تُشبه الشمس في وهجها الخاطف ونورها الساطع وحرارتها القاسية، صوتها الذي يُشع نورًا، ونظراتها المليئة بالأنوثة، وملامحها المعجونة بالجمال، كلها تفاصيل أكدت تميّزها منذ نعومة أظافرها، وأكدت للجميع أن تلك الفاتنة سوف تخطف الانتباه على مستوى العالم في يوم ما وهذا ما حدث، إنها الأسطورة، يولاند أو، داليدا. ففي ذكرى ميلادها ال82 نحتفي بها ونُلقي الضوء على محطات مهمة في حياتها، محطات كانت تُشبهها، فكما كنت دليدا مزيجًا بين جميع المتناقضات، كانت حياتها كذلك، فإليك جوانب من حياتها وعليك تحكيمها. شبرا وبنات شبرا رغم الدماء الإيطالية التي كانت تجري في عروق داليدا، فهي ابنة لإثنين من المهاجرين الإيطاليين الذين تعود أصولهما إلى جزيرة كالابريا الواقعة في جنوبإيطاليا، إلا أن ميلادها ونشأتها في حي شبرا جعل الجينات المصرية تفرض سيطرتها عليها، وتُعطي لجمالها الإيطالي لمسة شرقية جعلهتا تفوز بلقب ملكة جمال مصر في عام 1954، عندما كان عمرها 21 عامًا فقط، فهي المولودة في 17 يناير من عام 1933. من حَوَل الإنطواء إلى حَوَل الحُسن لم تكن بدايات داليدا، تُنبئ بما وصلت إليه من نجومية عالمية، فهي ابنة لعائلة محافظة، وأب متشدد، فكانت منغلقة على نفسها في صباها إلى حد ما، زاد من ذلك الانغلاق معاناتها من حَول في عينيها، منذ أن كانت في سن الثالثة، إلا أنها ومع الوقت عالجته، ولم يبق في عينها سوى حول الحُسن كما يقولون. موت أبيها المفاجيء يُغير حياتها ارتبطت داليدا في صباها بشاب من حي شبرا، وطمحت في أن تتزوجه لتهرب من طغيان والدها وتشدده وتعيش حياة طبيعية كباقي البنات، لكن القدر فاجأها بوفاة أبيها، والتي اعتبرتها داليدا حادثة غيّرت مجرى حياتها، فبعد أن تخلصت من سطوته، خرجت داليدا للعالم، وعملت في إحدى شركات الأدوية كسكرتيرة. وبدأت في الاهتمام بشكلها، وأدركت مدى جمالها، فصارت تُبرزه، وأيقنت مع الوقت وردود فعل من حولها أنها جميلة، فنافست على لقب ملكة جمال مصر في عام 1954، وهي المسابقة التي التحقت بها سرًا دون علم والدتها، التي توقعت رفضها وخصوصًا أن المسابقة سوف تتطلب ارتداء المايوه أمام الجميع، لذلك أخفت الخبر عنها، لكن بمجرد فوزها وتصدر صورتها لأغلفة المجلات انفضح الأمر، فغضبت والدتها لأيام ثم تناست الأمر مع الوقت. لقب الملكة كان الخطوة الأولى في طريق الشهرة فحصول داليدا على لقب ملكة جمال مصر، كان الخطوة الأولى في طريق الشهرة، والبوابة التي دخلت منها إلى عالم النجوم، فزارت عدد كبير من استديوهات التصوير، وشاركت في بعض الأعمال بأدوار صغيرة لا تذكر كان أكبرها مشاركتها للراقصة سامية جمال في فيلم "سيجارة وكاس". وهذه المشاركات القليلة لم ترض شغف داليدا بالتمثيل، لذلك حينما علمت بخبر وجود المخرج الأمريكي هوارد هوكس في الأقصر لتصوير فيلمه "أرض الفراعنة - قناع توت عنخ آمون"، سعت إليه على الفور وطلبت منه إعطائها دورًا صغيرًا في بعض المشاهد، فوافق وجعلها "دوبليرة" لنجمة الفيلم جوان كولينز، فرحت داليدا بالفرصة، وتمسكت بها ، لكن الغريب أنه وبعد انتهاءها من مهمتها نصحها هوكس بترك التمثيل والبحث عن فرصة في عالم الغناء، فصوتها وثقافتها الموسيقية، التي اكتسبتها بسبب دروس أخذتها في العزف والغناء جعله يُدرك موهبتها الحقيقة من أول وهلة، لكنها للأسف لم تقتنع برأيه في البداية. يولاند التي أصبحت داليلا تمسكت بموهبتها، لأنها كانت مقتنعه تمام الاقتناع بموهبتها التمثيلة، فأصرت يولاند على استكمال المشوار، وقررت أن تبحث لها عن اسم فني يُساعدها في الانطلاق نحو النجومية، و نظرا للشبه الكبير بينها وبين هيدي لامار "HEIDI LAMAR " بطلة "SAMSON & DALILA" اختارت يولندا اسم داليلا DALILA كاسم فني، وحسمت الأمر بالسفر إلى فرنسا بحثًا عن فرصة أكبر، وبالفعل وبرغم اعتراض والدتها، سافرت داليلا إلى باريس، ومرت عليها أيام غربتها الأولى