثيرة شيرلى تمبل الطفلة المعجزة (النموذج العالمى)، فيروز الطفلة المعجزة (النموذج العربى)، لكن الناس فى أحيان كثيرة تريد أن تثبت ملامح الطفل عند عمر محدد كأنه دمية لا تكبر، هم يكبرون، لكنهم لا يريدون لهذه الدمية أن يشاهدوا عليها ملامح الزمن، بعد أن حفر ملامحه، وأنضجها معهم بل تظل رمزا لطفولتهم!
فاتن حمامة هى نموذج للطفلة الاستثناء، التى سمح لها الناس بأن تواصل مشوارها معهم، وبنفس البريق، لأنهم اعتبروها فنانة من لحم ودم، وليست مجرد حالة مرحلية، شاهد حى على زمن طفولتهم، إنها واحدة من العائلة، ولهذا بمجرد أن تعدت سنوات الطفولة واصل مكتشفها محمد كريم مشواره معها، لتشارك فى بطولة فيلمه دنيا ، وهو بالمناسبة أول فيلم عربى يشارك رسميا فى مهرجان كان ، فى أول دوراته عام 1946، ثم قدمها حسن الإمام فى أولى أفلامه الروائية ملائكة فى جهنم ، وهى فى الخامسة عشرة من عمرها، ثم واصل معها المشوار فى اليتيمتين بعده بعامين، وتتواصل الرحلة مع الناس ولا تتوقف إلا لأسباب قهرية، ولمدة لم تتجاوز 4 سنوات من عام 1966 إلى عام 1970 عندما تعرضت لتدخل من المخابرات ومحاولة من الأجهزة للسيطرة عليها، لكنها سافرت إلى بيروت، وعندما علم الرئيس جمال عبد الناصر بذلك من سعد الدين وهبة، الذى كان وكيلا لوزارة الثقافة فى ذلك الوقت تدخل وطلب منها العودة، وأوقف تمامًا مطاردات أجهزة المخابرات، وتلك الواقعة فى الحقيقة تستحق مساحة أخرى لنروى تفاصيلها، ولهذا دعونا نغلق هذا الملف لنكمل رحلتنا مع تاريخ فاتن المرصع بالعشرات من اللآلئ.
فاتن حمامة هى حلم المخرجين من جيل نهاية الأربعينيات والخمسينيات وحتى جيل التسعينيات، مثل حسن الإمام، وصلاح أبو سيف، وهنرى بركات، وكمال الشيخ، ويوسف شاهين، الذين تعودنا أن نطلق عليهم مخرجى العصر الذهبى للسينما، وحتى نصل إلى جيل داوود عبد السيد وخيرى بشارة من نجوم مخرجى الثمانينيات والتسعينيات، وكانت لها أيضًا مشروعات لم تكتمل مع كل من عاطف الطيب ومحمد خان وشريف عرفة، وقال لى عمرو سلامة إنه يعد مشروعا لفاتن حمامة، وعندما التقاها وعرض عليها التعاون رحبت، بل قالت له إنه يشبه المخرج الكبير الراحل كمال الشيخ.
كان محمد كريم هو مكتشفها فى طفولتها، عندما قدمها فى يوم سعيد أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب، ثم وهى تقف على أبواب المراهقة فى فيلم دنيا ، ثم بدأت مشوارها مع حسن الإمام تجسد فى فترة المراهقة مع فيلمه الأول ملائكة فى جهنم . أما باقى المخرجين فإنهم جميعًا كان حلمهم مع أولى تجاربهم هو فاتن حمامة، وليس صدفة أن فى أول أفلام يوسف شاهين بابا أمين يفكر على الفور فى فاتن حمامة، وأول أفلام كمال الشيخ يصعد على الفور اسم فاتن حمامة فى المنزل رقم 13 ، وعندما يريد صلاح أبو سيف أن يغير مساره الفنى -أو بتعبير أدق- عندما يعثر أبو سيف على موجته السينمائية الصحيحة، وهى الواقعية يجد على الفور أحلامه بالتغيير تتجسد مع فاتن حمامة من خلال فيلم لك يوم يا ظالم .
ثم مع عز الدين ذو الفقار، هذا المخرج الذى نسج مع فاتن أجمل أفلام تاريخه وتاريخها أيضا، حيث كانت مع تباشير البداية لعز الدين ذو الفقار، وبعد عام واحد من تلك البداية فى فيلم خلود عام 1948.
