شخصية ناقمة ومحبّة في آن معًا، تتأرجح كبندول الساعة بين الحب والتمرد، وفي هذا يكمن جوهرها المائز، يقول عن نفسه، "عشتُ حياتي كلها أشعر بالوحدة بين الناس، دون أن آخذ شيئًا من كفاحي إلا استمراري في الكفاح من أجل الحرية"، فقد كانت الحرية هي جوهر الوجود الإنساني في منظوره، والركيزة الأولى التي بنى عليها بقية القيم والمعاني في أعماله، التي تقاطع فيها السياسي، والابداعي، والثقافي. بعد انتهاء عصر الرواية الرومانسية بقرن كامل، ظل إحسان عبد القدوس يكتبها، حتى بعد أن طغى اتجاه الرواية الواقعية على المشهد الأدبي العالمي والعربي، وكان أبرز حاملي رايته في مصر نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي. لكن السؤال المحير، كيف يمكن أن يكتب إنسان عن الحب وألوانه في والحرب الباردة مندلعة وتلقي بظلالها على العالم من أقصاه إلى أدناه، والرغبة المحمومة في التسليح تسود أرجاء المعمورة، والبنادق والطائرات بدون طيار هي الأعلى صوتًا؟. برغم كل ذلك، اقترنت أعماله بمسحة من التفاؤل العميق، والانطلاق الطفولي، وهو ما جعله يعتمد على بساطة السرد ووضوح الأفكار، لذلك نجحت أعماله في كسب شرائح واسعة من القراء في كل الفئات. ولد عبد القدوس في 1 يناير 1919، ونشأ في بيت جده الشيخ رضوان، والذي تعود جذوره إلى الغربية وكان من خريجي الجامع الأزهر ويعمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، وكان يفرض على جميع العائلة الالتزام والتمسك بأوامر الدين وأداء فروضه والمحافظة على التقاليد، بحيث كان يُحرّم على جميع النساء في العائلة الوقوف في الشرفة بدون حجاب. وكانت والدته الفنانة والصحفية السيدة روز اليوسف سيدة متحررة تفتح بيتها لعقد ندوات ثقافية وسياسية يشترك فيها كبار الشعراء والأدباء والسياسيين ورجال الفن، وهو ما جعله ينتقل وهو طفل من ندوة جده، حيث يلتقي بزملائه من علماء الأزهر ويأخذ الدروس الدينية التي ارتضاها له جده، إلى ندوة أخرى على النقيض منها، وهي ندوة والدته روز اليوسف، وكان لهذين الجانبين المتناقضين تأثير كبير عليه فيما بعد. درس عبد القدوس في مدرسة خليل آغا بالقاهرة من عام 1927 وحتى عام 1931، ثم في مدرسة فؤاد الأول بالقاهرة من عام 1932 وحتى عام 1937، وبعدها التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، ليتخرج منها عام 1942، لكنه فشل في أن يكون محاميًا، لأنه لا يجيد المناقشة والحوار. اتجه بعد ذلك لكتابة الأدب فكتب أكثر من 600 قصة، كما شارك بإسهامات بارزة في المجلس الأعلى للصحافة ومؤسسة السينما، وقد كتب 49 رواية تم تحويلها إلى نصوص للأفلام، و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية و10 روايات تم تحويلها إلى مسلسلات تليفزيونية، كما ترجم نحو 65 رواية من رواياته إلى الإنجليزية والفرنسية والأوكرانية والصينية والألمانية. وتولى عبد القدوس رئاسة تحرير مجلة "روز اليوسف"، وهي المجلة التي أسستها أمه، وكانت له مقالات سياسية تعرض للسجن والمعتقلات بسببها، ومن أهم القضايا التي طرحها قضية "الأسلحة الفاسدة" التي نبهت الرأي العام إلى خطورة الوضع. وتعرض عبد القدوس للاغتيال عدة مرات، كما سجن بعد الثورة مرتين في السجن الحربي، كما أصدرت مراكز القوى قرارًا بإعدامه.