بصعوبة شديدة، إلا أن حلمها كان يشجعها، وبدأت داليلا في مراسلة شركات الإنتاج، ووكالات اكتشاف المواهب، لكنها لم تكن الوحيدة التي تبحث عن فرصة، فقد اكتفت داليلا بأن هناك المئآت مثلها، وأيقنت أن فرصتها صعبة في باريس، فقررت العودة وخصوصًا بعد نفاذ أموالها، وبالفعل حزمت حقائبها استعدادًا للرحيل. صدفة تُغير طريقها واسمها في مكتب الحجز لمحها رجل يُدعى رولاند برجر، مُدرب الأصوات، الذي أدرك على الفور أنها مشروع نجمه، فجمالها الواضح، وملامحها الآخاذة كنز، فتقدم إليها وتعرف بها، وأقنعها بالغناء، فرفضت، لكنه أصر ولأنها فقدت الأمل في التمثيل، قررت الاستجابة، فربما يتحقق لها ما تتمنى عن طرق الغناء، وبالفعل بدأ برجر في إعطائها دروسًا في الصوت متحملًا حدة طباعها لأنه آمن بموهبتها، وبالفعل أصبحت جاهزة للغناء وانطلقت إلى الكابريهات الفرنسية. وذات ليلة التقت ب"الفريد"، صديق المخرج السنيمائي هوكس، الذي اكتشفها في مصر، وقال لها الفريد بأن اسم "داليلا" غريب وعدواني بعض الشيء وعليها أن تُغيره، وبعد تفكير طويل قررت أن تخلط اسمها الحقيقي "يولاندا" مع الاسم الذي تُحبه "داليلا" وكانت النتيجة "داليدا". الشهرة تدق أبوابها ومن خلال غناء داليدا بالكباريه، شاهدها مُدير قاعة أولمبيا الشهيرة، فاستشعر موهبتها من أول طلة لتبدأ رحلتها الفعلية نحو الشهرة والنجومية، حيث أتتها الفرصة الحقيقة على يد لوسيان موريس مدير البرامج في إذاعة أوربا، الذي ساهم في إطلاقها كواحدة من أهم نجمات الغناء من خلال الأغنية الشهيرة "بامبينو"، وخلال سنتين فقط وبفضل خبرة موريس، الذي أصبح فيما بعد أول زواجها في عالم الدعاية، أصبحت داليدا أيقونة للغناء في فرنسا، حيث سيطر صوتها وأغانيها على موجات المحطات الإذاعية الفرنسية. من نجمة إلى أسطورة فبدأ مشوار داليدا الغنائي، والذي امتلأ بما يزيد عن 500 أغنية بلغات متعددة، حيث غنّت بالإيطالية والفرنسية والعربية والإسبانية والألمانية والتركية والهولندية والانجليزية، احتلت لوائح أفضل عشر أغنيات حول العالم من كندا إلى اليابان ومن مصر إلى الأرجنتين. وفي عام 1978 كانت داليدا من أوائل الذين صوروا أغانيهم بطريقة الفيديو كليب بفرنسا، كما حصلت على العديد من الألقاب والأوسمة كان أشهرها ميدالية رئاسة الجمهورية الفرنسية، التي منحها إياها الجنرال شارل ديجول بسبب ما حققته من انتشار عالمي للأغنية الفرنسية. ولقِّبت داليدا بملكة باريس، حيث جمعت بين الفن والأناقة والجمال في آن واحد، بعدما بهرت الدنيا بعروض في الثمانينات أشبه بالخيال، واستعراضات على الطريقة الأمريكية، وصلت إلى حد أنها كانت تُغير ملابسها في العرض الواحد 12 مرة، وتقديرًا لأعمالها الخالدة، حصلت على الأسطوانة الماسية عام 1981. الطريف أن شهرتها الغنائية فتحت لها أبواب السينما العالمية، فشاركت في 12 فيلمًا، كان من أشهرهم على المستوى العربي فيلم، اليوم السادس، للمخرج يوسف شاهين. النهاية المأساوية فرغم شهرتها ونجمويتها التي طافت بها الأسماع، عاشت داليدا حياة عاطفية تعيسة، قررت بسببها داليدا الانتحار، حيث تجرعت في عام 1987 جرعة زائدة من الحبوب المهدئة، بعد أن تركت رسالة قالت فيها جملة واحدة "سامحوني الحياة لم تعد تحتمل". لترحل الأسطورة، وتُدفن في مقابر المشاهير "Cimetiere de Montmartre" بباريس، وتُكرمها الحكومة الفرنسية بوضع صورتها على طابع البريد، وإقامة تمثال لها بحجمها الطبيعي على قبرها في العام 2001 يعتبر أحد أكثر الأعمال المنحوته تميزًا في المقابر الخاصة بالمشاهير، كما أقيم لها تمثال نصفي في حي مونمارتر في باريس، وهو نفس الحي الذي يقع فيه منزلها الباريسي الفخم، الذي يقع تحديدًا في شارع 11 "Rue d'Orchamps"، وهو المنزل الذي عاشت فيه داليدا لأكثر من 25 عامًا، وتحول إلى مزار سياحي يستقبل عشاقها، ثم يتحول مع الوقت لأهم معالم فرنسا السياحية.