واللقاء بين عز وفاتن هو حالة خاصة. إنه لقاء لا يعترف إلا بالنجاح الطاغى مثل موعد مع الحياة ، و موعد مع السعادة ، و بين الأطلال ، و نهر الحب ، وهو لقاء فنى، أو التقاء فنى، لم يتأثر إطلاقًا بالطلاق والانفصال الشخصى الذى وقع بين فاتن وعز فى منتصف الخمسينيات. بل إن فيلمى بين الأطلال و نهر الحب ، وهما ذروة نجاح هذا الثنائى تم إنجازهما بعد الانفصال. كان عز عندما يُسأل عن قيمة فاتن وترتيبها بين نجمات جيلها يقول فاتن تحتل المكانة من واحد إلى عشرة، وبعد ذلك يأتى ترتيب النجمة التالية لها فى المركز الحادى عشر ، هناك بالطبع مبالغة فى تقدير عز، لكن هكذا كانت فاتن تُشكل له قيمة فنية قبل وبعد الطلاق!
فاتن حمامة هى صاحبة أعلى أجر بين نجمات جيلها، وأكثرهن تحقيقا لإيرادات الشباك، ورغم ذلك لم تقع أسيرة لأرقام إيرادات الشباك، فقد كان لديها دائما شىء أبعد من مجرد أن يحقق فيلمها أعلى الأرقام. لم تصنع الأرقام حاجزًا بينها وبين أن تراهن على المجهول، ولهذا لم تخل أفلامها من مغامرة.
لقد استطاعت أيضًا أن تقهر تلك الصورة الذهنية، التى كانت هى الطابع المميز لمرحلتى الأربعينيات والخمسينيات وحتى الستينيات، إنها الصورة التى يتم تصديرها إلى الجمهور، وترتبط بالفنان دائمًا فى كل أدواره، عندما تراه تتجسد أمامك فورًا تلك الصورة، وهكذا مثلا تجدها فى مرحلة مبكرة جدًّا من عمرها فى منتصف الخمسينيات تلعب بطولة فيلم طريق الأمل لعز الدين ذو الفقار، وتؤدى دور فتاة ليل. صحيح أنها ضحية قهر اجتماعى فرض نفسه عليها، وتظل متعاطفا معها باعتبارها تنويعة درامية على شخصية المومس الفاضلة ، إلا أنها ولا شك جرأة منها أن تكسر نمط الفتاة المثالية المنكسرة الملائكية فى سلوكها، مهما كانت للمجتمع وللظروف الاقتصادية التى تعيشها سطوتها، كما لعبت بعد بضع سنوات دور زوجة خائنة فى نهر الحب لعز الدين ذو الفقار، وحطّمت للمرة الثانية الصورة الذهنية، التى تسيطر على الفنان، ولا تسمح له بالخروج عليها، هذه الصورة تفرض ملامح محددة على الشخصية الدرامية، والجمهور عادة لا يتجاوز الخط الفاصل بين الدراما والإنسان، لهذا فإن فاتن التى جسّدت كل قيم التضحية والوفاء فى أفلامها لا يقبل منها الجمهور ببساطة أن يراها فى دور المرأة الخائنة. صحيح أن السيناريو فى فيلم نهر الحب كان حريصًا على أن لا يشاهد الجمهور اللقاءات مباشرة بين البطلين للدلالة على الخيانة، فرغم سفرهما ضمن أحداث الفيلم معا إلى بيروت، فإن كلا من عمر الشريف وفاتن حمامة كان يقيمان بغرفة منفصلة، هذا هو ما حرص السيناريو على تقديمه للجمهور، كما أن السيناريو فى بنائه الدرامى كان يتعمد على أن يظل الجمهور متصاعدا فى كراهيته لزكى رستم (الزوج)، ورغم ذلك فالناس عادة لا ترضى للبطلة، التى يحبها أن تمارس حتى حقوقها الطبيعية، إنما يريدها دائما مثالية ملائكية، لا تعرف شيئا اسمه الرغبات حتى المشروع منها، فما بالكم بغير المشروع، ولولا أن فاتن لديها كل هذه المصداقية، ولولا أن عز لديه كل هذه الحساسية كمخرج لما استطاعا عبور هذا المأزق.
لم تتوقف فاتن عند جيل واحد من المخرجين. لقد التقت بكل الأجيال بداية من رائد السينما المصرية الأول محمد كريم، ثم تتابع مع مشوارها أحمد كامل مرسى، وبركات، وحسن الإمام لتصل إلى مرحلة هامة فى مشوارها لتلتقى مع حسين كمال فى إمبراطورية ميم عام 1972، ثم بعد ذلك تلتقى مع سعيد مرزوق فى أريد حلا ، وذلك عام 1977، وبعد ذلك عام 1988 فى يوم مر ويوم حلو مع خيرى بشارة، ثم آخر أفلامها أرض الأحلام عام 1993 مع داوود عبد السيد.
