السعادة ليست اختيارا كما يصرون. السعادة أو التعاسة أو التشاؤم أو التفاؤل.. كلها حالات مزاجية تتحدد منطقيا حسب معطيات الموقف، وأهم عنصر فى معطيات أى موقف هو عنصر الزمن، وهذا الزمن العشوائى أقسى من الوصول فيه لأى حالة بمعناها الحقيقى. نحن الجيل التائه فى البحث عن اختيار نهائى لأى حالة والثبات عليها. الانفتاح الزائد على العالم وعلى بعضنا البعض من خلال هذا التطور الإلكترونى الهائل والذى حسبه الكثير ميزة، هو نقمتنا الأكيدة، لأنه من الصعب أن ترضى العين بالمعقول بعد أن رأت الرائع، ومن الصعب أن يستقر العقل على اختيار وأمامه مليون، ومن الصعب المحافظة على الذاتية دون التأثر بالمنتشر. لكثرة المواقع والقنوات الإخبارية ندر الخبر السليم. لكثرة المحطات التليفزيونية ندرت التسلية. ننشر صورنا فى حياتنا المبهجة (أو هكذا نتظاهر فى الصور)، يظن مشاهدها أنه أتعس من صاحب الصورة. لكثرة المواهب وسهولة العرض أون لاين ، صعب التفريق واحتدت المنافسة وسهل الوصول للكل، فأصبح بلا قيمة فعلية كما كان فى الماضى. المفهوم العالمى للصحة ومقاسات الأنوثة، جعلنا نسعى لنفس نمط الحياة ونفس شكل الجسم ونحاول الإقلاع عن نفس العادات. متعة مقابلة أشخاص جدد أصبحت شبه مستحيلة، لأن مساحة الدنيا ضاقت أكتر بالإنترنت. اشتدت حرب الأحلام بين الوظيفة الثابتة والعمل الحر، بين الخضوع للمجتمع وتحقيق الهدف. تشوهت قصص الحب حين أضيفت إليها مصطلحات وأشكال دخيلة على مجتمعنا لم تفلح أساسًا فى موطنها الأصلى. الزحمة والغلاء. الثورة وما بعدها من أمل وما بعد الأمل من إحباط. حلم الهجرة واستحالة الهجرة. حلم البقاء واستحالة البقاء. ملل الجلوس على القهاوى والحكى فى نفس الكلام المكرر وملل الجلوس فى البيوت. انسحاب أدب المراعاة من دم الناس فى كل تصرفاتهم اليومية. قالت لى دكتورة أمراض جلدية إنها من خمس سنوات فقط لم يكن يزور عيادتها إلا قليلون يشتكون من أمراض جلدية بسيطة جدا، ثم ازدحمت العيادة بالشباب الذى يشتكون من أمراض سببها الأساسى هو التوتر. وسألتنى: موترين نفسكم ليه بس يا شباب؟ فقلت لها دون تفكير: ده مش توتر.. ده هبوط اضطرارى .