فجأة انتابت الغالبية العظمى من المصريين المسلمين فرحة طاغية بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للكاتدرائية الأرثوذكسية فى أثناء قداس عيد الميلاد المجيد للتهنئة بالعيد، ومعهم كانت هذه الفرحة مبهجة أيضا فى أثرها على الموجودين فى الكاتدرائية، معنى هذا أن الزيارة أشاعت بين جموع المصريين جوا من الرضا فى ما بينهم على اختلاف عقائدهم الدينية والسياسية والفكرية، رجالا ونساءً، أو من أعراق مختلفة أو طبقات اجتماعية، وهنا لا بد من وقفة لقراءة رد الفعل هذا من المصريين جميعا التى تعكس تلاحما كان يخفت ويغيب فى أوقات سابقة كئيبة وحزينة طالت الشخصية المصرية بالعبوس والانكسار، عندما كان يعلو بين قلة ضالة صوت الفرقة والانقسام، قلة كانت تحركها نوازع الشر تحت غطاء الدين، لقد جاء رد الفعل الشعبى حارا وتلقائيا للأسباب الآتية: أولا: زيارة الرئيس السيسى للكاتدرائية فى عيد الميلاد هى الأولى التى يقوم بها رئيس مصرى فى هذه المناسبة. ثانيا: الزيارة تمت عقب وصول الرئيس من المطار بعد زيارة للكويت، وحرص على التبكير بالمغادرة منها ليلحق بالاحتفال بعيد الميلاد. ثالثا: لم يضع الرئيس فى اعتباره سوء الأحوال الجوية فى أثناء رحلة الطيران أو فى مصر، مما يعنى عزمه الأكيد على أن لا يُفوِّت واجبه الوطنى فى هذه المناسبة. رابعا: مما تقدم يتضح أن الرئيس يحرص بشدة على أن يكون رئيسا لكل المصريين، وأنه لا يميِّز فئة على أخرى، ولا ينحاز إلى فصيل أو جماعة، ولا يُعلى من شأن أحد إلا فى إطار موضوعى يحكمه العمل الوطنى، والفضل فى هذا قوة الدفع المذهلة فى 30/ 6 التى وحَّدت المصريين على اختلاف مشاربهم ضد طاعون الإخوان وأوهامهم عن الخلافة والدولة الدينية والتخلى عن أراضٍ مصرية فى دولة أجمع علماء التاريخ القديم على تفردها عبر التاريخ بالحفاظ على حدودها الوطنية عبر مختلف الحقب والمحن، لأنها ذات شعب اسمه المصريين ، كانوا دائما على قلب رجل واحد. المصريون هم كلمة السر التى يؤسّس بها الرئيس السيسى لمشروعه من أجل بناء مكانة تستحقها مصر، فلن يبنى هذا الوطن وينهض به من عثرته القاسية سوى أبنائه، لم تغب هذه الحقيقة يوما عن وعى الرئيس وفكره ومنهجه من أجل إعادة ترتيب البيت وتثبيت أركانه بما يليق بهذه الأمة، فالمستقبل مرتهن بإرادة المصريين، وتجسَّد هذه الإرادة فى القدرة على العمل والعطاء بأقصى طاقة ممكنة. ولأن الرئيس عبد الفتاح السيسى يأخذ من هذا المفهوم منطلقا للبناء، لذلك فهو يكثِّف خطابه فى كل مناسبة على تأكيد معنى المصريين وقيمة المصريين وأهمية المصريين، وهنا يجب التوقف عند الخطوات العملية التى يتخذها الرئيس لتعزيز هذا المفهوم وترسيخه على أرض الواقع، وكانت زيارته إلى الكاتدرائية للتهنئة بعيد الميلاد المجيد كأول رئيس منذ إعلان الجمهورية، والأهم فى هذه الزيارة الكلمة الصغيرة التى ألقاها، وكان من الذكاء والتوافق الدقيق مع منهجه، لأنه وجَّه التهنئة إلى المصريين أو لهذا القطاع من المصريين دون تحديد العقيدة، فالمصريون سواء، وإن اختلفت عقيدتهم الدينية أو السياسية، وقطع الرئيس الطريق مباشرة إلى مضمون منهجه قائلا: إنتم بتلاحظوا ماباقلش أبدا غير المصريين، ماينفعش حد يقول لحد، (يقصد طبعا بين المصريين) غير كده، ماحدش يقول إنت مصرى إيه ، لم يأتِ الرجل على ذكر الديانة، ولم يعرف بين جموع الموجودين فى الكاتدرائية سوى المصريين، لأن ما تبقى بعد هذا هو علاقة خاصة مع الله، كل هذا يجب أن ينظر إليه من خلفية أن الرئيس رجل متدين بطبعه إن لم يكن شديد التدين، لكنه فى هذا يفصل بين علاقته بربه وعلاقته الوظيفية بأبناء وطنه الذين منحوه الثقة ليحكمهم. خطاب الرئيس السيسى خطاب وطنى من طراز رفيع يعلى من قيمة المواطنة التى تعنى ببساطة أن ما يرفع من شأن المواطن هو فقط جدارته واحترامه للقانون، أما ما عدا ذلك فهو أمر يخصه، لقد كانت التفرقة بين المصريين على أساس الدين أنغص وأبغض ما أنتجته الحقبة الساداتية فى مصر التى اتخذت من الدين ذريعة للمناورات السياسية ومحاربة الخصوم، وقتها عرفت مصر أحداثا جساما ضد المصريين المسيحيين بدأت بأحداث الخانكة ثم الزاوية الحمراء، أما اليوم فعندما زار عبد الفتاح الكاتدرائية كان وجهه بشوشا يفيض بين أهله فيها بالحب والانتماء، ممزوجا بطاقة من الصدق الذى يشى بالفرحة والإعزاز، وهذا فعل بألف قول. لكن الأهم فى مشروع السيسى، بعد هذا الصدق والتوجه الذى لا لبس فيه، تحقيق قفزة اقتصادية ترفع عن كاهل كثير من المصريين عبء مواجهة حياة صعبة يعانى منها أغلبهم، لأن نبل المقصد ليس غاية مجردة فى حكم الشعوب التى تطمح دائما لفعل ناجح على أرض الواقع، ينتشلهم من قاع العوز والحاجة وهُوة الفقر الآخذة فى الاتساع فى مصر منذ عقود طويلة.