بالأرقام، لطفي شحاتة يحسم صدارة الحصر العددي في الزقازيق ب71,214 صوتا    من الإسكندرية إلى القاهرة والعكس، جدول كامل لمواعيد قطارات اليوم الجمعة 19 ديسمبر 2025    ما حضرتش فرح ابنها، نجل حنان ترك يحتفل بزفافه بعيدًا عن الأضواء دون ظهور والدته (صور)    بعد قليل، ظاهرة فلكية ترى بالعين المجردة تزين السماء    الداخلية تضبط 20 شخصًا على خلفية مشاجرة بين أنصار مرشحين بالقنطرة غرب    نائب وزير الإسكان يبحث التعاون مع شركة كورية متخصصة في تصنيع مكونات محطات تحلية المياه والصرف الصحي    محمد منير يشعل تريند جوجل ب«مكاني».. أغنية الوحدة العربية تتوّج ختام كأس العرب 2025    مصطفى بكري: أناشد الرئيس السيسي تخفيف الأعباء عن الغلابة والطبقة المتوسطة.. الأسعار هارية الناس    عبد المنعم سعيد: الإعلان عن اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان هو تفعيل لها    رئيس إدارة المديريات الزراعية: صرف الأسمدة سيضم 6 محافظات بموسم الصيف المقبل    مشاجرة عنيفة وألعاب نارية باللجان الانتخابية في القنطرة غرب بالإسماعيلية، والقبض على 20 متورطا    «مطروح للنقاش».. إعادة هيكلة الجيش الأمريكي وتغييرات البث الرقمي    أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 ديسمبر في بداية التعاملات    كبير الأثريين: الحضارة المصرية عقدة اليهود الأزلية.. الهجوم على المتحف الكبير سببه أنه مشروع ناجح    العليا للتفتيش الأمني والبيئي تتابع إجراءات تشغيل البالون الطائر بالأقصر    مستشار الرئيس للصحة: لا يوجد وباء والوضع لا يدعو للقلق.. والمصاب بالإنفلونزا يقعد في البيت 3 أو 4 أيام    اللجنة العامة ببنها تعلن الحصر العددي لجولة الإعادة بانتخابات النواب 2025    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالإسماعيلية تعلن نتيجة الحصر العددي للناخبين    الحصر العددي الأول بلجنة طنطا رقم 1، نتائج فرز أصوات اللجان الفرعية    انفجارات في أوريول.. أوكرانيا تستهدف محطة كهرباء روسية    واشنطن تفرض عقوبات على سفن وشركات شحن مرتبطة بإيران    اجتماع رفيع المستوى في ميامي.. ويتكوف يلتقي الوسطاء لبحث ملف غزة    الحصر العددي للدقهلية: تقدم عبدالسلام وأبو وردة والجندي ومأمون وشرعان    بعد جدل أمني، تيك توك تبيع أصولها في أمريكا    سفير مصر في المغرب يكشف تفاصيل معسكر منتخب مصر قبل كأس الأمم    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالإسماعيلية تعلن نتيجة الحصر العددي للناخبين    بالأرقام، الحصر العددي للدائرة الثامنة بميت غمر    نجاة الفنان وائل كفوري من حادث طائرة خاصة.. اعرف التفاصيل    بناء القدرات في تحليل وتصميم نماذج العواصف الرملية والترابية بالشرق الأوسط    فوز «حسن عمار» في جولة الإعادة بالدائرة الأولى ب انتخابات مجلس النواب ببورسعيد    وكيل فرجاني ساسي يصدم الزمالك: سداد المستحقات أو استمرار إيقاف القيد    كأس عاصمة مصر - إبراهيم محمد حكم مباراة الزمالك ضد حرس الحدود    أمم إفريقيا - منتخب مصر يخوض مرانه الأول في المغرب    (اشتباكات الإسماعيلية) إهانات بين الكعب الأعلى: جيش أم شرطة؟.. وناشطون: طرفان في المحسوبية سواء    بالأرقام، الحصر العددي لجولة الإعادة بالدائرة الأولى بالمنصورة    محمد موسى عن واقعة نبش قبر فتاة: جريمة تهز الضمير قبل القانون    «لم يصلوا أبداً».. حكاية 7 أشخاص احترقت بهم السيارة قبل أن تكتمل الرحلة بالفيوم    رحلة التزوير تنتهي خلف القضبان.. المشدد 10 سنوات ل معلم صناعي بشبرا الخيمة    الزمالك يهنئ بنتايج والشعب المغربى بالتتويج ببطولة كأس العرب    رئيس الوزراء يرد على أسئلة الشارع حول الدين العام (إنفوجراف)    جوتيريش يدعو إلى توظيف الهجرة لدعم التنمية المستدامة وتعزيز التضامن الإنساني    فلسطين.. قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف جباليا شمال قطاع غزة    مش فيلم.. دي حقيقة ! شاب مصري يصنع سيارة فوق سطح منزله مع "فتحى شو"    أزهر اللغة العربية    بميزانية تتجاوز 400 مليون دولار وب3 ساعات كاملة.. بدء عرض الجزء الثالث من «أفاتار: نار ورماد»    مصطفى بكري: الطبقة المتوسطة بتدوب يجب أن تأخذ حقها.. وننقد حرصا على هذا البلد واستقراره    ترامب يدعو أوكرانيا إلى التحرك سريعا لإنهاء الحرب    كونتي: هويلوند يمتلك مستقبلا واعدا.. ولهذا السبب نعاني في الموسم الحالي    هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل عليَّ إثم لو لم أتزوج؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم    سنن يوم الجمعة: آداب وأعمال مستحبة في خير أيام الأسبوع    اللجنة العليا للتفتيش الأمني والبيئي تتفقد مطار الأقصر (صور)    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    قبل صافرة البداية بساعات.. بث مباشر مباراة السعودية والإمارات في كأس العرب 2025 وكل ما تريد معرفته عن القنوات والتوقيت وطرق المشاهدة    الأردن يواجه المغرب في نهائي كأس العرب 2025.. كل ما تحتاج لمعرفته عن البث المباشر والقنوات وطرق المشاهدة أونلاين    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الخبرة الدينية والحرية الإنسانية!
