مع اقتراب الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف من كل عام، تغزو عروس المولد شوارع مصر وبيوت أهلها على اختلاف طبقاتهم وثقافتهم، فالزمن لم يستطع أن يسلب من تلك الصغيرة سطوتها، ولا قدرتها على امتلاك القلوب، حتى لو اختلف شكلها، وتأثر بسمات العصر الحديث ووسائل التكنولوجيا المتعددة، تظل وحدها الهدية التقليدية للبنت المصرية في تلك المناسبة مهما كان عمرها. لكن ما هو أصل ونسب تلك العروس الصغيرة؟ سؤال على الرغم من بساطته، إلا أنني بالبحث اكتشفت مدي صعوبته، وذلك بسبب اختلاف الأقاويل حول أصل عروسة المولد ومن هو صاحب فكرتها وأول صانع لها. البعض يقول أنها فرعونية؟ نسب البعض عروسة المولد إلى الفراعنة، وعزز ذلك الرأي بالأدلة والبراهين، فأكد بعض الخبراء أنها فرعونية الأصل معتمدين في ذلك على نسخ منها معروضة في المتحف الزراعي بالقاهرة، مؤكدين أنها كانت عبارة عن عرائس شعبية مصنوعة من عسل النحل الصافي الممزوج بدقيق القمح. وكانت تنتشر تلك العرائس بين المصريين في الأعياد المتتالية، سواء كان عيد الربيع، او عيد التتويج الملكي. الطريف في الأمر أن تلك العرائس فرضت سطوتها على المصريين حتي في زمن احتلال الهكسوس لهم، فلم ينقطعوا عن صنعها، ولم تختفي هي من مناسباتهم حتى الحزين منها، فلقد كانت شريكة أساسية في أفراحهم ومأتمهم ايضاً وكذلك في زياراتهم لموتاهم في القبور. كما تم العثور على نماذج مصنوعة لها من العاج والخشب في مقابرهم. كذلك استمرت ايضا في عهد الفرس، وظلت متداولة في مصر في العصر الإسلامي. وبمجيء الدولة الفاطمية، أضيف إليها حلوى المولد، وأصبحت مظهرًا أساسيًا من مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. وأصبح لها قوالب خشبية يصب فيها عجينها المصنوع من الدقيق والعسل الصافي حتى يجف ويتصلب شكلها، ليبدأ بعد ذلك تزينها بالألوان المصنوعة من عصير النباتات مثل التوت البري والتين والرمان والكركم، وكانت تزخرف بزهور اللوتس وأوراق البردي. وبمرور الزمن تم استبدال العسل الصافي بسكر القصب، ودقيق القمح بدقيق الذرة الغني بالنشا، ولكن استمرت القوالب الخشبية تستخدم في صناعتها لكسبها شكلها المميز، وتزيينها بالورق الملون والألوان الصناعية. العروسة قبطية الأصل في دراسة لخبير الأثار الدكتور عبدالرحيم ريحان، تم الإشارة إلى أن عروسة المولد قبطية الأصل، كانت تصنع في مصانع خاصة بمنطقة أبو مينا بكينج مريوط، وكانت ترمز في المسيحية إلى النفس البشرية. واعتقد أن هذا رأي لا يتنافى مع الرأي السابق في أنها فرعونية الأصل، فمن الواضح أن تأثيرها قد امتد من عصر الفراعنة واستمر حتى دخلت المسيحية مصر كما استمرت في العصور الإسلامية. ويؤكد الدكتور عبد الرحيم ريحان في دراسته عن عروسة المولد، أنه وفي العصر الفاطمي حرص المسلمين على إحياء مصانع مدينة أبو مينا التي تخصصت في صناعة تلك العرائس، والتي كان تم إغلاقها لسنوات طويلة، ولعبت الصدفة دورها حيث تم افتتاح تلك المصانع مرة أخرى في ذكرى مولد النبي الكريم، فبدأ العمال المسيحيون فى استئناف نشاطهم وصنعوا العروسة وكذلك الحصان كي يفرح بها الأطفال المسلمين والمسيحيين على حد سواء. وقد تم اكتشاف نماذج للعروسة والحصان في خرائب مدينة أبومينا تشبه تماما العروسة والحصان الحلاوة المعروفة لدينا. الفاطميين وعروسة المولد يردد بعض الخبراء أن عروسة المولد إسلامية، وبالتحديد فاطمية الأصل، مستندين في ذلك إلى المعلومات التاريخية المؤكدة حول أسبقية الفاطميين في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بالحلوى المميزة وإقامة الشوادر والاحتفالات والولائم. وتؤكد بعض الأراء أن أول ظهور لعروسة المولد لم يكن في عهد الفراعنة ولا في عهد الأقباط، ولكنها ظهرت في عهد السلطان الفاطمي الحاكم بأمر الله الذي كان يحب إحدى زوجاته، فأمر بخروجها معه يوم المولد النبوي فظهرت في الموكب بردائها الأبيض وعلى رأسها تاج الياسمين فقام صناع الحلوى برسم الأميرة في قالب حلوى بينما الآخرون