فاتن تعلم تمامًا أن النجم يتجدد من خلال عين جديدة للمخرج، تكتشف شيئًا أبعد مما يراه الآخرون، وأعتقد أن فاتن بصمودها كل هذه السنوات باعتبارها النجمة الأولى فى التوزيع الداخلى والخارجى أكبر دليل على أن القيمة الأدبية لفاتن حمامة كان لها مردودها المادى فى أوراق شركات الإنتاج ومكاتب الموزعين، لأنه مع كل موجة سينمائية جديدة تقتلع هذه الموجة كل ما هو سائد، وتنشأ قيم وقوانين جديدة ونجوم تعبر عن الجيل، إلا أن فاتن كانت هى الاستثناء، فلقد حافظت على قانونها، ففاتن فى أرض الأحلام 1993 إخراج داوود عبد السيد، هى فاتن التى شاهدها الجمهور فى اليتيمتين لحسن الإمام 1948.
عندما يقع اختيار أهل السينما على لقب سيدة الشاشة العربية ليمنحوه إلى فاتن حمامة، ويقع اختيار أهل الغناء على اختيار أم كلثوم سيدة الغناء العربى ، وأهل المسرح يطلقون على يوسف وهبى عميد المسرح العربى ، وأهل الأدب على طه حسين عميد الأدب العربى ، ألا يعنى هذا دلالة ما، وهى أن هؤلاء فى مواقعهم تجاوزوا حتى المنطقة الجغرافية والوطنية، ليمتد تأثيرهم إلى كل عالمنا العربى، ألا يعنى هذا أيضًا أن الزمن هنا منح أسماء هؤلاء دلالة أكبر من كونهم فنانين كبارا ليصبحوا رموزا دالة على الإبداع كله.
إنها الفنانة التى اختارها الجمهور والنقاد بإرادة حرة لتحمل لقب سيدة الشاشة العربية ، لم تسع هى إلى ذلك، لكن عطاءها هو الذى حقق لها تلك المكانة، وفى عام 1996 عندما أقيم أول استفتاء لأفضل مئة فيلم فى تاريخ السينما المصرية، حظيت فاتن حمامة بالمركز الأول، ولها رصيد 10 أفلام، الوحيدة التى كانت تلاحقها فى الأرقام هى سعاد حسنى، 9 أفلام، الأفلام العشرة حسب أسبقية عرضها جماهيريا هى ابن النيل يوسف شاهين، و لك يوم يا ظالم صلاح أبو سيف، و المنزل رقم 13 كمال الشيخ، و صراع فى الوادى يوسف شاهين، و أيامنا الحلوة حلمى حليم، و بين الأطلال عز الدين ذو الفقار، و دعاء الكروان ، و الحرام بركات، و إمبراطورية ميم حسين كمال، و أريد حلا سعيد مرزوق.
آخر ظهور علنى لفاتن حمامة فى مهرجان عربى كان فى أثناء تكريمها فى افتتاح مهرجان دبى السينمائى قبل أربع سنوات، عندما منحها عبد الحميد جمعة، رئيس المهرجان، درع تكريمها، لم تحضر فاتن إلى دولة الإمارات، لكن تم تصويرها فى بيتها بالقاهرة، كانت هذه الإشارة تحمل لى دلالة واضحة ومعنى مباشرا، هو أن فاتن حمامة لم تعتزل الفن، وتعددت بعدها مرات وجودها على المستوى العربى، عندما ذهبت فى مطلع 2014 إلى بيروت لاستلام جائزة تكريمها من الجامعة الأمريكية هناك، وحرصت فاتن على قبول الدعوة، وهى فى الحقيقة كانت حريصة على أن تتابع كل ما يجرى على الساحة الفنية، وكنت لا أستبعد مهما مرت السنوات أن نجد فاتن حمامة تقف مجددًا أمام الكاميرا لتسعد بطلتها الدنيا.
عندما علمت بالخبر تمنيت أن يُصبح شائعة سخيفة، مع الأسف كانت كل الدلائل تؤكد أنه صحيح، ورحلت فاتن الإنسانة، وبقيت فاتن الفنانة، لها مساحة لا تخبو. الفنان الاستثنائى مثل فاتن لا يغيب، لكنه قد يحتجب قليلًا، ليشرق مجددا فى أعماقنا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.