قرأت خبرا جميلا يتسق مع أجواء الأعياد الروحانية فى هذا الأسبوع الذى يشهد الاحتفال بكل من المولد النبوى الشريف وأعياد الميلاد المجيد: قررت كاتدرائية مدينة كولونيا، وهى من أقدم وأكبر كاتدرائيات ألمانيا، إطفاء أنوارها اعتراضا على إقامة المظاهرات المناهضة للمسلمين والأجانب فى المدينة، وتهدف بذلك إلى دفع المشاركين فى المظاهرة لإعادة التفكير فى مدى أخلاقية مشاركتهم بالمظاهرة عند مرورهم بالمناطق المظلمة، وهو قرار قامت به دار أوبرا كولونيا بمظاهرة سابقة. تُبَلْوِر المظاهرات المتكررة فى الشهور الأخيرة روح العداء للأجانب على الساحة الألمانية، وتنظمها حركة بيجيدا (Pegida)، وهو اختصار لعبارة طويلة تعنى أوروبيون وطنيون ضد أسلمة العالم الغربى ، والتى نجحت فى تنظيم مظاهرات حاشدة ضد الأجانب والمسلمين، فتتراوح المسيرة الواحدة ما بين الخمسة عشر والعشرين ألف متظاهر، وهو عدد كبير فى دولة يعزف بها الشعب عن التظاهر، نتيجة استقرار النظام السياسى إلى حد كبير، وتهدف مسيرات بيجيدا معارضة أسلمة أوروبا، فهم يخشون تزايد أعداد النازحين واللاجئين من العالم العربى تحديدا، خصوصا مع تفاقم الوضع الإنسانى فى سوريا والعراق فى العامين الأخيرين، ويرى أنصار هذه الحركة أن العرب والمسلمين يأتون لأوروبا للحصول على المعونات الإنسانية وأخذ فرص العمل من المواطنين الأوروبيين وتخريب المجتمع الغربى، وتهديده بغزو ثقافى وافد من العالم العربى المتخلف بما لا يتسم مع العادات الأوروبية أو تاريخها وتراثها الحضارى المسيحى، لعلك سمعت عبارات مشابهة من قبل ولكن فى الاتجاه المعاكس. على المستوى النفسى يشكل الخوف والجهل السبب الأساسى لكراهية ورفض الآخر، إضافة إلى المعلومات الانتقائية والمتحيزة التى لا تركز سوى على عيوب الآخر، فمثلما يُبرز الإعلام الغربى داعش وأفعاله الإجرامية يُبرز إعلامنا كذلك الأحداث المتعلقة بكراهية وعنصرية وإمبريالية وازدواجية الغرب تجاه العرب، دون تحليل سياسى أو تقديم سياق تاريخى أو ثقافى أو تقديم تفسير لإخفاقات دولنا المتكررة السياسية والاقتصادية، هم يكرهوننا ونحن الضحية وهو كده . ولهذا لن ترى خبر تضامن كاتدرائية كولونيا فى النشرة الإخبارية، فهو خبر إيجابى وممل، وعادة ما تتصدر الأخبار السلبية المشهد الإعلامى: انفجارات، أحداث شغب، جرائم عنصرية، حوادث قتل وإجرام، إلخ، وتتسق تغطية المظاهرات المعادية للأجانب والمسلمين فى هذا الإطار، أما الإجراءات المضادة التى يتخذها المجتمع المدنى الألمانى فى هذا الصدد، سواء حركات اجتماعية أو صديقة للأجانب أو الكنائس، فلن تجد تغطية كافية، لأنها لا تتماشى مع تحيزات الصحفيين الذين ينتقون الأخبار ولا تتماشى مع رؤية الجمهور المصرى والعربى والمسلم لذاته، الذى لا يريد أن يرى نفسه إلا ضحية مستضعفة مفعولا بها. ومن هنا تأتى لفتة كاتدرائية كولونيا وغيرها من المرحبين بالأجانب والمسلمين فى الغرب كتجسيد غير مفتعل للتسامح، يتعدى عناق الشيخ والقسيس والمعايدة المتلفزة. وكل سنة وأنتم طيبون.