ثلاث نساء كُنَّ عنوان جوائز مهرجان «دبى» فى دورته الحادية عشرة من الإمارات، نجوم الغانم بفيلمها «سماء قريبة» الحاصل على جائزة «مهر» الفيلم التسجيلى الطويل، ومن اليمن المخرجة خديجة السلامى أفضل فيلم روائى طويل «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة»، ومن تونس هند بن جمعة بفيلمها الروائى القصير «فتزوج روميو جولييت». أغلب أعضاء لجنتى التحكيم من الرجال ولا يمكن اعتبار أن الجوائز تعبر عن انحياز نسائى، ولكن فنى، ولا يخلو الأمر بالطبع من ملاحظات على تلك النتائج. هل كان صوت القضية هو الأعلى صوتا، ولهذا منحتها لجنة التحكيم الجائزة الكبرى المهر فى مسابقة الأفلام الطويلة؟ أتحدث عن فيلم أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة للمخرجة اليمنية خديجة سلامى، بينما انحازت على الجانب الآخر لجنة تحكيم الأفلام القصيرة إلى العمل الفنى الأكثر تعبيرا بأدوات سينمائية، بل كان الحوار فى أكثر درجاته تكثيفا وهمسا، أتحدث عن فتزوج روميو جولييت للتونسية هند بوجمعة. فيلم خديجة سبق أن تناولته فى تلك المساحة والخط الدرامى به مسحة تسجيلية، حيث إن المخرجة كانت تروى مأساتها التى عاشتها وهى طفلة على شريط سينمائى، فهو اغتصاب وليس زواجا، حتى ولو قال المأذون إنه على سنة الله ورسوله. عاشت المخرجة نفس المأساة فى طفولتها، فلقد أجبروها على الزواج وهى فى الحادية عشرة، بينما بطلة الفيلم تزوجت فى العاشرة. فى الحالتين تم الطلاق بضغط من رجال الدين ومن كبار رجال القرية، ولكن من الواضح أن خديجة لم تنسَ معاناتها. وهى فى الحقيقة لا تقدم حكايتها مباشرة، ولكن من المؤكد أن الفيلم كان يروى جانبا منها أو ما تبقى فى مشاعرها وهى لا تزال طفلة، وكيف أن هناك من يريدون اغتيال الطفولة والبراءة بغطاء كاذب من الشريعة الإسلامية. من الواضح أنها لم تُرِد مناقشة الشريعة وهل من الممكن أن الإسلام يقر بهذا العبث، ولهذا وكما أن الغطاء الدينى كان هو المبرر للزواج، فإن الطلاق تم أيضا تحت غطاء الدين، وذلك فى ما يبدو حتى لا تصطدم بعدد من المتزمتين دينيًّا. بالطبع من حق لجان التحكيم أن تنحاز إلى ما تراه، ورئيس اللجنة المخرج الأمريكى لى دانيالز ومعه ستة من أعضاء اللجنة توجوا الفيلم ب المهر . هذه اللجنة أيضا كان لها رأى إيجابى فى جائزة الفيلم التسجيلى الطويل، ومنحوه أفضل فيلم تسجيلى للمخرجة نجوم الغانم عن فيلمها سماء قريبة . صارت نجوم فى السنوات الأخيرة وجها مألوفا على المهرجانات، ودائما لها إطلالة بين أبو ظبى و دبى ، حيث تتناول نجوم فى فيلمها الجديد المرأة الإماراتية فاطمة الهالمى، فهى الوحيدة التى أصرت على اقتحام مجال يبدو غير مأهول فى الإمارات للمرأة، إنه المزاينة وتعنى المزايدات التى يتم فيها استعراض الإبل والدخول فى مسابقة لاختيار الأجمل والأوفر صحة بينها. نجوم الغانم تُقدم لنا هذه الشخصية الإماراتية كما هى بفطرتها، اختارت التسابق رغم أنها لم تفز حتى الآن، وهذا لا ينفى إحساسها الدائم أن إبلها المشاركة فى المزاينة تستحق الفوز. لقد صارت فاطمة شخصية مشهورة عالميا لاقتحامها هذا المجال الذكورى فى مجتمعات عربية لا يُسمح فيها للنساء بممارسة مثل هذه المسابقات إلا بموافقة الرجال. طموح فاطمة الذى لا يعرف حدودا أحالها لا إلى عاشقة للإبل فحسب، ولكن للصحراء، وكثيرا ما قدمتها المخرجة نجوم الغانم وهى تحتضن رمال الصحراء فى اشتياق حقيقى، ولديها شفرة تواصل مع الإبل لا تخطئ أبدا فى الوصول إليها. علاقة عاطفية من فرط صدقها وتفردها، ونراها وهى تنظفها بالشامبوه غالى الثمن، وتؤمن بأن حليب الناقة وبول الإبل هما خير شاف لعديد من الأمراض، لم تكن الحكاية هى حب الإبل، ولا الاشتراك فى التسابق، ولكنها أكثر من ذلك بكثير، إنها إثبات عملى لقدرة المرأة على اقتحام كل الأعمال. ومن تونس يأتى الفيلم القصير فتزوج روميو جولييت ، كل قصص الحب الخالدة لم تنته بالزواج، ولو حدث ما خلَّدها التاريخ: قيس وليلى، وجميل وبثينة، وكُثَيّر وعزة، وصولا إلى حسن ونعيمة. ولو حدث الزواج لكان وعلى الفور وبلا أدنى شك الطلاق والخلافات، تلك هى شريعة الحياة والزواج، لا يمكن أن تستمر المشاعر الرومانسية مع ضغوط الحياة إلى الأبد. هند بوجمعة من تونس، تقدم لنا حياة الملل لزوجين أطلقت عليهما روميو وجولييت، مضى نصف قرن على زواجهما وصارا لا يلتقيان إلا لِمامًا، رغم أنهما يعيشان تحت سقف واحد، نتابع الرجل داخل البيت وهو يشاهد أفلام الأطفال أو يداعب عصفورة وهى تستلقى نائمة لا تفعل شيئا. هكذا يمضى الزمن رتيبا، والمخرجة تُقدم شريطها بكثافة فى الحوار تستطيع أن تحصى عدد كلماته لا تتجاوز 10 بالتمام والكمال، ولكنك طوال 18 دقيقة زمن الفيلم لا تشعر بحاجتك إلى الكلمات، لا شىء يحتاج إلى كلمات، ولكن تعبير بليغ فنيا بأدء البطلين وبالكادر الذى ترسمه المخرجة، ثم نرى جولييت وقد ارتدت الأسود دلالة على رحيل روميو، فهل عادت ربما الذكرى لتعيش مع استرجاعها لا لأيام خريف العمر، ولكن للشباب عندما كان روميو يعشق حقيقة جولييت قبل أن يتزوجا بنصف قرن.