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 10 - 2014

تتوزع الخبرة الدينية على مستويين متمايزين: مستوى أولى يتمثل فى الاتصال العاطفى مع المبدأ الإلهي/ القدسي، ومستوى ثانوى يتم فيه عقلنة هذه الخبرة وتنظيمها اجتماعياً، ويتم ذلك بواسطة تمايزها إلى معتقدات من ناحية،
وإلى عبادات وشعائر من ناحية أخري. على المستوى الأول تصير الخبرة الدينية خبرة متفردة تماما، باعتبارها حوار الكائن البشرى مع خالقه وهو حوار خاص جدا يترقى فيه الإنسان بقدر ألقه الروحى الباطنى فيما لا سبيل إلى تعلمه من أحد أو نقله عن أحد أو إلى أحد. وعلى المستوى الثانى تصير هذه الخبرة إلى تقليد يدور حول نصوص ونقول، يقصد إلى التعليم والتنظيم، ما يجعل منه نسقا يمكن الدخول إليه والخروج منه، نقله عن سابقين إلى لاحقين، وطقسا يمكن الاشتراك فيه مع آخرين.
على المستوى الأول لاسبيل للحديث عن ارتقاء أو تدهور فى نمط التدين، فنحن أمام ذلك الجوهر العميق للدين كحالة روحية وخبرة باطنية وجسر وجودى يربط عالم الشهادة بعالم الغيب، يدفع الروح الإنسانية إلى تجاوز نفسها، والتعالى على وجودها المباشر.. إننا هنا أمام تجلى الحقيقة الإلهية للضمير الإنساني، وكذلك أمام قدرة الروح الإنسانية على الإصغاء لهمس تلك الحقيقة وما توفره من شعور بالتواصل مع المقدس، على نحو يزيد من اليقين الإنسانى بالحضور الإلهى فى العالم، ومن الشعور بالعناية الإلهية للمصير الإنسانى على الأرض وهو جوهر يمكن امتلاكه، ويُتصور فقده ولكن ذلك لا يعتمد على أساليب مدرسية أو قواعد مقننة قابلة للتطور والارتقاء بل هو رهن القوة الروحية للفرد التى تصنعها ميوله ويلهمها تكوينه النفسى واستعداده الجواني، فالإيمان هنا هو نتاج العوالم الداخلية للإنسان، بقدر ما أنه وسيلة مثلى لإنماء هذه العوالم. وعلى المستوى الثانى ثمة إمكانية للحديث عن تغاير فى أشكال وأنماط التدين، سواء بالارتقاء أو التدهور، بالنضوج أو التشوه، وهو التغاير الناجم عن عمليات نقل وتنظيم الخبرة الدينية، بحسب الترقى فى طرق تأويل وتدوين النصوص، والتباين فى مسارات احتكاكها بالواقع التاريخي، ومستويات تفاعلها مع العقل الإنساني.
على المستوى الأول وحده، يصبح الدين منشطا للنزعة الفردية، ومن ثم جذرا عميقا لمفهوم الحرية بالمعنى الوجودى العميق، على نحو ما تبدى فى دعوة المسيح عندما حاول أن يعيد وصل الناس جميعا بالوحى الإلهي، وأن يفتح أمامهم أبواب الملكوت كى يدخلوه بالإيمان لا العرق، بالروح لا الجسد كما ذهب التصور اليهودي/ القبلى للعلاقة بين الله والإنسان، فقد رأى المسيح أن الملكوت يسع الجميع، وعناية الله تظل الجميع، ورحمته لا تقتصر على أحد، بل تحيط بكل البشر الخاضعين لمشيئته.