يرسمون الحاكم بأمر الله وهو يمتطي حصانه وصنعوه من الحلوى. ويرى البعض أن الحكام الفاطميين كانوا يشجعون الشباب على عقد قرانهم يوم المولد النبوي ولذلك أبدع صناع الحلوى في تشكيل عرائس المولد وتغطيتها بأزياء تعكس روح هذا العصر، وكانت أمرًا مهمًا جدًا لا يكتمل الاحتفال بالمولد النبوي الشهير من دونه، ويؤكد ذلك ذكر المقريزي لها في أحد كتبه التاريخية حيث أكد أنها كانت تصنع من السكر على هيئة حلوى منفوخة وتجمل بالأصباغ، ويداها توضعان في خصرها وتزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها. العروسة في الفن المصري ولأنها جزء لا يتجزأ من الثقافة المصرية، كان لابد أن تفرض حضورها في الفن المصري على اختلاف فروعه. لذلك نجدها تعتلى أفيش أحد الأفلام المصرية القديمة الذي تم إنتاجه عام 1954 وحمل عنوان "عروسة المولد" وهو الفيلم الذي كتبه وأخرجه عباس كامل، وقام ببطولته عبد العزيز محمود وتحية كاريوكا ومحمود المليجي، وعرض تحديدها في السينما المصرية لأول مرة في 26 ديسمبر من عام 1954، وعلى مدار 100 دقيقة هي زمن الفيلم قصة عروسة المولد المصنوعة من الحلوى والتي تقف مع أشباهها من العرائس والفرسان لكنها كان تتمنى أن تدب فيها الحياة لتمارس الرقص والغناء فى المدن، وتعيش حياة كلها بهجة، وأخيرًا يتحقق حلمها وتنتقل إلى الحياة الجديدة التي تمنتها، لكن يصيبها نوع من الذهول خاصة لما رأت المآسي في حياتها، وأمكنها أن تكتشف صورًا كثيرة من النفاق والرياء والخيانة بل وعدم الوفاء وانتشار الحقد بين النفوس واستغلال الإنسان، إلا أنها تراجعت عن أحلامها لأنها لا تقدر أن تتكيف نفسيًا مع هذه الحياة، ولا تجد طريقًا أمامها سوى أن تفذف بنفساه في صهريج الحلاة لتصهر من جديد. ربما يكون هذا هو الفيلم الوحيد الذي اعتمدت فكرته بالأساس على عروسة المولد، ومن يومها وحتى الآن لم نجد عملًا فنيًا اعتمد عليها بنفس هذه الطريقة. لكن هذا لا يمنع وجود أعمال أخرى استفادت منها واستخدمتها، فنحن جميعا نتذكر وجودها الطاغي في فيلم "عشاق الحياة" الذي لعب بطولته المطرب محرم فؤاد والنجمة نادية لطفي، حيث أهداها عروسة المولد وهو يغني لها أحدى اغنياته في ويطوف معها في المولد. كما كانت حاضرة بقوة في فيلم "شيء من الخوف"، فعندما أراد محمود مرسي الذي لعب دور عتريس إسعاد محبوبته فؤادة التي لعبت دورها شادية أهداها عروسة المولد. وإن كان حظ عروسة المولد في السينما لم يكن بالقدر الذي تستحقه، كان على العكس في الفن التشكيلي ، حيث حظيت باهتمام عدد كبير من الفنانين التشكيليين المصريين المعاصرين أمثال الفنان سعد كامل وخميس شحاته وحسن راشد وعبدالغني ابوالعنين وعلي دسوقي ورفعت أحمد وجمال السجيني. كما قدمت الأوبرا عرض "يا ليل يا عين" إخراج زكي طليمات، حول مريض ويتصادف في ليلة مولد النبي وأثناء وقوفه متعجبًا علي أشكال عرائس المولد الجميلة خرجت إليه الجنية في صورة عروسة المولد ورقصت معه وشاركها الرقص ومن ثم برىء مما أصابه من مس الجن. وقدمت فرقة رضا للفنون الشعبية تابلوه راقص بعنوان "عروسة المولد" استلهمت منها الحركة الراقصة على أنغام الموسيقى الشعبية.. كما قدمت فرقة باليه أكاديمية الفنون باليه "عروسة المولد" تضع الراقصة يداها في وسطها تشير إلى حركة رقص. كما كان للعروسة نصيب في الشعر كان من أشهرها ما كتبه عنها الشاعر الكبير صلاح جاهين الذي كتب عنها وعن حلاوة المولد فقال: "حلاوة زمان عروسة حصان.. وآن الأوان تدوق يا وله .. ما ليش دعوة ياما.. أنا عاوز حلاوة .. ما ليش دعوة ياما .. يوه بطل داناوه .. ما ليش دعوة ياما.. حلاوة حلاوة .. حلاوة زمان عروسة حصان". كما كتب عنها الراحل فؤاد حداد فقال: للي بنى مصر كان في الأصل حلواني وعروسة المولد بتشهد له أما قوامها الراسى يشهد لعدله وقفت وهف النور على العمدان بين الأسود والخيل فى عقل الميدان هى الأميرة على السيوف حواليها وهى شمسيه وبرد وسلام وهى ست الحسن معزوزه وكلنا الشطار وفايتين عليها هى العروسه ويبقى مين العريس؟