الإنسان فى الإسلام، كما تشى الرؤية القرآنية للوجود، ليس هو ذلك العدم المنسحق دومًا تمامًا أمام الله، لكنه أيضًا ليس هو الحضور التعادلى مع الله، بل هو يمثل نوعًا وسطًا من الوجود، يتمتع بنوع من المشابهة مع خالقه، أو المشاركة فى أوصافه، لكن من دون التجرؤ على مساواته قطعًا، ففى الإنسان خير، لكنه ليس خيرا خالصا كالخير الإلهى، وفيه نزوع إلى الكمال، لكنه نزوع غير قابل للاكتمال، فالإنسان مزيج من الخير والشر، الكمال والنقص. وعلى هذا الطريق سلك الوحى التوحيدى، الذى افترض فى العموم وجود إله مهيمن على الكون، له كل صفات القدرة والعلم من ناحية. وإنسان مستخلف على الأرض فى ضوء القوانين الأساسية التى أودعها الله فى الكون، وضمَّنها رسالات الأنبياء والمرسلين من ناحية أخرى، وهنا يصير ممكنا للإنسان أن يحقق حريته ويراكم معرفته، لكن فى عناية خالقه، وتحقيقا لغايات يريدها الله له. وهكذا تتجلى حقيقة بسيطة وهى: إن الله قد منح الدين لعباده المؤمنين كى يرسم لهم معالم أفضل طريق ممكن لممارسة خلافتهم فى الأرض، ذلك العهد الذى منح للإنسان وحده باعتباره إنسانا، وهكذا يكون الدين عطية إلهية للإنسان، فالإنسان هو المالك والدين هو المملوك، غير أن الإنسان مالك للدين بقدر ما هو مملوك/ مخلوق لله عز وجل شأنه. والدين هنا مجرد خطة طريق تساعد البشر على أداء رسالتهم الأساسية، التى خلقوا لأجلها، ونزلوا على الأرض تحقيقا لها، وهى رسالة العمران، التى قصدتها المشيئة الإلهية من خلق الإنسان، ومن عصيان إبليس، ومن إغواء آدم، فالهبوط إلى الأرض هو مشيئة الله الحقيقية، وما أحاط بتلك المشيئة من ملابسات قصة الخلق فى الكتاب المقدس والقرآن الكريم معا، ليست إلا ذرائع لها، فهبوط آدم، لم يكن مجرد انعكاس لخطيئة عارضة فرضت منطقها على مسار الخلق الإلهى، فاجأت الله أو خرجت على مشيئته، فقرر الله عقابه، وبالصدفة هبط إلى الأرض، فمثل هذا الفهم الساذج لا يعنى سوى أننا نجهل حقيقة الله، وجوهر الألوهية، أى الكمال. وهكذا يصبح عهد الاستخلاف الإلهى، هو الوثيقة الكبرى والأساسية لفهم جوهر العلاقة بين الله والإنسان، وكذلك بين الإنسان والإسلام. فالإنسان فى الإسلام كائن حر مختار، مبدع لوجوده بفضل التفويض الإلهى الممنوح له. أما الإسلام نفسه فيصبح كل فكرة خلاقة يبدعها العقل الإنسانى، وكل فعل مبدع يقوم به الإنسان، بمقتضى هذا التفويض، تحقيقا لأفضل ممارسة ممكنة لعهد الاستخلاف الإلهى. وهكذا فإن الإسلام، كى يبقى دينا للإنسانية، شاملا وخالدا، لا يمكن اختزاله فى أركانه الخمسة فقط، ولا يجب حبسه فى نسق فكرى مغلق ينتفى عنه كل ما عداه، ولا التنازل عنه لكهنة يحتكرون روحه ويتحدثون باسمه، بل يتعين اعتباره نسقا مفتوحا يستوعب كل فكرة خلاقة وفعل مبدع فى التاريخ طالما كنا قادرين على ترقية الحضور الإنسانى على الأرض، من دون نفى مركزية الله فى الوجود، فهكذا يتمحور الدين حول الإيمان، فلا يقتل الإنسان على مذبح الطائفة أو المذهب أو حتى الدين، بل تصير الأديان للإنسان، وليس الإنسان للأديان.