ولم يقل الإسلام بغير ما قال المسيح، فيما صرف كل جهده إلى نفى الكهانة التى نمت بعده، وتهذيب سلطان الكنيسة التى هيمنت على ضمير المؤمنين به. ففى الإسلام توجد حقيقة بسيطة ولكن عميقة ورائعة: لم يكن الله أبدا سوى واحد أحد، لا حاجة له سوى ضمائرنا، ولا مطلب لديه إلا صلاحنا، ولا شروط لعنايته إلا قربنا منه، ومناجاتنا له، فهو الأقرب إلينا من حبل الوريد، وهكذا تصير العلاقة بين الله والإنسان فى الإسلام علاقة شفافة بين خالق قادر ومخلوقات واعية، تصلى له لتتواصل معه، تدعوه فيستجيب لها، فيصير الله محبة، والإيمان إخلاصا، والعقيدة ضميرا، والخلاص النهائى مكافأة إلهية، يمنحها الله لنا جزاء وفاقا لإيماننا الداخلي، وعملنا النقي، وسعينا الدءوب إليه.
ورغم إصرار القرآن الكريم على إثبات تلك العلاقة الشفافة بين الإله المتسامي، والإنسان العاقل، فإنه لم يقع فى أسر الإدراك المثالى المتفائل عن إنسان لا يخطيء، بل تسامت بصيرته إلى إدراك كنه ذلك الإنسان الذى تعتوره عوامل الضعف وضغوط الحس، وتدفع به نحو الخطيئة ولكنه، بفعل إيمانه، لا يستسلم أبدا، باحثا دوما عن طريق البراء والعودة إلى الله، الذى شاءت إرادته أن يظل بابه مفتوحا أمام عبده. فإذا كان الله يحب العابد العارف له ابتداء، فإنه يحب العبد المنيب إليه انتهاء وربما أكثر، لأن فى توبته شعورا عميقا بألم الإثم الذى ارتكبه رغم حلاوته فى نفسه، وهو إذ يقلع عنه، إنما يضع حبه لله قبل حبه لذاته، وهو ما يدركه الله فيحب العبد ويرحمه مهما تكرر خطؤه، وإن تعثر السعي، وتشوه العمل، وتنوع الإيمان، فالله خالق لا قاتل، رحيم رغم كونه قادرا.
وهكذا لا يعدو رجل الدين أن يكون فقيها، له فقط حق التعليم أو التفسير، ولا احتكار لقراءة أو تأويل كتابه المقدس (القرآن الكريم) الذى يقرأه الجميع بشرط وحيد «موضوعي» وهو العلم بأساليب البيان، وليس بشرط انتقائي/ تفضيلى أو «تحكمي» هو الانتماء للسلك الكهنوتي، فلتذهب الكهانة إذن وليذهب السدنة، كل السدنة، سدنة الإيمان والسلطة والسيادة، إلى قعر الجحيم. وقد ترتب على ذلك أن الإسلام العام/ السنى لم يشهد قط ظاهرة السلطة الدينية المهيكلة فى هرم تراتبي، وإن وجدت على استحياء فى مراحل متأخرة داخل المذهب الشيعى فيما تجسده فكرة ولاية الفقيه، وترتيب «آيات الله» فهو وجود اسثنائى لا ينبع من النص القرآني، ولا من روح العقيدة، بل نبت فى مراحل تالية من رافدى الصراع السياسي/ المذهبي، والتدهور التاريخي/ الحضاري.
وعلى هذا فإن مفهوم الحرية، لا يبدو فقط أمرا ممكنا فى الإسلام، بل واجبا دينيا أيضا، فكل فكرة تُمكن الإنسان من ممارسة أكثر إبداعية لعهد استخلافه على الأرض، هى فكرة إسلامية بالضرورة. فحتى يبقى الإسلام دينا شاملا وخالدا، لا يمكن اختزاله فى أركانه الخمسة فقط، ولا يجب حبسه فى نسق فكرى مغلق ينتفى عنه كل ما عداه، ولا التنازل عنه لكهنة يحتكرون روحه ويتحدثون باسمه، بل يتعين اعتباره نسقا مفتوحا يستوعب كل فكرة خلاقة وفعل مبدع فى التاريخ طالما كانا قادرين على ترقية الحضور الإنسانى على الأرض، من دون نفى لمركزية الله فى الوجود، كما يتسع لكل البشر، ويمنحهم نفس القدر من الكرامة الإنسانية، لمجرد كونهم بشرا، أى شركاء فى عهد الاستخلاف الإلهى للإنسان على الأرض، ولو تعددت الأديان، واختلف شكل الإيمان.
لمزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.